Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق

يزيل اليوم عن كاهله الخرافات مدركاً أن أجمل ما في الحياة أن أوهامنا معنا

"الاحتلال الأميركي لم يُزل الديكتاتورية بل نبش الوحل" (أ.ب)

درسٌ قلّ مثيله، العراق اليوم، درسٌ في النقائض، درسٌ في غير المتوقع، هذه الأرض السوداء، الولايات المتحدة العراقية، كما هي التاريخ، هي الغد الذي يبدأ اليوم، بلاد الشهيد، بلاد الشاعر، بلاد الحلم، بابل الدنيا اليوم كما الأمس، بغداد سندباد المُستكشف الكاشف، العراق ألف ليلة وليلة، وألف يوم ويوم، العراق ظاهرةٌ قل مثيلها، فهو مجتمع مكونات تاريخية متنوعة، وظل تاريخياً فاعلاً ومنتجاً للفعاليات، رغم ظواهر العنف التي عُرف بها، أما بغداد فهي مدينة الأطفال، أي المدينة التي كونت أحلام أطفال العالم، كسندباد، وعلاء الدين، والمصباح السحري، وكأنما بغداد الشيء ونقيضه مُجسداً.

العراق اليوم، يقدم إحدى عجائبه، فالشارع العراقي يُمسك بزمام الأمر، رغم كل التضحيات، والتدخل الإقليمي والدولي، فالشارع العراقي موحد، في مواجهة سلطة متصارعة ومتفرقة، وفي هذا يقدم درس: أن الصراعَ يكونُ موحداً، في حالة كان الشارع الفاعل، وأن التباينات تنصهر فتقوي الشعب المتعدد الاثنيات والطوائف، وأن الثورات التي من مهامها الرئيسة، هدم القديم البالي، وازالة كل المعوقات، هي أيضاً مصهر الفاعلية، مبرزة للأصيل، في معدن أبناء الوطن الواحد.

العراق اليوم يدفع تكاليف إضافية، فالاحتلال الأميركي، لم يُزل الديكتاتورية، بل نبش الوحل وأعاد انتاج فاشية القوى الدينية، التي كانت قد تحولت إلى المتحف، فعمل الإحتلال على إعادة احيائها، فدعمها، ثم أتاح الفرصة لمثيلها الحاكم في إيران، أن يحكم بغداد وأن يعيث فيها فساداً، بقناع الدين، وروح القومية الفارسية الغابرة.

وبهذا بات العراقيون، بين مطرقة الاحتلال الأميركي وتوابعه، وسندان التدخل الإقليمي المُصدر لإزماته، وقد حدث ذلك دون عضيد أو داعم، فلا حليف للعراقيين كان، في مواجهة المطرقة والسندان، لقد تخلى جميع المتصارعين عن العراقيين، بل ومنهم من صبّ الزيت على النار، لأجل ازاحة العراق كمنافس فاعل قوي في المنطقة، وحتى أن هذا جمع بين الاعداء، فتحولوا في هذه اللحظة الاستثنائية إلى حلفاء.

العراق اليوم، الدرس الفصيح، أن المحنة تخلق تفاؤل الإرادة، رُغماً عن تشاؤم العقل، وفي الموجة الثانية للربيع العربي، العراق بكافة مكوناته، ينتهز فرصة اشتباك الخصوم الإقليميين والدوليين، فيسيطر من خلال الشارع على الزمام.

أما إلى أين؟، فمن طبائع البشر، ومن خلال تمازج الجغرافيا بالتاريخ، يبقي الأين، المجهول، رغم الأهداف والشعارات المرفوعة، الهدف الرئيس ما يحكم اللحظة، بأن أفعال البشر تدرك وتحيط بما لا تريد، لأنه مجسد بيّن، فيما ما تريد يتمظهر كحلم، ما هو يماثل إرادة العالم في مختبره، مهما حملّ من تصورات، ووضع من حسابات، فللمختبر قانونه، وللتجارب تفاعلها، ولهذا الكثير، من الاكتشافات العلمية والاختراعات، ابنة تفاحة نيوتن وأسطورتها.

