مع تأهب "أوبك" لزيادة تخفيضات إنتاج النفط في اجتماعها اليوم الخميس، فلا زالت تحتاج إلى الاتفاق مع حلفاء مثل روسيا على تفاصيل اتفاق يهدف لدعم أسعار النفط وتفادي تخمة في المعروض تلوح في الأفق في العام المقبل.
وتقلص "أوبك+" الإنتاج منذ عام 2017 للتصدي لفائض في الإمدادات ناجم عن ازدهار الإنتاج في الولايات المتحدة، التي أضحت أكبر منتج للنفط في العالم وهي لا تشارك في التخفيضات. وتهدد زيادة في الإنتاج من دول خارج "أوبك"، مثل البرازيل والنرويج، بتفاقم التخمة في المعروض في العام المقبل.
وينتهي العمل بالاتفاق الحالي في مارس (أذار)، وقال مصدران في أوبك إنه سيُمدد إلى يونيو (حزيران) في الأقل. وصرح وزير النفط العماني، محمد الرمحي، بأن "وفد بلاده سيوصي بتمديد التخفيضات حتى نهاية 2020".
ودعمت تحركات أوبك أسعار الخام عند ما بين 50 و75 دولارا للبرميل تقريبا على مدى العام الفائت. وارتفع سعر مزيج برنت الخام في التعاملات الآجلة بنحو اثنين بالمئة قرب 62 دولارا اليوم.
وصرح وزير النفط العراقي، ثامر الغضبان، بأن "التخفيضات الجديدة قد تصل إلى 1.6 ميون برميل يوميا"، بينما قالت مصادر في أوبك إن "الرياض تضغط على العراق ونيجيريا، العضوين في أوبك، لتحسين امتثالهما للحصص، ما قد يتيح خفض 400 ألف برميل إضافي".
وتتجه أنظار أسواق النفط العالمية إلى العاصمة النمساوية (فيينا) لمتابعة القرار حول تمديد اتفاقية خفض الإنتاج التي تنتهي في مارس (أذار) المقبل للمحافظة على استقرار الأسواق، ويعقب لقاء أوبك، اجتماع اللجنة الوزارية السابع، يوم الجمعة، والذي يضم المنتجين المستقلين، على رأسهم روسيا.
ولا بد للوزراء من اتخاذ قرار في هذا الاجتماع، لأن التخفيض الحالي ينتهي في آخر شهر مارس (أذار) المقبل، و"أوبك" لن تجتمع حتى شهر يونيو (حزيران) 2020. ويواجه وزراء "أوبك" مشكلتين: إحداهما الفائض الحالي في السوق، والذي نتج عن عوامل عدة، أهمها انخفاض نسبة تشغيل المصافي وارتفاع المخزون، بالإضافة إلى مشكلة الانخفاض الفصلي للطلب على النفط.
وينعقد اجتماع أوبك مرتين كل سنة، حيث تقوم المنظمة خلالهما بتحديد حصص إنتاج النفط لكل من الدول الـ14 الأعضاء، وهي: السعودية، والإمارات، والكويت، وإيران، والعراق، وفنزويلا، وليبيا، والجزائر، ونيجيريا، والإكوادور، والغابون، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، والكونغو.
مزيد من خفض الإنتاج
وفي هذا الصدد، قال المستشار النفطي والخبير الدولي، الدكتور محمد الصبان، إن اجتماع أوبك المقبل يحمل كثيرا من السيناريوهات، ومن المتوقع أن يكون هناك مزيد من خفض الإنتاج إلى ما بعد مارس (أذار) من العام المقبل، على أمل أن يكون هناك توافق ما بين دول أوبك+ في ظل الضغوط الكبيرة التي تعيشها أسواق النفط.
وأضاف الصبان، الذي كان يشغل كبير المستشارين السابق في وزارة النفط السعودية، أن هناك كثيرا من التطورات تنتظر أسواق النفط في الأعوام المقبلة وسط تغيرات كبرى متوقعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى الصبان أن الوقت الحالي قصير جدا لدارسة مقترح تخفيض الإنتاج، وسيكون الوقت متاحا فقط لدراسة التزام الشركاء حصص الإنتاج الحالية والتشديد على عدم تجاوزها، ومن ثم تعميق التخفيض مستقبلا.
