Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصدعات سياسية في تونس بعد الاتفاق التركي الليبي

"يمثل تهديداً حقيقياً بالمفهوم الاستراتيجي والعسكري لكل دول المتوسط"

الرئيس التركي أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج (أ.ف.ب)

بعد أيام من توقيع معاهدة ما سمي اتفاق "تقاسم السيادة البحرية المشتركة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية"، وردود الفعل الرافضة له، قام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بخطوة استفزازية جديدة، حيث أعلن أن "لتركيا الحق في نشر قوات في ليبيا إذا طلبت حكومة طرابلس ذلك، وأن هذا لن ينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا".

الاتفاق التركي مع حكومة فايز السراج دفع بالحكومة اليونانية إلى طرد السفير الليبي لدى أثينا، بينما اعتبرت وزارة الخارجية المصرية المذكرة التركية الليبية "معدومة الأثر القانوني"، وأن رئيس حكومة الوفاق الليبية ليس له صلاحية التوقيع عليها دون موافقة مجلس النواب الليبي، في مخالفة صريحة للصلاحيات المخولة له بحسب اتفاق الصخيرات.

في المقابل، اعتبرت الحكومة القبرصية المعاهدة اعتداء صريحاً ولجأت إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، طلبا لحماية حقوقها السيادية، بكل الوسائل القانونية الممكنة.

بينما عبّر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، عن أسفه معتبراً أن الأمم المتحدة لا تتدخل في القرارات السيادية لأي دولة، "لكننا طبعا لدينا ما يكفي من المشاكل والعقبات للتقدم في العملية السياسية"، معبراً عن أمله في أن "تعي الدول المختلفة خطورة المرحلة في ليبيا، وأن لا تقدم على مبادرات تزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق سياسي".

صمت رسمي تونسي

في المقابل، قال صبري باش طبجي، كاتب الدولة للشؤون الخارجية المكلف تسيير وزارة الشؤون الخارجية التونسية، على هامش مؤتمر حوارات المتوسط الذي عقد في روما، إن "هناك جهدا دوليا للتوصل إلى حل أو تسوية سياسية في ليبيا، وتونس كأغلب بلدان الجوار تسعى في هذا الاتجاه".

وتجنب الوزير التونسي التعليق مباشرة على الاتفاق الموقع بين الرئيس التركي ورئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج،

وشدد على أن "تونس تؤمن بأن الحل في ليبيا لا يمكن أن يكون إلا حلا سياسيا، وأنه من المفيد أن نترك الليبيين أنفسهم يبحثون عن حلول اندماجية بين الليبيين، تقلص التدخل الخارجي"، مضيفاً أن "ليبيا تملك موارد وثروات اقتصادية،  وبخاصة احتياطيات مهمة من البترول والنفط، ومع الأسف فإن التدخلات الأجنبية تستهدف هذه الموارد".

التهديد التركي للأمن في المتوسط

من جهته، اعتبر العميد المتقاعد علي الزرمديني، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن "تركيا اليوم تسعى للتوسع وأن تكون عنصراً فاعلاً في الدائرة الإقليمية المتوسطية وحتى الأفريقية، وبنوع من الغرور والعظمة وفي تحدٍ كامل للاتحاد الأوروبي، كرد فعل على عدم دخولها فيه، وهذا الجانب لا يقتصر فقط على هذه الخطوة بل سبقتها خطوات أخرى، ومنها إعادة الإرهابيين الدواعش إلى بلدانهم الأصلية، وسبقها ملف اللاجئين السوريين وسيتلوها خطوات تصعيدية أخرى".

وأضاف "تحاول تركيا فرض سيطرتها في المنطقة ووجدت حليفاً ضعيفاً في الجهة الجنوبية لحوض المتوسط، والذي من أجل بقائه على رأس السلطة في طرابلس، قبل بالتنازل عن سيادته البحرية لفائدة الطرف المقابل الذي يدعمه عسكرياً في مواجهة الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر".

وأوضح العميد الزرمديني أن رئيس حكومة الوفاق الليبية يهمه فقط البقاء على رأس الحكومة في طرابلس وتنفيذ برنامج الإخوان المسلمين فيها، والذي لا يعترف بالسيادة الوطنية للدول، وهذا الاتفاق لا يشكل فقط خطراً على الدول التي ترفضه فقط، بل يمثل تهديداً حقيقياً بالمفهوم الاستراتيجي والعسكري بكل مقوماته على كل دول المتوسط إلى حدود فرنسا وبما فيها مضيق صقلية المحاذي لتونس.

وقال الزرمديني إن هذا الاتفاق كان يستدعي ليس فقط تحركاً دبلوماسياً تونسياً، بل كذلك دعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي، للنظر في كل أبعاده الآنية والمستقبلية وتأثيراته على الجغرافيا السياسية في تونس وكامل دول المنطقة لأن من يملك الهيمنة على البحار يملك القوة على أرض الواقع.

الاتفاق احتلال تركي وتهديد للأمن القومي

من جهتها، اعتبرت "حركة الشعب"، أحد الاحزاب الممثلة في البرلمان التونسي، في بيان رسمي صدر عنها، اتفاق حكومة الوفاق مع تركيا "احتلالا لليبيا واعتداء على شعبها، وخرقاً كاملاً لكل الاتفاقات والتفاهمات الدّاخلية مثل اتفاق الصخيرات ولعلاقات حسن الجوار مع دول المنطقة ودول البحر الأبيض المتوسط".

وحذّرت الحركة من خطورة الوجود العسكري التركي على الحدود الجنوبيّة البريّة والبحريّة والجويّة مع تونس، مستغربة في الوقت ذاته سكوت الجهات الرّسمية "حكومة ورئاسة" عن هذا الاتفاق وعدم التّصدي له، لما يمثّله من خطر مباشر على تونس المعرضة باستمرار لخطر الجماعات الإرهابيّة المحميّة من حكومة الوفاق في طرابلس وحكومة تركيا.

وأكدت الحركة على حق الشعب العربي الليبي وكل قواه الحية في مقاومة هذا الاتفاق الذي يسلب الشعب سيادته على أرضه بكل السبل والوسائل المتاحة باعتباره احتلالا تركيّا ودعما مباشرا للجماعات التكفيريّة الإرهابيّة في ليبيا وفي كل المنطقة.

مخاوف

من جهته، اعتبر رافع الطبيب، الباحث السياسي، أن القلق من إمكانية اصطفاف تونس من جديد مع المشروع التركي القطري في المنطقة قائم، وأن العديد من الأطراف ما زالت تعمل على إقحام تونس في متاهات لا تخدم المصالح التونسية.

وأضاف أن تونس ما تزال في رهان على حصان خاسر، أي حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، والتي انخرطت في عملية تحويل جزء من الأراضي الليبية إلى خنجر في خاصرة دول الجوار، وبخاصة منها تونس ومصر.

ونبه إلى أن تونس "ستكون مرة أخرى داخل مجالات عسكرية استراتيجية تخطط لها تركيا في المنطقة، وأن أردوغان وبعد التوقيع على الاتفاقية المذكورة، لوّح بالدفع بقطع حربية بحرية إلى سواحل ليبيا، إلى جانب الإشارة إلى إمكانية إقامة قواعد عسكرية في غرب ليبيا"، معتبراً أن "حديثه عن إمكانية إرسال قوات عسكرية تركية لطرابلس، هو إعلان حرب في حوض البحر الأبيض المتوسط ستدفع تونس ثمنه غالياً لأنها المتضرر الأول والأكبر من هذا الاتفاق، الذي سيهدد الأمن والسلم الدوليين في المنطقة".

المزيد من العالم العربي