العراق اليوم، يزيل عن كاهله الخرافات، مدركاً أن أجمل ما في الحياة أن أوهامنا معنا، فالإنسان بحكم الضرورة، موهوم أنه يعيش أبداً، لذا غده يبدأ اليوم، ولذلك العراقيون في ساحة التحرير يقبضون على الجمر، بإدراك أنهم قد غيروا واقعهم، وأن المستقبل صنعته هذه اللحظة الاستثنائية، لكن تفاصيله ليست من مهامهم، كما قانون أرشميدس نتيجة طوفان.

العراق اليوم درس أن تقوم بالمهمة كما يجب، أن يجب ما يجب، وأن الخيبات والارتباكات في جراب ما مضى، لن تحيده عن صناعة المستقبل، فالجماعات الحاكمة المتفرقة، قلبها، قلب لص مرتجف، يلوذ بالهروب، وأنه يقوم بمهامه كوكيل اقليمي ودولي، فيما القيامة الآن.

ما في العراق اليوم، ليس كمثله شيء، كما صرح رئيس الوزراء المخلوع، ليس بالتظاهر والتضحيات فحسب، بل بالإصرار والعناد على القيام، القيام في مواجه الخصوم المتعددي الأرومة، من يلبسون جميعاً قناع الجبة والعمامة، منذ زمن طويل، أو يتقنعون بالقومية وهي منهم براء، ولذا ما يحدث في العراق، حرق عراق الزيف. وإذا كان للإقليميين والدوليين النفوذ فالمصالح، فإن العراقيين يخرجون عن تمثيل، دور أي أحد وكل أحد، فمصالح ونفوذ أولئك، يتحقق حقاً عند تحقق العراق، شرط أن ذا العراق، ليس أي عراق كان.

الحرب الضرورة عند الدول الكبرى وتوابعها، كان العراق ساحتها، كما أن سوريا الرديف، فالعراق، الولايات المتحدة العراقية التاريخية، ساحة لتصفية الحساب، بعد أن أزاح الكبار الحرب عن قارة الحروب أوروبا، في العصر الذري، وما بعد عصر القطبين والحرب الباردة، وإذا كان العراق ورديفه سوريا ساحة لحرب دولية، على غير شاكلة ما عرف من حروب، فإن زحزحة ذلك عنه ليست بالأمر الهين.

لكن العراق اليوم، رغم ذلك يؤكد نهاية الحروب، التي لباسها حروب دينية، عقب هيمنة الملالي على إيران، فالحرب الأفغانية، ضد دولة الإلحاد، بقيادة دولة العلم والايمان/ الولايات المتحدة. بل وأن العراق اليوم، في جملة متغيرات تطال الكرة الأرضية، يدرك ويساهم، في المتغير الأساس لمفهوم الدولة الوطنية، فالسيادة الوطنية، ما اتخذت جسراً لحكم الفرد المطلق، ولسلب البلاد إرادتها فثروتها، في العراق اليوم متغير لازب في هذا. 

الخلاصة: ما زال على العراق تكاليف كبيرة كثيرة، مُلزمة الدفع، فقد أثقلته طُغَمُهُ المحلية، وسادتهم الدوليين والإقليميين بديون طائلة، لأجل دور بخس، وكما يبدو أن الوعي الجمعي، وهو يُقدم الثمن الغالي/ الأرواح، يُقدم على دفعات تلك الديون الواجبة الدفع، فحقوق العراقيين تُستعاد على مراحل، ما يحدث في العراق اليوم، الدفعة الأولى ليس إلا.

ما يحدث في العراق اليوم، مؤشر أول لم تتضح معالمه بعد، على نهاية الحرب بالوكالة، والحروب الدينية المستحدثه، واستحداث عصر أخر...    

                     

المزيد من آراء