وأوضح أن من تلك الضغوط التباطؤ في نمو الطلب على النفط نتيجة العديد من العوامل، والذي يقابله زيادة كبيرة من المعروض العالمي من النفط التقليدي والنفط الصخري الذي يتزايد بشكل كبير، خصوصا بعد أن زاد إنتاج الولايات المتحدة الأميركية من النفط الصخري إلى نحو 12.5 مليون برميل.
وتابع الصبان "من الأسباب الرئيسة لتباطؤ معدلات نمو الطلب على الخام عدم اتفاق الولايات المتحدة والصين بشأن النزاع التجاري المستمر منذ أكثر من عام، والتغيرات الهيكلية في الطلب واستخدام البدائل بقطاع النقل، فضلا عن الزيادة الكبيرة بإنتاج النفط الصخري والتي لن تقل عن نحو 2.5 مليون برميل يوميا في عام 2020، وتأتي بشكل رئيس من الولايات المتحدة".
وأفاد الصبان بأن تلك الضغوط تأتي أيضا من دول ستزيد من إنتاجها النفطي خارج أوبك، مثل البرازيل وبعض دول أفريقيا ودول حديثة عهد بالإنتاج، بينما هناك تحسينات طرأت على الإنتاج وزادت من كفاءته وأدت إلى توفير معروض كبير من مختلف المناطق.
وأكد أن كل هذه الأمور ستنعكس على دور منظمة أوبك والدول المستقلة معها، وسيكون التعاون أكثر صعوبة، إذ يحتاج الأمر حاليا إلى تعميق خفض الإنتاج لإحداث توازن في الأسواق لتكون الأسعار فوق الـ50 دولارا، مشيرا إلى أنه من المتوقع عدم التزام الدول الشركاء ذلك.
وأشار المستشار النفطي إلى أن هذا الأمر سيدفع الأسعار إلى التوازن بين مستويات 50 إلى 52 دولارا، إلا إذا أرادت منظمة أوبك جدية الالتزام على جميع الدول في اتفاق دول أوبك+ والتأكيد على أنه ليس هناك مجال للمتجاوزين في هذا الاتفاق.
المحافظة على استقرار الأسعار
من جانبه، توقع كبير استراتيجي الأسواق لدى مؤسسة "ثنك ماركتس"، محمد زيدان، أن يكون هناك تمديد لاتفاقية خفض الإنتاج للمحافظة على استقرار الأسعار في اجتماع أوبك والمنتجين المستقلين المقبل.
وقال زيدان إن أسعار خام تكساس الأميركي هبطت من الحد العلوي (58 دولارا للبرميل) للنطاق السعري الذي كانت تتداول فيه خلال الفترة السابقة، وكان هذا الانخفاض بسبب ضعف البيانات الاقتصادية بشكل عام، واستمرار ارتفاع المخزونات الأميركية.
وأشار إلى أن بعض التصريحات تشير إلى إمكانية زيادة خفض الإنتاج اليومي إذا ما لزم الأمر في اجتماعهم المقبل، إلا أنه قد يكون من الصعب التوقع للعام المقبل في الوقت الراهن، بسبب العديد من المخاطر التي تحيط بالأسواق التي تشمل الحرب التجارية، وتباطؤ الاقتصاديات الكبرى بشكل عام، ومدى التزام أعضاء أوبك+ خفض الإنتاج.
وقال زيدان "لا نرى على المدى القريب أي احتمالية لتجاوز النفط للحركة العرضية التي يتداول فيها خام تكساس ما بين 60 و50 دولارا أميركيا للبرميل في النصف الأول من العام المقبل في ظل العوامل الحالية".
ولفت إلى أن المخاطر الإضافية التي تواجه أسعار النفط في العام المقبل تتمثل في ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي.
تمديد الاتفاقية ثلاثة أشهر إضافية
وتوقع بنك الاستثمار الدولي "غولدمان ساكس"، الثلاثاء، أن يمدد تحالف (أوبك+) اتفاق خفض إنتاج النفط لمدة ثلاثة أشهر إضافية حتى يونيو (حزيران) 2020، مما يقدم دعما ضئيلا للأسعار، وسط مساعٍ لتحقيق التوزان بين العرض والطلب، فيما يحوم سعر برميل خام برنت حول 60 دولارا في 2020.
