Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أيزيديون يبحثون عن هويتهم في جورجيا

قادة الطائفة يتكاتفون لحماية عقيدتهم بعدما كادوا يفقدون وجودهم في المجتمع الجورجي

كان قبة سلطان أزيد -حين دُشن سنة 2015- ثاني معبد أيزيدي شيد خارج العراق، (لمى شحادة/ إندبندنت)

تحاول الديانة الأيزيدية الآن بعد فترة من الركود خلال الحقبة السوفيتية ومرحلة من التجاهل والتحييد بسبب هيمنة المسيحية، إعادة ترسيخ نفسها في نسيج الحياة الجورجية. ويقول الشيخ نوري شيخناماتي رجل الدين في "قبّة سلطان أيزيد" وهو معبد أيزيدي في العاصمة تبيليسي: "في ذلك الوقت، لم نكن بحاجة إلى الدين. فقد كان لينين هو مَن نسلّم به."

ويضيف: "كان الناس أكثر إنسانية. أما الآن مع الرأسمالية المتوحّشة، فإننا نكافح للعيش يوماً بعد يوم. وقد حان الوقت للدين، فهو يمكن أن يساعد الناس، والجميع يحتاج إلى نوع من الروحانية."

يقع المعبد على قمة تلّة في ضواحي العاصمة الجورجية تبيليسي، وتحيط به كتلٌ سكنية مزدحمة تعود إلى الحقبة السوفييتية من جهة، ومركز تجاري جديد ضخم صيني البناء، وهو أكبر مجمّع في منطقة القوقاز، من جهة أخرى. وقد كان يوماً هادئاً عادة في المعبد الأيزيدي أعدّ لنا فيه شيخناماتي الشاي وقدّم لنا الحلويات بينما جلسنا معه في المطبخ.

الأيزيديون هم أقلية دينية من شمال العراق تنطق باللغة الكردية. وفيما يعيش معظم أتباع الديانة في العراق اليوم، سُجّلت موجتان من هجرة أبنائها إلى القوقاز في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ويعتبر بعض الأيزيديّين أنهم أكراد الإثنية فيما يرى البعض الآخر أنهم أيزيديّو الإثنية، ويمكن لهذا النقاش أن يطول وأن يكون مثار جدلٍ وخلاف.

ليس لهذه الديانة التوحيدية أيّ كتاب مقدّس، ويتمّ توارد نصوصها المقدّسة شفهياً من قبل رجال الدين في  الطائفة مثل شيخناماتي الذي وُلد في كنف عائلة من رجال الدين المعروفين باسم الشيوخ. ولا يعلّم هؤلاء الشيوخ الأيزيديون الدين رسمياً لأتباعهم، ويتمّ إخفاء الكثير من نصوصهم المقدّسة عن الذين هم من غير الأيزيديّين. وحتى وقت قريب، لم يُجرَ بناء أيّ معبد خارج معقل الطائفة في العراق.

وفي القوقاز، تسبّبت حملة التحديث التي فرضها الاتّحاد السوفييتي السابق، في فقدان كثير من رجال الدين الأيزيديّين هذه المعرفة المنقولة شفهيا. ويقول شيخناماتي: "بدأتُ أتعلّم النصوص في مرحلة لاحقة من حياتي، وكان ذلك في منتصف العشرينات من عمري. كنتُ أكثر اهتماماً بالجانب المهني، لكن الناس ظلّوا يطلبون منّي تعلّم الدين. ولم يكن لي الحقّ في رفض طلبهم، لأنني إبن شيخ."

وبدلاً من ذلك، درس هذا الرجل الميكانيكيّات الكهربائية للقطارات وأنظمة المترو. وفي الوظيفة الأخيرة قبل انضمامه إلى المعبد، قام بتصليح مصابيح الشوارع. وهو اليوم يعيش مع زوجته وإبنه وكنّته وأحفاده في إحدى الشقق في مبنى ضمن مجمّع بنايات سكنية قديمة لا يبعد كثيراً عن المعبد.

وقد أثّرت الاضطرابات الاجتماعية والتحوّلات السياسية على استمرار الديانة الأيزيدية في جورجيا. ويوضح ديمتري بيرباري وهو الزعيم الروحي للمعبد قائلا: "كان مجتمعنا ينهار. وكان التحدّي الأكبر هو تعبئة مجتمع من دون كتاب أو مؤسّسات أو أيّ بنية مركزية.

