نعم، لنبتسم! أخيراً، قرّرت شركة "يونيكود كونسورتيوم" Unicode Consortium، أنه من الضروري صنع "إيموجي" عن العادة الشهريّة. على وجه الدقّة، تقرر صنع "إيموجي" عن الطمث، وهو كناية عن قطرة دم حمراء تامة الاستدارة، ومصمّمة كي تتعامل مع الوصمة المتصلة بالحديث عن الدورة الشهريّة.
بصورة طبيعيّة، في عالم تصارع شريحة منا كي تتواصل مع الآخرين بسوى الـ "إيموجي"، قد تكون مفاجأة عدم ظهور "إيموجي" عن الدورة عند الأنثى.
في النهاية، ثمة "إيموجيات" عن مصاصي الدماء وحوريّات البحر والـ "زومبي"، لكن العادة الشهريّة هي أمر طبيعي، ما يعني تميّزها بأنها محمّلة بدلالة فعليّة. هناك اثنان من الـ "إيموجي" عن النمل، ودزينة منها عن القمر (حرفياً)، و"إيموجي" مفتقد الدلالة عن البيض المسلوق، وواحد يظهر كرة صوف للحياكة، وبَكَرَة ميكانيكيّة. ووفقاً لموسوعة "إيموجي بيديا"، يجري التداول بقرابة 3 آلاف "إيموجي"، لكن ليس من واحد بينها عن الدورة الشهريّة.
جاء القرار بصنع "إيموجي" عن الطمث بعد جهد مكثّف من مؤسّسة "بلان إنترناشيونال يوكيه"، وهو الفرع البريطاني من تلك المؤسسة الدوليّة المعنية أساساً بالطفولة. وأطلقت "بلان..." مناقصة لصنع "إيموجي" عن "بنطلون الدورة"، بعد أن أظهر استطلاع في العام 2017 أن نصف النساء ممن تتراوح أعمارهن بين 18 و34 سنة، يعتقدن بأن وجود الـ "إيموجي" قد يساعدهن على الحديث عن فترات الدورة لديهن. جرى التخلي عن فكرة البنطلون، على رغم تلقيه تأييداً مما يزيد على 55 ألف شخص، ثم تآزرت "بلان..." مع القسم الإداري المعني بالتبرع بالدم والأعضاء في "خدمات الرعاية الطبية الوطنية"، فتقدّما باقتراح ناجح عن "إيموجي" على هيئة قطرة دم. من المؤكّد أنه ليس بمثل جرأة الـ "إيموجي" عن "الكل يفعلونها" المعروف بشكله الذي يحتوي عينين، وابتسامة وكذلك، وفق بعض الآراء، فإنه آيس كريم شوكولاته. على الرغم من ذلك، ألا يشكّل "إيموجي" العادة الشهرية بداية؟ (ثمة من يجادل أن "إيموجي" مكوّن من فوطة صحيّة وعيون بارزة، وخطّ متوتر، ربما جلب ضحكاً أكثر).
ودخول الإيموجي عن الدورة عند الأنثى إلى مكتبة الـ "إيموجي" الثريّة، يلقي الضوء على واقع زيادة أحاديثنا عنها، والحاجة إلى قول المزيد في شأنها.
وإذ يتميّز زماننا بارتفاع فائق في الوعي الاجتماعي، يبقى ظلّ من المحظور محيطاً بالدورة الأنثويّة، سواء في النقاش الفعلي مع الآخرين، أو بمدى الثقة أثناء الحديث عنها أو تشارك التجارب في شأنها.
إذ تقدر العادة الشهريّة على الربط بين الناس، مع تخطّي حواجز العرق والدين والجنس والتفضيلات الفعليّة، والطموحات المهنية، والحسابات البنكيّة وغيرها. وعلى الرغم من القوّة الموحّدة، ما زالت الدورة عملية شهريّة حميمة تحدث بين الأنثى وجسدها، بل إلى حدّ أن المجتمع يخبرنا أنه ليس من اللائق الحديث عنها، وبالأحرى اعتبارها شيئاً "يجب التعامل معه"، وتحمله والصبر عليه.
