اتفق رؤساء روسيا وتركيا وإيران على مواصلة العمل للوصول إلى تسوية سياسية في سوريا مع احترام سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، وذلك في ختام القمّة التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية الخميس 14 فبراير (شباط) لمتابعة البحث في إطلاق تسوية للنزاع السوري وتشكيل لجنة لوضع دستور سوري جديد من أجل تحقيق الانتقال السياسي، مع التركيز على الوضع في محافظة إدلب شرقي سوريا. وفي بيان القمة الختامي، شدّد الرؤساء الثلاثة الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان على ضرورة تكثيف الجهود لإطلاق عمل اللجنة الدستورية في سوريا في أقرب وقت. ونوهوا بأهمية تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم، مناشدين المجتمع الدولي تنشيط دوره في مساعدة الشعب السوري من دون تسييس الموضوع.
الوضع في إدلب طبق أساسي
اتفق الرؤساء الثلاثة على اتخاذ إجراءات من أجل تطبيق الاتفاقات بشأن منطقة وقف إطلاق النار في إدلب شمال غربي سوريا، مشيرين إلى محاولات "هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة" عمودها الفقري، زيادة نفوذها في المنطقة.
ورأى الرئيس بوتين أنّه من غير الممكن التسامح مع "بؤرة الإرهاب في إدلب" ويجب اتخاذ إجراءات للقضاء عليها. وكان أعلن أردوغان، بُعيد اجتماعه ببوتين قبل القمة، اتفاق روسيا وتركيا على تسيير "دوريات مشتركة" لاحتواء "الجماعات المتطرفة" في محافظة إدلب، موضحاً وجود "اتفاق عسكري" سابق على هذه الدوريات في سبتمبر (أيلول) الماضي.
بدوره أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أنّ سيطرة "هيئة تحرير الشام" على 99% من منطقة وقف إطلاق النار في يناير (كانون الثاني) الماضي، حالت دون تطبيق اتفاق إدلب كاملاً، لافتاً إلى ضرورة مضاعفة طهران وموسكو وأنقرة جهودهم لتطبيق هذا الاتفاق. ودعا أيضاً إلى "تطهير" إدلب من المقاتلين الذين كانوا ينتمون إلى جبهة النصرة، مضيفاً أنّه سيكون من الخطأ "تركهم يخرجون من مأزقهم لمجرد أنهم غيروا اسمهم".
يشار إلى أنّ الكرملين أوضح، الخميس قبيل القمّة، أنّ صبره تجاه تركيا بدأ ينفد بشأن الاتفاق المبرم بينهما في سبتمبر الماضي، لفرض منطقة خالية من السلاح والمتشدّدين في شمال غرب إدلب. وأسهم الاتفاق حينذاك في تجنب هجوم للقوات السورية على المنطقة، وتشكو موسكو منذ ذلك الحين من سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة. كذلك أظهرت القمّة الأخيرة بين الرؤساء الثلاثة، التي انعقدت في سبتمبر الماضي، الخلافات الواضحة في ما بينهم بشأن مصير محافظة إدلب.
واشنطن "حاضرة" في سوتشي
وشكّك بوتين وروحاني وأردوغان في نيّة الولايات المتحدة الأميركية سحب قواتها من سوريا. وقال الرئيس بوتين إن "وجهة نظرنا المشتركة مفادها أنّ إنجاز هذه المرحلة سيكون نقطة ايجابية تساعد في استقرار الوضع". لكنّه أضاف أنّه لم يلاحظ في هذا الشأن أي تغيير على الأراضي السورية، مشيراً إلى أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلتزم وعوده الانتخابيّة، لكنّ الظروف الداخلية لبلاده تمنعه أحياناً من ذلك. ورأى بوتين أنّه في حال انسحاب الأميركيين، ينبغي أن تحلّ القوات السورية مكانهم. وأكّد بوتين ضرورة مناقشة تطوّرات الوضع في شمال شرقي سوريا، مذكّراً بأنه ونظيره التركي سبق أن اتفقا، خلال محادثاتهما في موسكو في يناير الماضي، على ضرورة حلّ القضايا الأمنية في سوريا مع الاحترام الصارم لسيادتها ووحدة أراضيها.
من جهته عوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التنسيق مع روسيا وإيران في عملية سحب القوات الأميركية من سوريا، مشيراً إلى ضرورة احترام وحدة الأراضي السورية وضمان عدم سيطرة "الإرهابيين" على المناطق الآمنة الجديدة. وعن توقيت الانسحاب الأميركي، قال أردوغان إنّه لا يزال غير واضح، مع حديث عن حصوله بدءاً من أبريل (نيسان) أو مايو (أيار).