عندما تمّ تشييد معبد "قبّة سلطان أيزيد" في العام 2015 في جورجيا، كان المعبد الأيزيدي الثاني في العالم خارج العراق. يعلوه برج واحد فيما جدرانه الداخلية عارية على غرار على ضريح لاليش (للشيخ عدي بن مسافر)، وهو موقع الحجّ الأيزيدي الرئيسي في شمال العراق.

ويقع عند الجانب الآخر من المقام مبنى زجاجي على شكل هرم، يُستخدم مركزاً لتدريس اللغتين الجورجية والكردية. وقد تمّ أخيراً إطلاق دورةٍ فيه لتدريس الديانة الأيزيدية وتاريخها لأي فرد من الجمهور. وعُلّقت  صور من أرشيف الطائفة على جدران المركز، بما فيها صورة لأيزيديّين في العاصمة الجورجية خلال مسيرة الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر (تشرين الأول) العام 1938. هذه المسيرة كانت تعبيراً عن الوجود من  الجماعة الأيزيدية التي اقتربت بشكل خطير من فقدان حضورها ضمن المجتمع الجورجي.

وتقول ليلي سافاروفا الناشطة في مجال حقوق النساء والتربية في تبيليسي، التي شاركت في المراحل الأولية من إنشاء المعبد إن "عملية الاستيعاب كانت واضحة للغاية في مجتمعنا. فنحن نفقد لغتنا وديننا. ليس لدينا وطن وكنّا بحاجة إلى مساحة للحفاظ على استمرارية لغتنا وتقاليدنا."

وكان عدد أفراد الجالية الأيزيدية في جورجيا في مرحلة انهيار الاتّحاد السوفييتي السابق، قرابة 33 ألف نسمة. وتسبّب صعود القومية الجورجية والحرب الأهلية المستمرّة في التسعينيّات في موجاتٍ من الهجرة إلى مدن روسية ثم إلى أوروبا. ومع حلول العام 2002، انخفض عدد الأيزيديّين الذين يعيشون في الجمهورية القوقازية إلى النصف، وتحديداً إلى نحو 18 ألف شخص. وفي العام 2014، لم يبقَ منهم سوى 12 ألفا.

وفي جورجيا الدولة المحافظة دينيّا، حيث يلعب نفوذ الكنيسة الأورثوذكسية دوراً سياسيّاً بارزا، استغرق إنشاء مساحة مخصّصة لمجتمع الأيزيديّين في تبليسي أكثر من عقدين بين مرحلتي التخطيط والواقع.

وكانت فكرة إقامة المعبد والمركز الثقافي قد طرحت في التسعينيّات. وتم الحصول على الأرض بعد ذلك من الحكومة في العام 2007، وأعطي الإذن ببناء المعبد من قبل البطريرك إيليّا الثاني في العام 2010. وجرى الاعتراف رسمياً بالديانة الأيزيدية كياناً عامّاً في جورجيا في السنة 2011.

وسهّلت هذه العملية الإصلاحات السياسية بعد "ثورة الزهور" الناعمة في جورجيا العام 2003 (أطاحت آنذاك حكم الرئيس الجورجي إدوارد شيفرنادزه المدعوم من موسكو). وتُعدّ جورجيا موطناً لعددٍ من الأقليّات والأديان، وكانت تبيليسي تاريخيّاً مدينة محورية متنوعة وعالمية.

لكن بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي، لم يتمّ حتى العام 2005 تسجيل أي ديانة رسمياً بخلاف الكنيسة الأورثوذكسية الجورجية. وسمحت التعديلات التي أُدخلت على القانون المدني في العام 2011 لأديان الأقليّات بتسجيل نفسها كياناتٍ عامّة.

ويقول آجيت ميرزويف محامي الدفاع العام في مدينة تبيليسي الذي شارك في تسجيل المعبد والمجلس الروحي للطائفة الأيزيدية: "دافعنا عن هذه القضية لأنها منحت وضعاً قانونياً لجميع مؤسّساتنا". وأوضح أن "هذا الاحتمال لم يكن متوافراً من قبل".

