كنا قد كتبنا في وقت سابق أنه وبحال امتداد الثورتين اللبنانية والعراقية لأسابيع وأشهر، فإن شعلتهما ستوقد الثورة في إيران معيدة تفجير التظاهرات، ويبدو ان هذه التنبؤات كانت في محلها، فإيران تشهد انتفاضة شعبية قد تكون الثورة الثالثة ضد نظام الخمينيين.
فبعد الثورة الأولى عام 1999 التي قادها الطلاب في عدد كبير من الجامعات والكليات، وقُمعت في نهاية المطاف من قبل السلطات الإيرانية، وبعد الثورة الثانية التي عرفت بالثورة الخضراء في يونيو (حزيران) 2009 ولاقت مصير سابقتها، انفجرت الأسبوع الماضي الثورة الثالثة التي أصبح متعارفاً عليها بثورة الوقود.
وكان واضحاً أن الجمر لا يزال مشتعلاً تحت الرماد في طهران منذ التظاهرات التي عمت في المدن والمقاطعات نهاية عام 2018، واستمرت في عمق المجتمع الإيراني حتى جاءت الرياح من لبنان والعراق وعصفت في طول البلاد وعرضها في ثورة فاقت قوتها سابقاتها، وهي اليوم تصارع النظام في الوقت الذي تستمر الثورتان وبقّوة في المستعمرتين ببغداد وبيروت.
وجدير بالذكر، بحسب المراقبين، ان هذه الانتفاضة الحديثة بدأت لأسباب اقتصادية تتعلق بأزمة الوقود، غير أنها توسعت لتشمل عشرات المدن وتنقلت بين المدن الفارسية من طهران إلى مشهد، وفي الأحواز حيث الأكثرية العربية ووصلت إلى بلوشستان أذربيجان، وكردستان ومناطق أخرى، والمشهد الآن هو كناية عن انفجار شعبي في جميع أنحاء إيران يستهدف رموز السلطة، وبحسب المقاطع المصورة، رأينا المتظاهرين يضرمون النار بمحطات الوقود ويهاجمون ميليشيا الباسيج والشرطة، وأحرقوا مصارف وصوراً لرأس النظام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه المشاهد تعني أن الثورة هذه المرة أعمق من الماضي، والأكثرية الشعبية تحذر النظام بقدرتها على القيام بحركة شمشومية، أي أنها قادرة على إسقاط البلاد على رأس النظام إن لم يكن هناك تغيير، وهذا يعني أن البؤس بلغ درجة غير مسبوقة والرفض للقمع البوليسي وصل إلى الذروة، مع انضمام عدد من كوادر الثورة الخضراء إلى المتظاهرين.
إن تأثير الحراك اللبناني والانتفاضة العراقية واضح على ما يجري في إيران، والأمر اللافت أن قطاعات الشباب تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي من بيروت إلى طهران، وتتابع ما يقوم به الآخرون في شوارع لبنان والعراق وبالتالي، فإن الموجة التي خرجت من المستعمرتين ولدت شعوراً بالقدرة الذاتية لمقاومة النظام الخميني في المنطقة ككل، وكما تحدثنا سابقاً، فإن انتفاضة المستعمرات في الهلال الخصيب أصبحت ذات قدرة ذاتية أسهمت في تمكين القطاعات الرافضة في إيران من الثورة على إيران.
إن المراقبين يعلمون علم اليقين أن النظام في إيران غير قادر على إقامة تسوية داخلية حتى لو كان قادراً على القبول بتسويات إقليمية ودولية لإنقاذ نفسه من غضب الداخل، وبالتالي فإن التقديرات تشير إلى أن خامنئي قد يختار المواجهة الشاملة مع شعبه ويزج بقواه العسكرية والأمنية لقمع الشعب فاتحاً بذلك باباً كان موصداً لأربعة عقود.
إذاً، إيران تدخل المجهول ومعها العراق ولبنان وربما سوريا واليمن لاحقاً، والسؤال الكبير ما هو موقف الخارج حيال ما يجري في الشرق الأوسط، والأهم ما هو الموقف الأميركي؟
مما لا شك فيه أن النظام الإيراني وأذرعه، إن خشي شيئاً فهو يخشى من تحرك أميركي بقدرات كبيرة لدعم الثورات الثلاث لأنه يوفر عاملاً نفسياً مهماً للقطاعات المنتفضة، وبالفعل، إذا قررت واشنطن السير بنهج الرئيس رونالد ريغن وجورج بوش الأب في دعمهما ثورات أوروبا الشرقية بوجه حكم غورباتشوف ما أدى إلى نجاح ثورات بولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا وألمانيا الشرقية، فذلك سيؤدي بنظر حكام طهران إلى نجاح الثورات الثلاث على الأقل في مرحلة ما.
من هنا، نفهم كيف أن الخمينيين و"حزب الله" و"الحشد الشعبي"، يتهمون الشبان المنتفضين بأنهم امتداد وأدوات للخارج، وركزوا في بعض الاتهامات على دعم أميركا للتحركات الشعبية، ونحن نعلم أن الإدارة في موقع لا يسمح لها الآن بالتركيز على الثورات وحاجاتها وتفعيل حركة داعمة لها دولياً، لأن الرئيس الأميركي يواجه أقسى أزمة فجرتها المعارضة في محاولة عزله تُخاض غمارها بمجلس النواب، وبالتالي على عكس ما تزعم طهران والضاحية، فإن إدارة الرئيس ترمب لم تتخذ قراراً حاسماً بما يجب القيام به للمساعدة، ولكن هناك مؤشرات ظهرت من خلال تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو حيال الثورات الثلاث شكلت فارقاً كبيراً بالمقارنة بما فعله الرئيس أوباما.
الاعتقاد هنا أن الرئيس ترمب لن يقوم بعمل تجاه هذه الثورات إلا إذا كان عملاً كبيراً وحاسماً، فأي تغريدة من الرئيس ستلحقها تغريدات أخرى وستحشد قدرات الإدارة لتعبئة الطاقات، وهناك مخاطرة تكمن بإمكان قيام المعارضة بمهاجمته إذا قرر التحرك في الشرق الأوسط، وهو في العام الانتخابي، لذلك فإن إدارة ترمب التي كانت تخطط للعودة إلى الشرق الأوسط بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل، قد تجد نفسها أمام تحدٍ قد يؤدي إلى تغيير موقفها السياسي، وخوض حرب على جبهتين في الداخل لمواجهة خصومها، وفي الخارج حيث تجد نفسها ملزمة بدعم المجتمعات المدنية لمواجهة الغطرسة الإيرانية في وقت فرضت أقسى العقوبات على طهران، فإذا لم تقم إدارة ترمب بأي عمل لدعم التحركات التي هي هدية من الشعوب لتتمكن واشنطن من مواصلة حملة عزل الملالي، قد تخسر فرصة مساعدة شعوب المنطقة خلال العام المقبل لتغيير أوضاعهم من أجل الوصول إلى سلام وأمان في المنطقة.
باختصار على إدارة ترمب ولجان الكونجرس المنشغلة بالسماع إلى اتصالات الرئيس وتصرفاته أن تتخذ قراراً بتوحيد الموقف الأميركي، ويمكن لترمب أن يقرر فتح مواجهة في الوقت نفسه مع خصومه في المعارضة والتمدد الإيراني، وإن سار بالخيار الأخير فهو بحاجة إلى فريق عمل قادر على الصعيد الإستراتيجي.