لا يسيء أحد فهمي. ودوماً، وجد الأشخاص الذين أرادوا الحديث عن "الدورة" طريقاً لفعل ذلك في "واتس آب" و"سناب شات" و"آي ماسِج"، وبطرق واضحة. إذ ربما وضعوا صورة سمكة قرش مثلاً على صفحة المحادثات الجماعية، أو تنقّلوا بين "إيموجي" السكين وذلك الذي يُظهِر "دائرة حمراء واضحة" في تغريداتهم. ومن الممكن أنهم انخرطوا في تبادل أحاديث مباشرة. وبموازاة ذلك، سوف لن يروق الـ "إيموجي" الجديد للأفراد كلهم، إذ لا يرغب كل الناس في الحديث عن الدورة الشهرية. لكن، مجرد ظهور ذلك الـ "إيموجي" هو خطوة في الطريق الصحيح، خصوصاً أن 50 في المئة من الشابات يعتقدن بأنه سيشجعهنّ على الحديث بصراحة أكبر.
هل كان مستطاعاً جعل ذلك الـ "إيموجي" أكثر وضوحاً، ولو بقليل؟ أن يكون ضئيلاً لهو أفضل من عدم وجود أي شيء على الإطلاق، بالطبع. ومع التخلّي عن فكرة "إيموجي"، تزداد أيضاً فرص رفض استعمال صور الفوط الصحيّة، وكذلك الحال بالنسبة إلى تلك الأميال الطويلة من أكوام الأجنحة في الملاحظات. هناك شيء جميل في النقطة الحمراء هو أنها ربما تعني كل شيء أو لا شيء على الإطلاق، أنها تقطر معاني لكنها خالية منها على نحو متساوٍ أيضاً.
إضافة إلى ذلك، تنحو تلك الأشياء إلى التطوّر بدفع ذاتي. مثلاً، هل قصد مصمّمو الـ "إيموجي" فعليّاً أن تحمل صورة الباذنجان كل تلك الإيحاءات والتلميحات، أو أن تنقل نظرة جانبيّة للعين ببراءة كل ما تحمله من معانٍ في نظرة واحدة؟
هناك شيء يستطيعه الـ "إيموجي" الجديد فعلياً، هو توسيع النقاش والوعي في شأن المشكلات والتعقيدات التي تواجهها بعض النسوة بأثر من دورتهن الشهريّة.
ووفقاً لإحصاءات، تعاني بريطانيّة من كل عشرة، بعضاً من التليّف الداخلي في الرحم، ما يجعل الدورة لديهنّ فائقة الإيلام، وهناك شريحة مماثلة تعاني من ظاهرة "التكيُّس المتعدّد في المبيض".
وفي السنة الحالية، يتوقع أن تعاني فتاة من بين عشر حالاً من الفقر تجعلها عاجزة عن شراء الفوط الصحية، ما سيدفعهنّ إلى عدم متابعة الدراسة. ويشار إلى ذلك باسم "فقر العادة الشهريّة" Period Poverty. ولا تكلّ منظّمات مثل "ريد بوكس بروجكت" من بذل الجهود لتلافي تلك الظاهرة، وتنشر الوعي في المدارس والمجتمعات في شأنها، مع استهداف مساعدة 137 ألف طالبة في المدارس يتركن مقاعد الدراسة لعجزهنّ مالياً عن شراء فوط صحيّة. وفي الفترة الأخيرة، تعاونت "ريد بوكس..." مع حملة "فري بيريودز" التي تقودها آميكا جورج، بهدف الطلب من الحكومة توفير فوط صحيّة مجاناً لطالبات المدارس.
وماذا عن 68 ألف امرأة مشرّدة في بريطانيا يصارعن دوماً للحصول على فوط صحيّة أو ما يكفي من المال لشرائها؟ أستطيع أن أستمر وأستمر (وسأستمر) في سرد أمور كهذه لأنها ستنسى إن لم نتحدث عنها. وتعتمد تلك الأمور على الوعي والنقاش كي تبقى في مقدمة أدمغتنا.
سأختتم بإحصاء. في معدل وسطي، تعايش الأنثى 450 دورة شهريّة في حياتها. ويفوق ذلك بـ 449 ضعفاً إمكان أن تقابل مصاص دماء مثلاً، لذا يجب إبقاء الحديث عنها (الدورات الشهريّة، وليس مصاصي الدماء)، مستمراً وبصوت مرتفع.
وأساساً، يبدو أمراً محزناً أن يظهر الآن "إيموجي" عن العادة الشهرية، لكن وفي شكل مساوٍ تماماً، من الجنون أنه لم يظهر قبلاً.
© The Independent