وكان الاتّحاد السوفييتي السابق قد عمل على قمع الديانة، لكنه دعم في المقابل الثقافة الكردية وفولكلورها لمجتمع الناطقين باللغة الكردية في العاصمة الجورجية الذين كانوا في معظمهم من الأيزيديّين. وأحيى المسرح الكردي في تبيليسي الذي يديره مجتمع الأيزيديّين عروضاً فنّية وثقافية منتظمة، لكنه توقّف عن العمل في أوائل التسعينيّات، بعد نيل جورجيا استقلالها.

ويستذكر فيتالي نابييف وهو صحافي أيزيدي من تبيليسي يعيش الآن في فرنسا تلك المرحلة قائلا: "إن المسرح كان مصدر فخر لنا في ذلك الوقت، فقد سمح لأطفال جيلٍ من الأميّين في غالبيته بأن يدوّنوا سجّلات ثقافتنا وتاريخنا..."

وفي غياب مساحةٍ مخصّصة لتلك الثقافة، ملأت الجماعة القومية الكردية من الشرق الأوسط الفراغ. وكان لـ"حزب العمّال الكردستاني" PKK مكتبٌ في تبيليسي، ونشط في مرحلة التسعينيّات في مجال نقل الأدب المتطرّف وتجنيد مقاتلين في صفوفه، مسهّلاً لهم السفر إلى تركيا عبر موسكو. وفي المقابل، دعم قادة حكومة إقليم كردستان في العراق الأنشطة الثقافية الأيزيدية في جورجيا مثل محطّات الإذاعة والصحف، وقدّموا تبرّعاتٍ للمعبد الراهن.

اليوم، وعلى الرغم من تراجع حدّة التوتّرات بين الإثنيّات في جمهورية جورجيا عمّا كانت عليه في تسعينيّات القرن الماضي، ما زالت المصاعب الاقتصادية والاجتماعية قائمة بالنسبة إلى المجتمع الأيزيدي هنا. ويقول إيسكو داسيني العضو في البرلمان الجورجي وهو من الطائفة الأيزيدية: "يمكنني أن أعدّ على أصابع اليدين عدد الأيزيديّين الذين تمكّنوا من الخروج من حال الفقر. وكثير من هؤلاء لم يتمكّن من متابعة التعليم العالي. وحتى وقتٍ قريب، لم يكن كثيرون منهم يثقون في النظام الانتخابي للبلاد ولم يشاركوا في الانتخابات."

لكن التهديد الأكبر بالنسبة إلى جماعة الأيزيديّين في جورجيا يظل خطر فقدان الهوية. فمنذ افتتاح المعبد، انطلق نشاطه ببطء في حياة الأيزيديّين في تبيليسي. ويقول رافائيل أدجميان، أحد الشبّان المقيمين في تبيليسي: "آتي إلى هنا ثلاث أو أربع مرّات في الشهر مع عائلتي. عندما كبرت، لم نتمكّن إلا من أن نحلم  بوجود مكانٍ مثل هذا. هناك كثير من الشائعات المتعلّقة بديننا، وكنّا بحاجة إلى مساحة للحصول على معلوماتٍ دقيقة تكون موضع ثقة."

لكن الأرقام الإجمالية لزوّار المعبد تبقى غير واضحة. ويقول شيخناماتي: "من الصعب تحديد عدد الأشخاص الوافدين إلينا. ففي يوم حافل، يأتي إلى هنا ما يصل إلى 100 شخص. لكن في الأمس مثلاً، لم يزرنا أحد. وفي اليوم الذي سبقه أتى قرابة عشرين زائرا". ومن بين نحو ألف أيزيدي يُقدّر أنهم يعيشون في المنطقة المجاورة للمعبد، يزوره قرابة 300 شخص فقط.

وتتركّز بدلاً من ذلك تقاليد الأيزيديّين في القوقاز حول منازلهم ومقابر مجتمعهم. ويعيّن النظام الطبقي الصارم للدين المرشدين الدينيّين للقرويّين، ويطلق على الفرد منهم لقب "البير" Pir أو ما يعني شيخاً باللغة الكردية. ويكون لكلّ أيزيدي "البير" أو الشيخ الذي يعود إليه في مسائل الدين، بمَن فيهم الشيوخ أنفسهم. ويراجع الأيزيديون زعماءهم الدينيّين من الشيوخ في قضايا عدة كالزواج أو الجنازات أو غيرها من المناسبات المقدّسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوضح إيمّا كالاشوف، وهي عاملة نظافة سابقة متقاعدة تعيش الآن في أحد المباني السكنية الشاسعة في فاركاتيلي، الضاحية القريبة من المعبد: "عندما يتعلّق الأمر بالمسائل الدينية أذهب إلى شيخي الذي هو مرجع عبادتي". وتشير إلى أن زياراتها لمقرّ المعبد هي محدودة. وتقول: "قد أذهب أربع مرّاتٍ في السنة، عندما يأتي أفراد أسرتي من الخارج لزيارتي".

