على الرغم من كل إخفاقاته، إلا أن الشيء الوحيد الذي يشفع دائماً لحزب المحافظين مع اقتراب موعد الانتخابات هو قدرته على الاستفادة من اللامبالاة. إنها موهبة خاصة، بالنظر إلى صراع المرشحين البرلمانيين المستمر للتواصل مع، ناهيك عن فهم، المواطن البريطاني العادي من دون التعثر. لكنها مهارة "جاهزة " - لاستعارة عبارة مزعجة للغاية من رئيس الوزراء - من أجل الخداع وما شابه.
لقد رأينا دليلاً على ذلك ليلة الثلاثاء عندما تحول المكتب الإعلامي لحزب المحافظين إلى جهاز مزيف لتدقيق الحقائق على موقع تويتر أثناء مناظرة الزعيمين على قناة أي تي في. وبعد وصفه بالبائس من قبل البعض أو بممارسة التضليل المتعمد من قبل كل من له ذرة إحساس، سارع لواء الدفاع عن حزب المحافظين للرد على التهم الموجهة ضد "factcheckUK" أو ما يعرف باسم "المكتب الإعلامي الرسمي لحزب المحافظين".
وعلى الرغم من أن جيمس كليفيرلي بالكاد أخذ قسطاً من الراحة منذ محطته الأخيرة في الجولة المستمرة لحزب المحافظين لاحتواء الأضرار في عموم بريطانيا، إلا أن دوره قد حان للدفاع عما لا يُدافَع عنه في مواجهة الليلة الماضية. ومرة أخرى، لم يتم تجاوز الضرر.
وبحلول صباح يوم الأربعاء، قرر وزير الخارجية البريطانية دومينيك راب اتباع نهج مختلف. وباتباع أسلوب زعيم حزبه المتهور، تخلص من الفكرة الأقل إقناعاً بأن "طبيعة الموقع" كانت واضحة لمستخدم تويتر العادي، بغض النظر عن حقيقة أن الموقع لا يشبه بشكل غامض حساب مكتب إعلامي.
وفي حديثه مع بي بي سي بريكفاست، قال راب "أطرق الأبواب كل يوم، ولا أحد يهتم بالشد والجذب الذي يحصل على وسائل التواصل الاجتماعية. ما يهمهم هو جوهر القضايا".
وبالمناسبة، يعد ذلك اختياراً مثيراً للكمات بالنظر إلى الحد الذي ذهب إليه الفريق الرقمي التابع لحزبه لتقديم "خدمة عامة" في المقام الأول. ما يهمني هو حقيقة أن راب قد أصاب كبد الحقيقة، وإن كان لا يعلم. وعلى الرغم من كون الأمر مخزياً، إلا أنه لن يكون كافياً لإبعاد أنصار المحافظين عن حزبهم. وهذا ما يؤسِف له.
لكن لا يجب إساءة فهم الصراحة النادرة لراب كإشارة على احترام الحزب للشخص العادي. والسبب وراء استمرار أساليب اللعب المخادعة هذه لا صلة له بالتمسك بالقضايا المهمة. ففي الواقع، كما أشرت قبل أسبوعين فقط، من المرجح أن تتفاقم هذه الأساليب وتبلغ مستويات مضللة بشكل صارخ لدرجةٍ لن يعود يكفي معها وصفها بـ"الديستوبيا".
إنهم يعرفون أن الأشخاص غالباً ما ينشغلون كثيراً بالمشاكل اليومية التي فشل المحافظون في إصلاحها، حتى يلاحظوا التلاعب بهم من الأساس.
إنهم يدركون أن الطريقة المضمونة لكسب الانتخابات تكمن في استهداف فئات معينة كالأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 55 عاماً، والذين يرجح أنهم لا يستخدمون الإنترنت بشكل منتظم، ناهيك عن التمتع بمعرفة رقمية كافية للتمييز بين الاساطير المقنعة جيداً وبين الحقيقة. ولو لم يكن الحال كذلك لما كرسوا مواردهم الإعلانية على الإنترنت لاستهداف هذه الفئة، لاسيما أن الناخبين عادة ما يجنحون إلى اليمين مع تقدمهم في السن.
ففي الواقع، كما كشفت صحيفة "الغارديان" الأسبوع الماضي، كان الإعلان الأكثر نجاحاً حتى الآن لدى المحافظين موجهاً لهذه الفئة على وجه التحديد. لذلك لا عجب أنهم أنفقوا أكثر من أي طرف آخر على فيسبوك وانستغرام.
وكما رأينا في مناظرة الأمس، فإن إصرار بوريس جونسون على تكرار عبارة "تنفيذ البريكست" في رده على أي سؤال تقريباً - سواء تعلق ببريكست أم لا - هو امتداد لتلك الاستراتيجية.
بالنسبة للمحافظين، لا يهم إذا تغافلوا عن قضايا مثل تقهقر الرعاية الاجتماعية، أو فشلوا في تقديم حلول حقيقية ودائمة للتحول الذي تشهده المملكة المتحدة، ذلك أن الحديث عن المحافظين باعتبارهم "الحزب المسؤول" أمر ثابت لا يتزعزع لدى الفئة المهمة بالنسبة لهم، وهم يعرفون ذلك.
ولذا، يكتسي منبرهم للتدقيق في الوقائع وزناً. على الرغم من استنزافهم الاقتصاد على مدى سنوات، يتم اعتبارهم تقليدياً أكثر جدارة بالثقة في تسيير الشؤون المالية للبلاد جراء تلك الاسطورة.
لذلك فإن اللعب القذر سيستمر في العمل لصالحهم طالما واصلوا العزف على وتر القضايا نفسها التي ساعدتهم على الدوام في الفوز بالانتخابات. ومن بين هذه القضايا: التظاهر المبالغ بالمسؤولية في إدارة الشؤون المالية، والتفاني الأعمى في مكافحة الهجرة، والتعهد عموماً بدعم الهياكل التي تدمرنا جميعاً في الوقت الراهن. يا له من أمر محبط.
© The Independent