يشهد السودان العام المقبل 2020 تغييرات جذرية في مناهج التعليم من أبرزها عودة الفنون والمسرح والموسيقى في كل المراحل الدراسية، وإدخال أناشيد الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير، فضلاً عن التنوع في المناهج لتناسب التعدد الديني والثقافي في البلاد، بمشاركة الشعب السوداني من خلال لجنة متخصصة لجمع الآراء والمقترحات في وزارة التربية والتعليم.
يأتي هذا التوجه في ضوء الانتقادات التي وجهها خبراء تربويون وفئات عريضة من الشعب السوداني إلى مناهج التعليم الحالية لتعرضها للتسيس وخدمة أجندة النظام السابق الذي سيطر على مقاليد الحكم 30 عاماً، والمطالبة بعودة النظام التعليمي القديم الذي كان معمولاً به قبل عام 1989 والمكون من 6 سنوات لمرحلة الإعدادي و3 سنوات للمتوسطة و3 سنوات للمرحلة الثانوية، بدلاً عن النظام الحالي (8 سنوات اعدادي و3 سنوات ثانوي).
تشويه وتسيس
وكشف مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي في السودان الدكتور عمر القراي خطة حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الخاصة بتطوير المناهج خلال فترة الحكم الانتقالي، وتتمثل في إحداث تعديلات جذرية تشمل المناهج الدراسية في البلاد، مؤكداً أنها تعرضت للتشويه والتسيس من جانب نظام عمر البشير لخدمة أغراض سياسية معينة، مبيناً أنه سيصاحب ذلك تطبيق سلم تعليمي جديد ابتداء من العام المقبل.
ووصف المنهج الدراسي الحالي بأنه تقليدي وقائم على الحفظ والتلقين وليس الفهم كما ينبغي، فضلاً عن أنه يحتوي على مواد كبيرة تشكل عبئا على التلاميذ، بالإضافة إلى احتوائه على مئات الأخطاء، لافتاً إلى أن المنهج الجديد سيكون خفيفاً ورشيقاً غير قائم على التلقين والحفظ، وإنما قائم على الفهم والاستيعاب، وسيتم تدريس التربية المدنية بدلاً عن التربية العسكرية، وكذلك ستُعاد الفلسفة والمنطق وعلم النفس للمدارس الثانوية.
وأوضح أنه سيتم إحياء الجمعيات الأدبية وجمعيات الفلاحة المدرسية لتكون المدارس وحدات إنتاجية، وسيكون هناك منهج جديد للعلوم المهنية وآخر لذوي الاحتياجات الخاصة، مشيراً إلى أنه سيتم إيصال المعلومات لتلاميذ الصفوف الأولى (الأول والثاني والثالث) من خلال الألعاب، وستدخل اللغة الإنجليزية من مرحلة رياض الأطفال في المنهج وليس من الصف الثالث كما هو مقرر حاليا.
وزاد القراي، "المنهج الحالي يحتوي على مشكلات وخلل كبير وواجبات تتطلب الحفظ وكثافة القرآن الكريم والأحاديث على حساب الرياضيات والعلوم"، منوهاً إلى أنه على الرغم من كثرة المواد فإنها ضعيفة في النواحي العلمية، فيما شدد على إعادة إجراءات طباعة الكتب المدرسية إلى وزارة التربية والتعليم بدلا عن الشركات.
