في مراسم تُظهر غنى التاريخ والثقافة البريطانيين، افتتح مجلس النواب البريطاني دورته البرلمانية الجديدة، الخميس 19 ديسمبر (كانون الأول)، بتشريفات تمحورت حول خطاب الملكة إليزابيث الثانية، في حدث يجذب سنوياً الجماهير والمتابعين لما فيه من تقاليد تجسّد عظمة المملكة المتحدة، وفي ما يلي أبرز تفاصيله.
يُلقى خطاب الملكة عادةً في مايو (أيار) من كل سنة، لكن موعده قابل للتغيير خصوصاً عند إجراء انتخابات عامّة توجب افتتاح دورة برلمانية جديدة. يُكتب من جانب الحكومة وتلقيه الملكة أمام مجلس اللوردات، بحضور هؤلاء والنواب والقضاة والسلك الدبلوماسي، في إشارة إلى الفصل بين السلطات في بريطانيا. ويهدف خطاب الملكة بشكل أساسي إلى إعلان خطّة الحكومة وأولوياتها ومشاريع القوانين التي ترغب في إقرارها خلال الدورة التشريعية المقبلة.
تفتيش أقبية قصر وستمنستر
تبدأ المراسم الاحتفالية بتفتيش أقبية قصر وستمنستر، حيث مجلسي العموم واللوردات، من قبل الحرس الملكي منعاً لأي مؤامرة مماثلة لـ"مؤامرة البارود"، التي شهدتها المملكة المتحدة في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1605، حين هرّب شبان كاثوليك براميل من البارود إلى أقبية البرلمان سعياً لتفجيرها عند حضور الملك جيمس الأول لإلقاء خطابه، لكنهم ضُبطوا وأفشلت محاولتهم وأعدموا.
احتجاز نائب رهينةً
وقبل انطلاق الملكة إلى وستمنستر، يُحتجز نائب في قصر بكغنهام كرهينة حتى انتهاء مراسم افتتاح الدورة البرلمانية، وذلك كضمانة لعودة الملكة سالمةً إلى قصرها. وتعود جذور هذا التقليد إلى عهد الملك تشارلز الأول الذي كانت علاقاته متوترة مع البرلمان، والذي أعدم عند انتهاء الحرب الأهلية عام 1649.
تنطلق من ثمّ الملكة في موكب يقلّها من قصر باكنغهام إلى وستمنستر، في عربة تجرّها الجياد، وتدخل مجلس اللوردات من باب خاص بها. ويعود ويتوجّه "بلاك رود"، ممثّل الملكية في مجلس اللوردات ومن يتولى تنظيم الدخول إليه وحفظ النظام فيه، إلى مجلس العموم ليدعو النواب إلى الاستماع لخطاب الملكة. يكون باب مجلس العموم مغلقاً ويتوجّب على "بلاك رود" طرقه ثلاث مرات قبل أن يدخله، كدلالة على استقلال مجلس العموم عن العرش الملكي.
مناقشة الخطاب
وبعد انتهاء المراسم، يعود النواب إلى مجلس العموم ليناقشوا خطاب الملكة ويصوّتوا عليه. يلقي نائبان خطابين تمهيديين قبل أن يبدأ رئيس الوزراء كلمته ليعرض مشروع حكومته ويقنع النواب به. من ثمّ يحظى زعيم المعارضة بفرصة الردّ على رئيس الوزراء، وتتوالى من ثمّ مداخلات النواب. تمتدّ مناقشة الخطاب عادةً لستة أيام، على أن يُعرض في كل يوم محور من خطة الحكومة للمناقشة، كالاقتصاد مثلاً والشؤون الداخلية. وفي نهاية النقاشات، يصوّت النواب على الخطاب في خطوة رمزية، إذ نادراً ما تُهزم الحكومة فيه. المرة الأخيرة التي خسرت فيها الحكومة هذا التصويت كانت عام 1924 في عهد رئيس الوزراء ستانلي بلدوين، الذي طلب حينها إلقاء خطاب ثان.
ألقت الملكة إليزابيث الثانية 65 مرة الخطاب، لكنها تغيّبت عامي 1959 و1963 بسبب حملها، ليُلقيه حينها المستشار البريطاني مكانها.
الأولوية اليوم لبريكست
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالنسبة إلى الخطاب الأخير، الخميس، الذي جاء عقب اكتساح المحافظين بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون الانتخابات العامة، فقالت الملكة التي كانت تجلس على عرشها الذهبي "أولوية حكومتي هي تنفيذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير (كانون الثاني) 2020". أضافت "بعد ذلك سيسعى وزرائي إلى إقامة علاقة مستقبلية مع الاتحاد الأوروبي تقوم على اتفاق تجارة حرة يفيد المملكة المتحدة بأكملها".
وكانت الملكة ألقت خطاباً في أكتوبر (تشرين الأول) بعدما أصبح جونسون زعيماً لحزب المحافظين في يوليو (تموز)، عقب تصويت داخل حزبه. وتسبّب تمرّد عدد من أعضاء الحزب، بسبب بريكست، في خسارته التأييد الذي يحتاج إليه في مجلس العموم للحكم، فدعا إلى انتخابات مبكرة حقّق فيها فوزاً ساحقاً.
ونتيجة لذلك خفّفت كلمة الملكة البالغة من العمر 93 عاماً. وبدلاً من أن تأتي في عربة تجرّها الخيول، جاءت في سيارة. وأهم ما جاء في أجندة الحكومة، طرح مشروع قانون للمصادقة على "مشروع قرار الانسحاب" من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيُطرح لتصويت مجلس العموم الجمعة المقبل.
ويغطّي مشروع القانون الالتزامات تجاه الاتحاد الأوروبي وحقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والترتيبات الجديدة لإيرلندا الشمالية، وسيشتمل على تواريخ الفترة الانتقالية التي ستبقي على العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي من دون تغيير حتى 31 ديسمبر 2020، للسماح للجانبين بالتوقيع على اتفاق تجاري جديد. ويمكن تمديد هذه الفترة لعامين، إلا أن لندن تصرّ على أن ذلك لن يكون ضرورياً. ويشمل مشروع القانون كذلك خططاً تتيح للمحاكم البريطانية، بما فيها المحكمة العليا، إلغاء أحكام محاكم العدل الأوروبية بشكل يضمن لبريطانيا إخراج نفسها سريعاً من قانون القضايا الأوروبية.
وأعلنت الملكة في خطابها أن الحكومة ترغب في تمرير مشروع قانون لتشديد عقوبة المُدانين بالإرهاب كي يسجن أكثر هؤلاء خطورة لمدة لا تقل عن 14 عاماً. ويستثني هذا القانون إمكانية الإفراج المبكر عن هؤلاء، ويمنع أيضاً الإفراج المبكر عن أولئك الأقل خطورة قبل قضائهم ثلثي فترة عقوبتهم.