ويعيش شيخ إيمّا، وإسمه إديك بير درباس، في المبنى الذي تقطنه. ويُوجد على باب شقّته ملصقٌ صغير لأبراج معبد لاليش اللولبية، وفي الداخل حلى كبيرة على شكل طاووس تصطف على جدران غرفة المعيشة ورفوفها. وعلى الرغم من أن الأيزيديّين لا يمتلكون كتاباً مقدّسا، إلا أن لدى بير درباس علبةً كبيرة على شكل كتاب مزخرف بطاووس، موضوعةً على قاعدة مرتفعة على الجدار الخلفي.

ويؤكّد بير درباس أن التصوّف هو في صلب عقيدة دينه واللغة الأيزيدية. ويقول إن "أحداً لا يستطيع أن يرى الله نفسه. لكن في معتقدي أفسر الله بالشمس، وأتلو صلواتي وأنا متّجه نحو الشمس".

وإضافة إلى ذلك، يؤمن الأيزيديون بسبعة كائنات مقدّسة، يترأسها رئيس الملائكة "طاووس ملك"، الذي يأخذ شكل طاووس. ويقول بير درباس إن "طاووس ملك هو ملاكٌ آتٍ من عند الله، يمتلك سلطةً ويسود على كلّ شيء على وجه الأرض". ويضيف: "بعد الله، إن الأشخاص الأكثر استحقاقاً للاحترام في ثقافتنا هم آباؤنا".

ويؤكّد الشيخ درباس أنه "لا يمكن إحياء أيّ مناسبة دينية من دون وجود بير أو شيخ"، ويقول: "نذهب إلى حفلات الزفاف كما إلى الجنازات لتلاوة الصلوات. ونقوم بخياطة ملابس بيضاء بأيدينا للموتى قبل دفنهم."

وكان الشيخ درباس قد بدأ تعلّم تقاليد الدين الشفهية المقدّسة منذ صغره. ويقول في هذا الإطار: "كان عمري 10 أعوام. تُوفّي حينها والدي شابّا، وعلّمني شقيقي ما تعلّمه هو من جدّنا. زرتُ عائلاتٍ معه وتدرّبتُ بهذه الطريقة."

ويكشف لنا في غرفة نومه عن "ستير" Ster وهو مزار يتكوّن من فرش مكدّسة ويُوجد عادةً لدى الأسر الأيزيدية في القوقاز. ويعتقد أكاديميّون أن هذا التقليد قد نشأ عن الطبيعة البدوية الأصلية للأيزيديّين القوقازيّين. ويقول: "عندما اضطُرنا إلى الانفصال عن بلدنا العراق أنشأنا هذه المذابح المحلّية في منازلنا. وعندما تكون الشمس محتجبة، أفتح هذا الضريح وأدعو له". ويقوم بسحب كيس من البلاستيك من داخل كومة الفرش التي تحتوي على تربة وخيط قطني وكرات طين على شكل لؤلؤ تم جمعها من رحلاته الأخيرة إلى العراق.

ويتلقّى بير درباس والشيوخ عادةً الزكاة من أتباعهم. لكن الفقر المدقع في دول القوقاز يجعل كثيرين يبتعدون عن ممارسة الواجبات الروحية. ويوضح أن "في الوقت الذي تفرض فيه الكنيسة في جورجيا رسوماً مرتفعةً جدّاً لقاء خدماتها، لا نأخذ كرجال دين أيزيديّين سوى ما يرغب في أن يقدّمه لنا أتباعنا".

وفيما كان يقودنا عبر سلسلة من الكتل السكنية إلى المقبرة المحلية، في سيّارته الألمانية ذات الدفع الرّباعي ومقاعد الجلد ووجود أحرفP-IR  على اللوحة المرخّصة الخاصّة بها، أكّد بير درباس أنه ليس لديه وظيفة غير دوره الروحي. وقال: "أفضّل خدمة الناس".