التجارب والاختبارات العملية
بدأت معاناة السودانيين مع المناهج التعليمية الحالية بعد تولّي الرئيس السابق عمر البشير الحكم في عام 1989، إذ اتّخذ جملة من القرارات لتغيير المناهج على مستوى المراحل كافة، بحجّة تأصيلها إلى جانب حجج أخرى، بالإضافة إلى التغيير المستمر فيها من دون أسباب مقنعة. ووفق المعلم عبد الفتاح حسين، فإن المناهج التي وُضعت في السنوات الماضية تقوم على التلقين والحفظ ولا تعطي التلميذ أيّ فرصة لتنمية مهارته الذاتية، موضحاً أنّها لم تواكب التطوّر العلمي وتطوّر وسائل البحث التي أنتجها التطوّر التكنولوجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "المناهج الحالية لا تعطي المدرّس أيّ فرصة لاختيار الطريقة التي يقدّم بها حصصه اليومية، بما يضمن وصول المعلومة إلى التلميذ عبر وسائل حديثة، مع الأخذ في الاعتبار التجارب والاختبارات العملية"، مشيراً إلى أنّ هم المدرّس أصبح ينحصر فقط في إكمال مقرّره قبل نهاية العام الدراسي، فيما دعا إلى ضرورة إعداد مراجعة شاملة لكلّ المناهج بواسطة اختصاصيين في مجال التعليم والتربية، على أن يكون الهدف النهائي تخريج تلاميذ يدركون العلوم التي درسوها من دون أن يحفظوا فقط ما درسوه.
كراهية وعنف
في الشأن ذاته، أوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل لـ"اندبندنت عربية" أن مشكلة مناهج التعليم لا تقتصر على مخرجاتها الهزيلة في الفروع المختلفة للعلوم الطبيعية أو الاجتماعية، بل في كونها تشكل خطراً كبيراً على التكوين العقلي للطلاب ونظرتهم لموضوعات مهمة ذات دلالات مؤثرة على قضايا ومفاهيم أساسية مثل الوطنية والدولة المدنية وحقوق المواطنة والتعايش السلمي المشترك، مبيناً أن منهج التربية الإسلامية (العقيدة والفقه) الذي يدرس لطلاب المرحلة الأساسية ومنهج الثقافة الإسلامية المقرر بالجامعات يحتويان على دروس تتعارض مع الدستور ولا تساير روح العصر وتضعف الانتماء الوطني وتحض على الكراهية والعنف وتعتبر الديموقراطية وحقوق الإنسان مخالفة للإسلام.
وبين أن المنهج التعليمي لا يتورع عن الإشارة لمفاهيم خطيرة مثل مفهوم "الولاء والبراء" وهو المفهوم الذي يمثل أحد الأدوات الرئيسة لاستقطاب الكادر للانضمام للحركات المتطرفة التي تتخذ منه وسيلة لغرس كراهية غير المسلمين في نفوس الشباب المتحمس، ومن ثم استغلالهم لتحقيق أهدافها. كما يدعو المنهج أيضاً لأن تنبني علاقة المواطنين في الدولة على عقد يقوم على الدين، أي أنه يدعو لدولة دينية تكون السيادة فيها للمسلمين بينما يتم التعامل مع أصحاب الأديان الأخرى كأهل ذمة، مؤكداً أن الخطورة الحقيقية لتضمين هذه المفاهيم في المنهج الدراسي تكمن في أنها ترسخ لدى الطلاب الأساس الذي يجعلهم يتقبلون تطبيقها في أرض الواقع وهو الأمر الذي يضرب في صميم التعايش السلمي المشترك.
مراجعة شاملة
وأشار فيصل إلى أن التناقض بين ما يدرس في منهج التربية الإسلامية وما يقول به الدستور في موضوعات المواطنة والديموقراطية والعلاقة بغير المسلمين في إطار الدولة يخلق حالة من الازدواجية العقلية والانفصام في شخصية الطالب. فمن ناحية، ستتشكل لدى ذلك الطالب قناعات بأن الديموقراطية كفر وأن الإسلام يدعو لأن تنبني العلاقة مع غير المسلم داخل الوطن على أساس ديني، ومن جانب آخر فإن الدستور يعلمه أن دولته تتبنى نظام الحكم الديموقراطي وتدعو للتعامل مع شركاء الوطن من غير المسلمين كمواطنين من الدرجة الأولى لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها وعليهم الواجبات ذاتها التي يقوم بها.