يشار إلى أنّ روسيا كانت أبلغت تركيا، الخميس قبيل القمّة، بأنّها لا تملك الحق في إنشاء "منطقة آمنة" داخل سوريا من دون موافقة دمشق. كذلك قال أردوغان في هذا الصدد، بعد اجتماعه الثنائي مع بوتين قبل القمّة، إنّ أنقرة تريد التحرّك بالتنسيق مع موسكو في ما يتعلق بالمنطقة الآمنة في شمال سوريا، مضيفاً أنّ وحدة أراضي سوريا لا يمكن أن تتحقق ما لم يتم إخراج وحدات حماية الشعب الكردية السورية من المنطقة.
أمّا الرئيس الإيراني حسن روحاني فعبّر عن قلقه إزاء "المؤامرة الأميركية الطويلة الأمد" ضد سوريا، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن التدخل في شؤون سوريا وقد تواصل عدوانها الجوي عليها حتى إذا سحبت قواتها البرية من البلاد. واتّهم روحاني الولايات المتحدة بدعم الإرهابيين في سوريا والعراق واستغلالهم لتحقيق مصالحها، داعياً واشنطن إلى إعادة النظر في سياستها في الشرق الأوسط. وشدّد على ضرورة سحب أميركا قواتها من سوريا ليتمكّن الجيش السوري من الانتشار بأسرع وقت ممكن على ضفتَيْ الفرات، على نحو يراعي مصالح سكان المنطقة بما فيهم الأكراد. وحثّ حكومتَي دمشق وأنقرة على التنسيق في ما بينهما لتحقيق مصلحة سوريا، وأدان روحاني الغارات الإسرائيلية على سوريا، واصفاً إيّاها بالنهج المتهور.
حلقة البحث الأضعف: حلّ الأزمة السورية
وأكّد بوتين أنّ عدد اللاجئين والنازحين السوريين الذين يعانون نقص المساعدات الإنسانية قد تقلّص إلى الثلث، مع بقاء نحو مليون في حاجة للمساعدة. وأمل أن يلعب المجتمع الدولي، والأمم المتحدة ووكالاتها في الدرجة الأولى، دوراً أنشط في دعم جميع السوريين من دون تسييس وشروط مسبقة. أضاف بوتين "روسيا وإيران وتركيا تبذل مساعي منسّقة لاستعادة الحياة الطبيعية في سوريا ومساعدة السوريين على إعادة الإعمار، وقد أحرزنا نتائج تجسّدت في عودة أكثر من 130 ألف لاجئ سوري إلى مناطقهم خلال الأشهر الستة الماضية". وشدّد أيضاً على أهمية بدء اللجنة الدستورية السورية عملها في القريب العاجل، منوّهاً بالجهود التي بذلها الدبلوماسيين الروس بالتنسيق مع الأطراف السورية والأمم المتحدة في هذا الاتجاه.
من جانبه تطرّق أردوغان إلى أهميّة مفاوضات أستانا بالنسبة إلى التسوية السلمية في سوريا، واصفاً إياها بأنّها "أنجح نموذج لوقف إراقة الدماء"، وأكّد أنّ الدول الضامنة الثلاث حافظت على "مبادئ أستانا" على الرغم من الاستفزازات المختلفة، وأشار أردوغان إلى أنّ أنقرة صرفت نحو 35 مليار دولار على استقبال اللاجئين السوريين، مبدياً استعداد تركيا لفعل "كل ما بوسعها" من أجل تحقيق السلام في جارتها سوريا.
أمّا روحاني الذي رأى أنّ القمة في سوتشي كانت "مفيدة وبناءة جداً بالنسبة إلى استعادة السلام والأمن في سوريا والمنطقة والعالم"، فانتقد الأمم المتحدة لأنها لم تتخذ إجراءات "ملموسة" في سوريا لاستعادة السلام والأمن. وأعلن عزم إيران المساعدة في إعادة إعمار سوريا.
وتزامنت قمّة سوتشي مع اليوم الثاني للقمة التي نظّمتها الولايات المتحدة الأميركية بشأن الشرق الأوسط في العاصمة البولندية وارسو، وحضرها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من بين ممثلي 60 دولة.
الوضع في إدلب والانسحاب الأميركي نجما مؤتمر سوتشي
اتّفق الرؤساء الثلاثة على اتخاذ إجراءات من أجل تطبيق الاتفاقات بشأن منطقة وقف إطلاق النار في إدلب، ورحّبوا بالانسحاب الأميركي من سوريا مع التشكيك فيه
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني في قمّة سوتشي التي عُقدت في 14 فبراير (شباط) 2019 (أ.ف.ب.)