وفي تناقض واضح مع التقاليد غير الرسمية وغير المكتوبة التي وصفها الشيخ درباس، فإن القادة الروحيّين للمعبد يتّبعون استراتيجيةً روحية وتعليمية وسياسية نشطة. ويشير بيرباري إلى أن "الهدف الأول لدينا هو الاعتراف بنا ديانة مؤسّسية". ويوضح أنه "من دون هذا، سيكون من الصعب إجراء حوار مع الأديان الأخرى".

لا يُوجد في الديانة الأيزيدية تسلسلٌ هرمي مؤسّسي. وهناك زعيم سياسي واحد في العراق هو المير إلى جانب شخصياتٍ دينية مهمّة تشكّل مجلساً روحيا. لكن عندما تمّ تسجيل "المجلس الروحاني الأيزيدي" لجورجيا في العام 2011، قام بتعيين زعيمه الروحي.

ويرتدي بيرباري ثياباً من القطن الأبيض وعقالا، وهو نموذج معروف لرجل دين في الريف العراقي. وبعد تحيّته لنا في غرفة الاستقبال، يتذكّر حنينه إلى ديغومي، الحيّ الذي نشأ في تبيليسي. هذا الحيّ ككثير من مناطق المدينة، تأثّر نتيجة تزايد أعمال البناء غير المنضبطة فيه. وتُوجد على الجدار الخلفي لمقرّه لوحةٌ من ضريح لاليش في العراق، أما على الجدار المجاور فعُلّق بساطٌ مصنوع في شمالي بلاد الرافدين. ويقول: "أريد للمحتوى الروحي للدين الأيزيدي أن يُعلِم الحياة اليومية للأيزيديّين."

وعلى هذا النحو، أعاد المعبد إحياء الطقوس التي لم تكن موجودةً من قبل في طائفة الأيزيديّين في القوقاز. وتربط بيرباري صلات قوية بالقيادة الروحية في العراق، ففي يونيو (حزيران) من هذه السنة، أحضر المعبد إلى تبيليسي "القوّالة" وهم أعضاء من الطبقات الروحية الأيزيدية الذين يتمثّل دورهم في إنشاد  النصوص المقدّسة، ويعيش هؤلاء فقط في ضريح لاليش في العراق. ويقول بيرباري: "لقي المنشدون الكثير من الإعجاب، وما قاموا به هو إحدى الطرق التي نحاول من خلالها استعادة تقاليدنا."

وينظر البعض إلى المعبد الأيزيدي في تبيليسي على أنه تعبير معاصر للديانة. وتشير الدكتورة خانا عمرخالي، الأستاذة المشاركة في "جامعة برلين الحرّة" والعضو في المجموعة الدينية الأيزيدية: "إنهم يحاولون إنشاء شكل عصري من الأيزيديّة يمكن اعتباره أكثر منهجيةً وقابلية للفهم من جانب جيل الشباب".

ويعتقد المعبد بالرأي القائل إن الأيزيديّين هم مجموعة عرقية متميّزة. ويقول بيرباري: تظهر دراستي للإثنولوجيا أن الأيزيدية هي عرق ودين. نحن لسنا أكرادا". ويصرّ على التأكيد بأن "للأيزيديّين حقّاً في تحديد هويتهم الذاتية".

 ويعود السبب جزئياً في هذا النوع من التفكير إلى حقيقة أنه على مدى عقود كانت الطائفة الأيزيدية عالقةً بين مختلف أطراف الصراع الكردي في الشرق الأوسط. ويقول ميرزويف: "لا نريد أن نكون جزءًا من هذه الألعاب السياسية. لدينا أهداف سلمية كمواطنين في جورجيا."

ويدرّس المركز التعليمي الذي تُطلَق عليه تسمية "أكاديمية علم التوحيد" موادّ الدين واللغة والتاريخ، وهو الأول من نوعه في العالم. وسيتم قريباً إنشاء قسم للأيزيديّين برئاسة بيربري في "معهد الدراسات الشرقية" التابع لـ "جامعة إيليا الحكومية" في تبيليسي.

