Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخاوف التجارية تطل في جميع أنحاء العالم – لكن الأنظار كلها على صفقة ما بعد بريكست

إذا حصل انفصال حقيقي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنها ستكون المرة الأولى التي يتم فيها بناء حواجز تجارية بين بلدان كانت أبواب التجارة بينها مفتوحة كلياً لأكثر من جيل.

صورة لموظفة في معمل للأعلام توضب علمي أوروبا و المملكة المتحدة في شمال انكلترا. (أ.ف.ب)

الاقتصاد الأوروبي يكاد يتوقف عن النمو، وهذا لا يرتبط سوى قليلاً جداً بمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لكن في حال ساءت مفاوضات بريكست فإن السماء سوف تَسْوَد، ولن يقتصر الحال على أوروبا.

لقد رأينا حديثاً بعض الأرقام السيئة بالنسبة للمملكة المتحدة في الربع الأخير من العام الماضي، والأمر المُثير للصدمة بشكل خاص كان ان الاقتصاد سجّل انكماشاً في ديسمبر (كانون الأول) على ما يبدو. وإذا كان هذا صحيحاً، ومن منا لديه بعض الخبرة يعرف أن هذه الأرقام غالباً ما تكون خاطئة،  فهو إشارة على وقوع تدهور حاد بالفعل خلال موسم أعياد الميلاد.

من المؤكّد أن بعضاً من هذا الانكماش مرتبط بالحذر تجاه علاقة المملكة المتحدة بأوروبا. سيكون من السخافة عدم الاعتراف بهذا، رغم أنه قد يكون أيضاً نتيجة تقديم الناس عمليات الشراء الموسمية إلى نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب إغراءات تنزيلات "الجمعة السوداء."

هذا الأمر ليس جيداً، ليس جيداً على الإطلاق. لكن التباطؤ في أوروبا كان أسوأ. كان اقتصاد منطقة اليورو قوياً في النصف الأول من العام، ولكن حصل شيء ما سيء وكبير خلال فصل الصيف. دخل الاقتصاد الإيطالي في حالة ركود وتقلص خلال ربعيْن متتاليين. وبالنسبة لألمانيا، تراجع الاقتصاد في الربع الثالث، وبالكاد سجل نمواً في الأشهر الثلاثة الأخيرة على ما يبدو (لا توجد لدينا الأرقام بعد). أما في فرنسا، فقد سجّل الاقتصاد نمواً بطيئاً بلغ 0.3 في المئة في كل ربع.

وفي الواقع، بعد أن سجّل اقتصاد المملكة المتحدة أداءً أضعف من أداء معظم دول أوروبا في النصف الأول، يبدو أنه شهد نمواً أسرع من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا في النصف الثاني.

إنني أجد هذا منذراً بالخطر حقاً. قد تتوقع صعوبات في بريطانيا، لأنه مهما كانت وجهات نظرك حول الأوضاع في المستقبل الطويل داعمة أو معارضة لـ بريكست، فإن الاضطراب ليس جيداً على الإطلاق. لكن حصول تباطؤ أوسع في جميع أنحاء القارة سيكون مقلقاً حقاً.

هنا أرى طرح سؤالين كبيرين، أحدهما محدّد لأوروبا. هل بطء النمو الاقتصادي أمر حتمي على المنطقة، وهل نحن الآن في طور مشاهدة مزيد من العلامات على ذلك؟ والسؤال الآخر مرتبط بما إذا كان التوتر بين المملكة المتحدة وأوروبا سيصبح مسألة طبيعية للعالم، ما سيضر بالنمو في كل مكان.

 بخصوص السؤال الأول، فإن النمو البطيء للقوى العاملة في أوروبا وشيخوخة سكان القارة يعني أنها ستصارع كي تكون منطقة حيوية. والواقع يقول إنها لن تكون كذلك. إذن كيف سيكون رد فعل الأوروبيين الشباب على ذلك؟

نحن قريبون جداً من هذا التباطؤ الذي شهده النصف الثاني من عام 2018 بحيث لا نستطيع معرفة ما الذي حصل بشكل سيء. لكن هناك أمر ما مرتبط باعتماد ألمانيا المفرط على الصادرات (تلقت ضربة قوية جراء التباطؤ في الصين)، وآخر مرتبط بافتقار إيطاليا للقدرة التنافسية في ظل اليورو (ارتفاع بسيط في مستويات المعيشة منذ إطلاق العملة)، وكذلك مع الصلابة الهيكلية التي تعاني منها فرنسا (تعطيل الإصلاحات من قِبل "السترات الصفراء").

يبلغ معدل البطالة في منطقة اليورو 8 في المئة. وهذا في ذروة دورة الأعمال. فكيف سيكون رد فعل الناس عندما يطرأ تغيير على الدورة ويبدأ معدل البطالة في الارتفاع مرة أخرى؟

السؤال الثاني طرحه محافظ بنك انجلترا مارك كارني، في خطاب ألقاه في لندن عندما قال: "بريكست في كثير من النواحي هو أول اختبار لنظام عالمي جديد، وقد يكون المحك الحقيقي لمعرفة ما إذا يُمكن إيجاد طريقة لتوسيع فوائد الانفتاح مع تعزيز المساءلة الديموقراطية. خروج بريطانيا يُمكن أن يؤثر على المشهد العالمي على المدييْن القصير والطويل."

لابد من أن هذا صحيح. كان هناك ما يكفي فقط من الدعم السياسي لحريات تجارية أكبر من أجل الحفاظ على نموها عبر الحدود، ليس فقط من حيث القيمة المطلقة وإنما أيضاً من حيث تناسبها مع إجمالي الناتج المحلي. لكن كان هناك ما يكفي فقط. لقد توقفت جهود إجراء مزيد من الجولات التجارية عبر منظمة التجارة العالمية، حيث يجري إعادة التفاوض بشأن صفقات تجارية إقليمية، مثل نافتا، فيما تتعرض العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين (التي تخضع لقواعد منظمة التجارة العالمية) للتهديد.

ومع ذلك، يمكن فهم هذه التوترات، لأن الولايات المتحدة والمكسيك من جهة والولايات المتحدة والصين من جهة أخرى لديها اقتصادات في مراحل مختلفة جداً من التطور. إذا حصل انفصال حقيقي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإنها ستكون المرة الأولى التي يتم فيها بناء حواجز تجارية بين بلدان كانت أبواب التجارة بينها مفتوحة كلياً لأكثر من جيل.

من شأن هذا أن يشكل سابقة للعالم. إذا لم يكن هناك دعم سياسي كاف من كلا الجانبين البريطاني والأوروبي للاتفاق على صفقة مقبولة، فكيف سينعكس ذلك على مناخ الحفاظ على الحريات التجارية بشكل عام؟

وجهة نظري الخاصة هي أن اقتصادنا العالمي يحتاج إلى أن يكون أكثر حساسية تجاه الضغوط المحلية. يجب أن يُنظر إلى التجارة الدولية على أنها في صالح الجانبين، وهذا في كثير من الأحيان غير ملحوظ. فالخلافات داخل أوروبا، والتي كانت مؤخراً بين إيطاليا وفرنسا، تشير إلى أن فوائد العضوية في الاتحاد الأوروبي ليست ملحوظة للعديد من الأشخاص في القارة. هذا يجب أن يكون قابلاً للمعالجة، لا بل يجب معالجته. أوروبا ستكون منطقة بطيئة النمو مهما حصل، لكن كلما زادت التوترات، كلما كانت النتيجة أسوأ.هكذا ببساطة.

© The Independent

المزيد من آراء