التمسك بخيار التزام خفض الإنتاج
وفي ذات السياق، قال محمد مهدي عبد النبي، الخبير الاقتصادي "ربما تدفع نتائج الـ11 شهرا المنقضية من 2019 بشأن أسعار النفط اجتماعات فيينا إلى التمسك بخيار التزام خفض الإنتاج وتمديد فعالية الاتفاق لستة أشهر أخرى حسب توقعات السوق".
وأشار إلى أن الجوانب الفنية تعد الداعم الأكبر لحركة وتوازن أسعار الذهب الأسود الذي خضع لتأثير توترات جيوسياسية كبيرة خلال العام الحالي، من ضغط أميركي لبقاء الأسعار بعيدة عن مستويات السبعين دولارا للبرميل.
وأضاف أنه أمام تصاعد المخاطر الجيوسياسية وهجمات ضد ناقلات أو منشآت نفطية تخرج أسعار النفط منتصرة بالأخضر وتتواصل الإمدادات بصورة طبيعية لا تتأثر.
وتوقع مهدي أن يظل مشهد النفط مستقرا خلال النصف الأول من 2020، إلا أن هناك أنباء عن عدم موافقة روسيا على استمرار اتفاق "أوبك+".
فيما توقعت شركة "جدوى" السعودية للاستثمار، تمديد اتفاقية خفض الإنتاج إلى ما بعد تاريخ انتهاء الاتفاق الحالي المقرر له في مارس (أذار)، على أن يتم اتخاذه خلال الاجتماع المزمع الأسبوع الحالي.
وحول أسعار النفط عالميا، قالت أبحاث "جدوى"، في تقرير، إن أسعار خام برنت وخام غرب تكساس ارتفعت بنسبة 6% خلال نوفمبر (تشرين الثاني) على أساس شهري؛ بفضل زيادة التفاؤل حول إمكانية عقد الولايات المتحدة الأميركية والصين صفقة بشأن النزاع التجاري بينهما.
وذكرت شركة الأبحاث أن السوق لا تزال تعاني من فائض في المعروض، إضافة إلى ارتفاع مخزونات النفط التجارية الأميركية خلال الشهر الماضي، فيما دعمت الأسعار توقعات السوق بتمديد أوبك وشركائها اتفاقية إنتاج النفط.
وقالت (جدوى) "في حالة عدم وجود اتفاق تجاري أو إبرام اتفاق لا يتسق مع توقعات السوق ربما يؤدي إلى انخفاض في أسعار النفط".
أوبك تحدد مستقبل النفط
وفي تقريرها الشهر الماضي، قالت أوبك إن المنظمة ستورد كمية أقل من النفط في السنوات الخمس المقبلة في ظل نمو إنتاج النفط الصخري الأميركي ومصادر منافسة أخرى، على الرغم من تنامي الإقبال على الطاقة الذي يغذيه النمو الاقتصادي العالمي.
وقالت المنظمة في تقريرها لآفاق النفط العالمي لعام 2019، إنه من المتوقع تراجع إنتاج أوبك من النفط الخام وغيره من السوائل إلى 32.8 مليون برميل يوميا بحلول 2024 مقارنة مع 35 مليون برميل يوميا في 2019.
وتسبب تزايد النشاط الداعي لمكافحة تغير المناخ في الغرب والاستخدام الواسع لأنواع الوقود البديلة في خضوع الطلب على النفط في الأجل الطويل لتدقيق أكبر. وخفضت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" في التقرير توقعاتها للطلب على النفط في الأجلين المتوسط والبعيد.
وتتوقع المنظمة، التي تضخ نحو ثلث الإمدادات العالمية من النفط، الآن أن يصل استهلاك النفط في 2023 إلى 103.9 مليون برميل يوميا انخفاضا من 104.5 مليون في تقرير العام الماضي.
وخلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ارتفع إنتاج دول أوبك بنسبة 3.2% على أساس شهري إلى 29.650 مليون برميل يوميا، مقابل 28.707 مليون برميل يوميا في الشهر السابق له.
وأبقت المنظمة على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط عند 980 ألف برميل يوميا في 2019، و1.08 مليون برميل يوميا في 2020، كما أبقت على تقديراتها لنمو المعروض النفطي من خارجها عند 1.82 مليون برميل يوميا على أساس سنوي بالعام الحالي.