بلغت الخلافات بين حزبي المؤتمر الشعبي والإصلاح، خلال العشر سنوات الماضية، ذروتها ووصلت للقطيعة ومن ثم العداوة وتبادل تهم التخوين بعد سنوات من الوئام والتشاركية التي شهدتها علاقة الحزبين الكبيرين وخصوصاً بعيد تأسيس حزب الإصلاح في العام 1990 على يد الزعيم القبلي عبدالله بن حسين الأحمر بإيعاز ودعم مباشر من الرئيس الراحل علي صالح، بهدف مواجهة الحزب الاشتراكي شريك إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
من الإئتلاف إلى الخصومة
بدأت علاقة الحزبين أثناء تأسيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" في 24 أغسطس (آب) 1982 على يد علي عبدالله صالح، كتيار سياسي وطني وحزب حاكم وحيد يمسك بمقاليد حكم شمال اليمن مقابل الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب.
ومن التشاركية إلى الخلاف فالعداء الذي بلغ في العام 2011 ذروته حد المواجهة المسلحة المحدودة التي شهدها محيط ساحة الاعتصام خلال ما يعرف بثورة الشباب، التي ظلت رغم ذلك محل احتواء معقول، غير أن تداعيات الانقلاب العسكري الحوثي في سبتمبر (ايلول) في العام 2014 ومغادرة كافة قيادات الصفين الأول والثاني في الحزبين للعاصمة صنعاء، دفعت أصوات كثيرة ومتنامية من داخليهما، مؤخراً، على لسان قادة وقواعد ونشطاء الطرفين للدعوة لإنهاء الخلاف والتصالح والعمل المشترك انطلاقاً من القواسم التنظيمية التي تعد من ثوابتهما الراسخة وفي مقدمتها النظام الجمهوري الديمقراطي والوحدة الوطنية، كعوامل اشتراك رئيسة تجمع أكبر أحزاب الجمهورية اليمنية امتداداً على خارطة البلاد شمالاً وجنوباً وطي صفحات الخلاف التي ثقلت بها الأحداث الدامية في اليمن وتوحيد الجهود نحو مواجهة الحوثي كنقيض لمشروع الحزبين، وحماية الوطن ومحيطه الاقليمي من المشروع الإيراني تحت مبدأ ما يجمع، أكبر مما يفرق.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأصوات التي كانت تعتبر الحزبين بمثابة الرافعة التي أوصلت المليشيات الحوثية إلى دار الرئاسة بصنعاء، إلا أن هذه الأصوات ذاتها، ترتأي أنهما أصبحا أمراً واقعاً، ومثلما كانا سبباً في المشكلة، فإنهما سيكونان اليوم، سبباً في الحل، شريطة أن يتخلصا أولاً، من ميراث الصراع فيما بينهما والشروع بفتح صفحة جديدة تتدارك الوطن الجريح.
من الخصومة إلى العداوة
يقول المحلل السياسي اليمني عادل علي، إن العلاقة التي تطورت بين الحزبين من التحالف إلى التنافس ثم الخصومة، لتصل إلى مرحلة العداوة، خسرا خلال هذا الطور، ومعهما الوطن، الكثير ودفعا أثماناً باهظة لهذا الخلاف.
من الأخطاء إلى دفع أثمانها
وحول ما الذي أفضى إليه هذا العداء بين قطبي العمل السياسي اليمني، يعتبر علي خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أنه منذ تسليم صنعاء للحوثيين في سبتمبر (ايلول) 2014، انتقل كلا الحزبين من طور مراكمة الأخطاء إلى طور دفع الأثمان الباهظة، ومازلنا نعيش هذا الطور، والخلاف مستمراً بينهما للأسف رغم كل الأحداث الذي عصفت بالبلاد.
مرحلة الخطر
يتساءل الكثير من مناصري وقواعد الحزبين عن موعد وصول قادة الحزبين لمرحلة يستشعرون فيها الخطر الذي تجاوز المحاذير التنظيمية داخلهما في الرؤى والبرامج الحزبية التي تبدو أصغر بكثير من الأخطار التي تتهددهما والوطن برمته وفي مقدمتها خطر المشروع الإيراني في اليمن والمنطقة. وهنا يعلق علي بقوله: "الواجب اليوم على كل القوى الخيّرة في اليمن وخارجه، تقديم المساعدة لكي يتجاوز الحزبان هذه المرحلة وينتقلا من طور دفع الثمن إلى مرحلة الترميم والتصويب والتدارُك وفتح صفحة جديدة بينهما لتنسيق الجهود في سبيل استعادة الوطن المنهوب مع الإدراك أن التقريب بين الحزبين هو جمعهما على المشتركات الوطنية التي توحدهما ولا يعني إلغاءً لشخصية أحدهما، إذ سيظل التنافس قائماً بينهما، لكن المقصود أن يغدو تنافساً وليس عداوة، وألا يصبّ بأي حال في خدمة طهران".
ظروف التقارب مواتية
وعلى الرغم من وجود جملة من نقاط الخلاف بين الحزبين التي يمكن تلخيصها في: نتائج احتجاجات 2011 (ثورة 11فبراير) والموقف من صالح وعائلته، والمناكفات الإعلامية حول حصص التعيينات في الوظيفة العامة والمسببات التي أوصلت أوضاع البلاد لهذا المآل الصعب، إلا أن المحلل السياسي عادل علي يرى أن الظرف اليوم أقوى من الجميع، وصار مواتياً لفتح صفحة جديدة تطوي خلافات الماضي وتؤسس لجهود مشتركة نحو استعادة الوطن.
ويدلل بقوله "التوافق غير المتوقع بين الحزبين في اختيار رئيس البرلمان في إبريل الماضي، (سلطان البركاني) ليس هذا فحسب بل إن هذا التوافق كان على شخصية عرفت في السابق، بأنها من صقور المؤتمر التي كانت ترفض التقارب مع الإصلاح ويمكن اعتبار هذه النقلة نموذجاً يؤسس لخطوات مشابهة تذيب الجليد المتراكم بين الحزبين".
اتفاق وجودي
الوسائل التي يمكن أن تؤسس لتقارب ينهي حالة القطيعة والعداء يرى أنها لا بد أن تبدأ، أولاً، بوضع خطوط فاصلة بين التنافس والخصومة، وبين السياسة والسيادة، وبين المصالح والمبادئ وأن يعيان أنه بعد الانتصار على الحوثي، لا أحد منهما سيزيح الآخر أو يطغى عليه، فيما إذا فشلوا في هزيمة الحوثي، فلن يبقى ثمة إصلاح ولا مؤتمر.
العبرة من الأحداث
ومن وسائل التقارب أيضاً يؤكد على أهمية استيعابهما أن النكبات والمآسي التي تعرضت لها البلاد كافية لحدوث هذا التقارب وأكثر، وطيّ كل ملفات الخلاف، وتقديم التنازلات من أجل إخراج الوطن من هذا النفق الحالك فهناك عدو مشترك (الحوثي) سرق كل شيء ولهذا فإن لم يدفعهما هذا الخطر للتقارب فمتى إذن يتقاربون؟!
حزبان وشعب
يحظى كلاً من المؤتمر والإصلاح بقاعدة جماهيرية واسعة هي الأكبر على امتداد المحافظات اليمنية، وهو العامل الذي يراهن دعاة التصالح والتوافق بين الحزبين عليه لإحداث فارق فاعل وكبير لترجيح كفة الصف الجمهوري وتوحيد الجهود السياسية والشعبية نحو هدف استعادة الدولة ومواجهة المشروع الإيراني. عن ذلك يقول الباحث السياسي، ثابت الأحمدي، إن التوافق بين المؤتمر والإصلاح يعني التوافق بين شعب بأكمله، مع الأخذ في الإعتبار بقية أبرز المكونات الأخرى، كالحزب الاشتراكي اليمني، الوحدوي الشعبي الناصري، اتحاد الرشاد السلفي، والمكونات السلفية الأخرى إضافة إلى المستقلين من أبناء الوطن، ولهذا نستطيع القول أن كلا الحزبين يمثلان ضمانة قومية واستراتيجية لأمن اليمن واستقراره.
الاتفاق نقيض الخمينية
وعلاوة على كونهما يجمعان في هيكلهما التنظيمي كافة ألوان الطيف السياسي اليمني من سياسيين ورجال قبائل وأكاديميين وعسكريين الخ... يرى الأحمدي خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن من ضمن دوافع التقارب، أنهما حزبان جمهوريان وحدويان، في أدبياتهما السياسية والتنظيمية.
ويضيف "هاتان الميزتان هما أهم الركائز الوطنية، وعليهما مدار بقاء الوطن مستقراً وآمناً وبالتالي فإن اتفاقهما يعني ضمان بقاء الجمهورية التي هي نقيض الإمامية و "الخمينية الإيرانية المعاصرة" وأيضا بقاء الوحدة نقيض الانفصال التي تسعى لها إيران أيضا، بصرف النظر عن الثلمات التي تعتري الحزبين في بعض الرؤى المتشكلة لدى كثير من أتباع الحزبين".
احترام دول الجوار
من عوامل التقارب التي يراها الأحمدي كفيلة للتصالح أن المؤتمر والإصلاح يحترمان دول الجوار، وخاصة المملكة العربية السعودية، وهو ما يجعل رعاية السعودية للمصالحة بين الطرفين أمر وارد كمرجعية يثق بها اليمنيون على الدوام ومرجعية سياسية كبرى في المنطقة، وفي العالم، لها احترامها وتقديرها.
ويضيف "تمثل السعودية اليوم درعاً حصيناً للأمة الإسلامية والعربية علماً أن الأصوات الشاذة من كلا الحزبين لا وزن لها، ولا تعبر عن موقف الحزبين بأي حال من الأحوال".
مصالحة برعاية سعودية
في كل مرة يختصم فيها اليمنيين، تبادر الجارة السعودية من منطلقات الاخاء والجوار لتقريب وجهات نظر الفرقاء، ولهذا فالسعودية بالنسبة لليمنيين، هي المرجع المقبول لحل أزماتهم وإنهاء تبعاتها.
يقول الأحمدي "بالامكان التعويل على قيادة المملكة العربية السعودية من واقع المسؤولية التاريخية والسياسية على تبني مصالحة وطنية شاملة بين مختلف الأحزاب اليمنية، وعلى رأسها المؤتمر والإصلاح، استدراكاً لما تبقى من الدولة اليمنية القائمة، ولئلا ينفرط العقد نهائياً، واستكمالاً للدور التاريخي الرائد الذي قدمته المملكة لليمن خلال الفترة الماضية".
نبذ الصغائر لدحر مشروع إيران
دعوات التقارب والتصالح التي برزت مؤخراً، توجت بتصريحات متبادلة من قادة الحزبين مؤكدةً على أهمية نبذ الخلاف وتصحيح اتجاه البوصلة كمؤشر لتقارب بات متوقعاً بين قطبي العمل السياسي في اليمن. حيث قال رئيس الدائرة الإعلامية في حزب الإصلاح، علي الجرادي، الإثنين الماضي، "إن استعادة الجمهورية من قبضة الحوثيين لن تتم إلا بوحدة الصف الجمهوري والوطني".
وأضاف في سلسلة تغريدات نشرها بصحفته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تزامنا مع الذكرى الثانية لمقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أن "الخلاف بين ابناء الصف الجمهوري (في إشارة لحزبي الإصلاح والمؤتمر) كان سبب مباشر لعودة الامامة بنسختها الايرانية فكريا وعسكريا".
وتابع قائلا: "لن نتمكن من استعادة الجمهورية مرة اخرى الا بوحدة الصف الجمهوري والوطني ونتجاوز ذواتنا وكل الحسابات الصغيرة التي لا ترقى لمستوى يليق بالجمهورية اليمنية".
سبق ذلك ترحيب حزب الإصلاح، بأي دعوة لتقوية العلاقة مع حزب المؤتمر، وبأي دعوة لإحياء العمل السياسي وتقوية العلاقات بين الأحزاب.
ونقل موقع "الصحوة نت" الناطق باسم الإصلاح عن نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالحزب عدنان العديني أن "الإصلاح يرحب بأي تطوير لهذه الصيغة بين الإصلاح والمؤتمر بالشكل الذي يساهم في اخراج شعبنا من الوضع المأساوي الذي نتج اصلا عن تعطيل السياسة والسيطرة على مساحة نشاط الاحزاب السياسية ومحاصرتها وفرض الوصاية عليها بقوة بالسلاح، وهو ما يجعل من عودة السياسة مهمة ترقى الى مستوى الضرورات الوطنية".
وجاء ترحيب الإصلاح عقب مطالبات لقيادات مؤتمرية بارزة دعت إلى إصلاح العلاقة بين الحزبين، وضرورة إيقاف مهاترات الناشطين التي تضر بوحدة الموقف الوطني.
وقال العديني" منذ بداية النكبة التي لحقت باليمن جراء الانقلاب الحوثي على الدولة حرص الاصلاح على ان يكون جزء من جبهة عريضة تمثل كل المؤمنين بعدالة دولة المواطنة".
التوافق للخروج من البئر
فيما قال وزير الثقافة الأسبق والقيادي في حزب المؤتمر، خالد الرويشان، إنه لن تقوم لليمن قائمة وحزبا المؤتمر والإصلاح متحاربان.
وخلال تغريدة له نشرها اليوم بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعنوان "إذا أردتم الخروج من البئر!"، أضاف الرويشان: "أعيدوا البوصلة إلى اتجاهها الصحيح كي تستعيدوا البلاد وتستعيدوا أنفسكم قبل ذلك ثمة صغار لم يتعلموا أبدا رغم كل الكوارث آن للكبار أن يوقفوا مهازل الصغار. هل ثمة كبار مايزالون؟ كن سياسيا لا سائسا!".