لكن نظراً إلى الطبيعة الشفهية للدين، فإن هذا البعد التعليمي تقابله أيضا بعض الشكوك. ويلفت رضا موراديان رجل الدين الشاب الذي يمتلك متجراً في العاصمة الجورجية، إلى أن "رجال الدين الأيزيديّين لا يتعلّمون دينهم في المدارس. إننا نرث المعرفة من آبائنا وأجدادنا". وتضيف الدكتورة عمرخالي قائلة: "لا يمكننا التحدّث حتى الآن على الأقل، عن علم توحيد صريح بين الأيزيديّين، أولاً وقبل كل شيء لأنهم ليست لديهم كتب مقدّسة".

ويعمل المجلس الروحي للطائفة أيضاً كمحرّك سياسي للجماعة. ويقول ميرزويف: "نحن أكثر تعبئةً وذوي تنظيم ذاتي، من أي وقتٍ مضى. لدينا اتصالات جيّدة مع الحكومة ومع الأديان الأخرى في جورجيا وفي مقدّمها الكنيسة الأورثوذكسية الجورجية."

ويقول بيرباري من جهته: "نريد أن نكون جزءاً من عملية تسهّل العلاقات السلمية بين الأديان العالمية المختلفة. ونعلن صراحةً إيماننا بالقيم الإنسانية للاحترام المتبادل والمحبة". وقد سهّل عقد اجتماعاتٍ للقيادة الروحية الأيزيدية في العراق مع حاضرة الفاتيكان والبطريركية الروسية، إضافةً إلى مرجعياتٍ دينية أخرى. ويوجد فوق طاولة مكتبه تمثال منحوت مطليّ بالذهب على شكل طاووس، وهو هدية من رجل الدين الإيراني آية الله شهرستاني.

لكن تركيز المعبد على الجوانب الدينية للثقافة الأيزيدية أثار انتقاداتٍ واسعة من بعض الأوساط. وتتحدّث ليلي سفاروفا، الناشطة النسائية عن مخاوفها في "بيت الصداقة" الكائن في وسط مدينة تبيليسي، وهو مبنى إداري يعود إلى الحقبة السوفيتية، قائلة: "اليوم يدير هذا المكان عدد صغير من الأشخاص المتديّنين الذين أبعدوا عنصر الشباب على وجه التحديد". ويوافقها في ذلك الراعي الرئيسي للمعبد، سوليكو سيمايف، وهو رجل أعمال مقرّه في تبيليسي وتتعاطى شركته بيع أنظمة أمن للمنازل.

ويوضح سيمايف أثناء اللقاء به في مكتبه في إحدى الضواحي الشمالية للعاصمة، أن الفكرة الأساس كانت إيجاد مركزٍ ثقافي عام ومعبدٍ صغير يستقطب جيل الشباب لينضمّ إلى أنشطته التعليمية، ويتلقّن أيضاً عن معلومات أكثر عن دينه".

وكانت وجهة النظر القائلة بأن الأيزيديّين هم جماعة دينية إثنية جزءاً من الخلافات ضمن الطائفة. ويشير  بيرباري إلى حقيقة أن الاتّحاد السوفييتي كان يدعم الثقافة الكردية لكنه يحظر الديانة، قائلا: "منتقدونا هم من الحرس القديم ذي النجمة الحمراء (الماركسيّون)، ومعظمهم من الملحدين". ومع ذلك، أجاب الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلات ضمن هذا المقال وهم من جميع الأعمار، بأنهم من إثنية الأيزيديّين أو الأكراد أو الأيزيديّين الأكراد.

وإضافةً إلى ذلك، لا يعترف المعبد بكثيرٍ من أفراد المجتمع، بما في ذلك الجورجيّين الأيزيديّين من زيجات مختلطة. ويقول بيرباري: "نرحّب بالجميع، من الأديان كلّها في معبدنا. لكن وفقاً للأصول المتّبعة في ديننا، لا يمكننا أن نعترف بالأيزيديّين الذين يأتون من زيجات مختلطة على أنهم أيزيديون. وسنرحّب بهم على أنهم أعضاء في ديانة أخرى".

ويختم: "نحن نناضل من أجل البقاء وليس التطرّف"، لكن آخرين لا يوافقونه الرأي، وتقول سافاروفا: "أردنا إيجاد مساحةٍ توحّدنا، لكننا الآن منقسمون."

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات