تعتبر كرة القدم لعبة الشعب بامتياز، ما يجعل عنصرية المشجعين مشكلة أكثر وضوحاً في الملاعب، من شمال البلاد إلى جنوبها، بالمقارنة معر رياضات اخرى. إنه الواقع المُر الآن، وإنها بريطانيا 2020.
ونظراً لأن هذه الرياضة تحظى بشعبية كبيرة على مستوى العالم، فإنها تمثل المجتمع إلى حد كبير، وتعكس بالتالي كثيراً من المشكلات المتأصلة في عدد من مناحي الحياة.
في الواقع إنه نفس المجتمع الذي انتخب حديثاً رئيساً للوزراء استخدم لغة عنصرية بشكل علني. في معظم البلدان "الليبرالية" التي يُفترض أن تشمل بريطانيا، كان من شأن تعليقات بوريس جونسون حول "البطيخ" و"صناديق البريد" أن تنهي حملته السياسية على الفور. لكن في ظل المناخ الحالي، لم تكن تلك التعليقات عائقاً على الإطلاق أمام حصوله على أغلبية تاريخية.
والحقيقة أن كلمات جونسون ذاتها التي عبّر عنها كسياسي وكموظف حكومي، ساعدت في خلق المجال العام الذي نعيش فيه الآن بتوفير الوقود والترخيص للمتعصبين في بلادنا. خذ البريكست، أيضاً، وجذورها. تمثّل الدافع وراء جزء كبير من نسبة الـ52% التي صوتت لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي، في أفق الحدّ من الهجرة مع كل ما يحمله ذلك من مشاعر دفينة. وعلى الرغم أن العنصرية ربما لم تكن العامل الأساسي في تصويت الخروج، إلا أنها شكّلَتْ أحد العوامل الدافعة بالنسبة لبعض الأفراد.
وعلى الجانب الآخر من الانقسام السياسي، هناك حزب معارض يجري التحقيق معه من قِبَلْ "لجنة المساواة وحقوق الإنسان" بسبب معاداة السامية وتعامله معها بسهولة. يتلاءم الأمر مع مناخ رفض أقليات المجتمع وتشجيع الإساءة إليها أو عدم التعامل معها جدّياً بما فيه الكفاية من قبل من الموجودين في مواقع السلطة.
وبالتالي، ليس من المفاجئ على الإطلاق وقوع حادث آخر في إحدى مباريات كرة القدم، حيث أُجبر نادي "توتنهام هوتسبر" على الالتزام بالبروتوكول بعد الإبلاغ عن سوء المعاملة ضد مدافع تشيلسي أنطونيو روديجر. وفي حال أكّد التحقيق القادم وجود حالة من العنصرية، فسيكون ذلك مجرد جزء من نزعة متنامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن ذلك ربما لم يعتبر صادماً، إلا أنه مثير للإشمئزاز بشكل خاص بسبب تكرار مثل هذه الحوادث.
منذ وقت ليس ببعيد، ربما إلى حدود سنتين أو ثلاث سنوات، لم يكن ممكناً تصور شخص يُقَلّدْ صوت القرد أو يرمي موزة في مباراة كرة قدم. كان يمكن أن يكون ذلك بعيداً من قواعد السلوك إلى درجة أنه كان لا يمكن تصوره.
لكن بالنظر إلى موجة هذه الحوادث، من الواضح أن الثقافة والتصورات الأخلاقية للخطأ والصواب قد تغيرت، ولدينا اليوم أشخاص مستعدون لإساءة معاملة بشر آخرين بشكل علني على أرضية الملعب عِبْرَ تقليد أصوات القردة، وأمام عديد من الأشخاص الآخرين في المدرجات. لقد حدث تمكين مروع وفظيع لذلك السلوك المشين.
قد يكون أحد الحجج أن هذا النوع من السلوك كان موجودًا دائماً، لكن الجديد اليوم أنه يجري التعبير عنه بحرية. هذا ما فعله مناخ اليوم. إنّه المناخ الذي تعكسه هذه الحوادث. إنه أمر محزن أن تصبح شعبية كرة القدم مطية لمثل هذا السلوك.
واستطراداً، يعني الأمر نفسه أيضاً أن العنصرية ليست مشكلة كرة القدم بشكل أساسي، لأنها منتشرة بشكل أوسع وأعمق، لكنها لا تزال مشكلة يتعيّن على الرياضة محاربتها. تحتاج كرة القدم إلى استخدام شعبيتها لغايات إيجابية، ولا يكفي الإشارة إلى أن العنصرية مشكلة المجتمع بأسره.
لكن الأمر يبدو كأنه مشكلة متفاقمة، كما لو كانت البلاد قد أصيبت بعدوى عنصرية تنتشر أكثر فأكثر مع كل أسبوع. إنها بريطانيا 2020. ومن المؤسف أنها أيضاً كرة القدم في 2020.
© The Independent