على امتداد مساحات شاسعة من بساتين الأحساء السعودية تشاهد أشجار النخيل وهي باسقة بثمارها وسعفها، أكثر من 3 مليون نخلة تنتج الألاف الأطنان من التمور ترى الحياة بألوانها المبهجة، وتعد واحات الأحساء الواقعة شرقي السعودية خامس موقع سعودي ينضم إلى قائمة التراث العالمي وتضم الواحات حدائق وقنوات ري وعيون مياه عذبة.
ويعكس اهتمام أهالي الأحساء بهذه النخيل أهميتها التاريخية والثقافية التي تشكل إرثا حضاريا باعتبارها جزء لا يتجزأ من الماضي العريق للجزيرة العربية ويحتفون بها في المناسبات الرسمية والمهرجانات للتعريف بتراث بلادهم وتوثيقه وتقديمه للأجيال القادمة وللمقيمين والسياح الأجانب، بالإضافة لكونها ثروة اقتصادية عاش عليها أهالي المنطقة وجيرانهم الخليجيون منذ العصور الأولى.
ونجحت السعودية في تسجيل " النخلة" تراثا عربيا مشتركا لدى " اليونسكو" بمشاركة الامارات العربية المتحدة، الكويت، المغرب، تونس، فلسطين، مصر، موريتانيا، اليمن، السودان، عمان، العراق والأردن، وجاء اختيار النخلة كونها تمثل عنصرا مهما في التراث العربي، وترتبط بمجموعة من العادات والتقاليد العربية ولحضورها في المقولات المشهورة والمعارف والمهارات إضافة لاستخدامها في صناعات يدوية منوعة، كما تتشارك بلدان العالم العربي في " النخلة" بالعادات والطقوس والموروثات المتعلقة بها وما يرتبط فيها من حرف تراثية كجزء من التاريخ العربي.
تراث عربي
وترتبط النخلة في التراث العربي بالكثير من الحرف التراثية والطقوس الاجتماعية والثقافية وتتصدر الأحساء قائمة المناطق في السعودية الأكثر زراعة للنخيل في السعودية بينما يمثل تمر الإخلاص حجم الإنتاج الأكبر في السعودية بنسبة تزيد عن الربع، وهو تميز دفع المنظمات الرسمية والمدنية إلى العناية به والمحافظة على هذا الإرث بنظرة استراتيجية.
صناعة التمور تحضر بقوة في المهرجانات الموسمية لتبرز منتوج التمور في الأحساء على المستويين الإقليمي والعالمي وتوسع النطاق التسويقي له وتجذب القوة الشرائية، كما تهدف إلى تحويل التمور من منتج زراعي شعبي إلى منتج اقتصادي واستثماري وسياحي كبير وفق ما أكده لـ " اندبندنت عربية" مدير العلاقات العامة والإعلام بأمانة الأحساء خالد بوشل " بأن النخلة سيدة أشجار الأحساء والاهتمام بها تخطى الجانب الاقتصادي إلى الارتباط الروحي بها والاستفادة من مواردها الأساسية والصناعات التحويلية التي امتدت من دبس التمر إلى عصائره وحلوياته والمربى والثانوية كصناعة السعفيات والأثاث والأدوات المنزلية من جذوع النخل وسعفه وتحويلها إلى منتجات منافسة في الأسواق المحلية والعالمية بطرق تفتح نوافذ الإبداع أمام الشباب للابتكار والاستثمار"
وأضاف بوشل " أن تبادل الخبرات والمعرفة بين المهتمين بموارد النخيل يشكل دافعا للشباب والمستثمرين والمزارعين للاهتمام بالموارد الثانوية للنخيل، واتجهت بعض المصانع منذ سنوات لتصنيع منتجات ذات تصميمات حديثة ومبتكرة من الموارد الثانوية لأشجار النخيل ومنها الجريد والخوص فصنعت السلال والدواليب والمقاعد وأسقف المنازل"، ويؤكد بأن " جميع المنتجات المصنوعة من الموارد الثانوية للنخيل صديقة للبيئة فهي صالحة كعلف للحيوانات أو سماد للأراضي الزراعية"
وتضم الأحساء أكثر من ثلاثة ملايين نخلة تنتج أكثر من 120 ألف طن سنويا من 48 صنفا أشهرها الخلاص والرزيزي والشيشي، ويرتبط العربي بحب متنامي للنخلة والتمر منذ الصغر وشغف كبير به وبأنواعه المختلفة يدفع المهتمين به لإقامة مواسم احتفالية باعتبارها فرصة متجددة لاستعراض تعلق العربي بهذه الثمار طيبة المذاق رغم اختلاف العادات الغذائية وتعدد خيارات المستهلكين بحكم تطور الحياة العصرية