بينما وقّع المترشحون الخمسة للانتخابات الرئاسية في الجزائر، على ميثاق أخلاقيات الحملة الانتخابية، الذي يضع قيوداً ضد خطاب "السبّ" بينهم أو من يواليهم، يشرع المتنافسون على منصب رئيس الجمهورية، الأحد 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، في الترويج لبرامجهم بشكل قانوني، ومعظمها يشير إلى مراجعات دستورية عميقة، فيما لم تتفق برامج المرشحين الخمسة، على حلول واضحة لـ"تطبيع" العلاقات مع المغرب أو تصوّر للعلاقة مع فرنسا.
ووقّع عبد العزيز بلعيد وعلي بن فليس وعبد القادر بن قرينة وعبد المجيد تبون وعز الدين ميهوبي، السبت، على ميثاق أخلاقي يجمعهم بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ويتضمّن مجموعة من النصوص التي تحدد القواعد التي يتوجب على كل مترشح التقيد بها خلال الحملة.
مصافحات نادرة
ومكّنت مراسم التوقيع من مشاهدة مصافحات نادرة بين بعض المرشحين ممّن جمعتهم اتهامات عنيفة في وقت سابق، وبدا التوتر واضحاً بين المرشَّحَيْن عبد المجيد تبون وعلي بن فليس، لا سيما منذ أن أطلق الأخير تهمة "مرشح الولاية الخامسة" ضد تبون.
ويمكن للمتنافسين الخمسة، بداية من الأحد، الشروع في الترويج لبرامجهم بشكل قانوني مدة ثلاثة أسابيع، التي تتشكل في الغالب من محاور سياسية تختلف في عمقها حسب كل واحد منهم، لكن تتّفق بشكل شبه كامل بين الجميع على مراجعة دستورية، في وقت كان الاختلاف قوياً حول مصير البرلمان، واشترك المرشحون الخمسة في برامج غير مفصلة عن توجهات الجزائر على الصعيد الخارجي.
المرشح الإسلامي يراهن على المرأة
يكتفي عبد القادر بن قرينة باقتراح "تعزيز صلاحيات المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) مقابل صلاحيات رئاسة الجمهورية ضمن ما سمّاه "التوازن"، في حين يستعرض في الشق الاقتصادي "تشجيع الجزائر على مواصلة محاولات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وإيجاد تشريعات ملائمة تتوافق مع المسعى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكنه، قبل الانطلاق في تنفيذ التزاماته، يقترح "حواراً وطنياً شاملاً للفصل في خيارات الدولة السياسية والاقتصادية". ويثير بن قرينة، وهو الأمين العام لـ "حركة البناء الوطني" ذات التوجه الإسلامي، ملفين اثنين في مخططه دولياً، إذ يشير إلى "ضرورة تعزيز علاقات الجزائر مع بعدها الأفريقي، وإيجاد شراكات عبر مناطق للتبادل الحر تنطلق من محافظات الجنوب"، أما الملف الثاني، فيتناول الملف الفلسطيني بـدعوة إلى "مواصلة دعم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية وفق المبادئ الجزائرية الثابتة".
ويلمح بن قرينة إلى مراجعة قد تطال قانون الأسرة، إذ ينتقد آخر تعديل عام 2006 ويعتبره "مسؤولاً عن ارتفاع معدلات الطلاق في البلاد"، كما يراهن على برنامج "للقضاء على النسب المرتفعة للعنوسة" وتمديد "فترة الأمومة القانونية من ثلاثة إلى ستة أشهر مع احتمال توسيعها لتشمل الزوج أيضاً".
"حكومة انفتاح سياسي"
يغازل المترشح علي بن فليس، المتحمسين لفكرة "فترة انتقالية" كانت المؤسسة العسكرية قد وضعت "فيتو" ضدها، ضمن مخطط سمّاه "برنامج الاستعجال الوطني". وفي الوقت ذاته، يحاول بن فليس، وهو رئيس حكومة سابق بين عامَيْ 2001 و2003، الترويج لبرنامج سياسي لا يثير مخاوف "أركان النظام" القائم.
ويعرّف "برنامج الاستعجال الوطني" على أنه "مجموعة من الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلقة التي سيكون علينا التشاور والاتفاق حولها، والانطلاق منها لتجنيد أكبر قدر ممكن حول برنامج معالجة الأزمة، خصوصاً أنها ستتطلب مجهودات وتضحيات يتوجب بذلها وتحملها بالتساوي".
سياسياً، يقترح بن فليس "حكومة انفتاح سياسي" تمارس مهامها إلى غاية إجراءات انتخابات برلمانية ومحلية مسبقاً، لذلك أعلن أنه سيحل البرلمان الجزائري قبل انتخاب برلمان جديد "وفق دستور يمثل القطيعة والدستور"، كما يعد بن فليس بالعودة إلى منصب رئيس الحكومة بدل الوزير الأول (ألغاه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في تعديل دستوري عام 2008 ليتحول رئيس الحكومة إلى وزير أول بصلاحيات منسق فقط)، كما يعد بمنح رئاسة الحكومة للغالبية البرلمانية.
"الامتياز القضائي"
وفي ملف محاربة الفساد، يعد بن فليس بإلغاء "الامتياز القضائي" الذي يمنح كبار المسؤولين من وزراء ومحافظي الولايات صيغة استثنائية في التقاضي، مع مراجعة مبدأ الحصانة البرلمانية. أما اقتصادياً، فيعلن خطة تحت عنوان "عدم تسييس الفعل الاقتصادي"، بوضع حدٍّ لـ"الزبائنية وامتيازات الصفقات العمومية واحتكار الاستيراد"، إلى جانب انتهاج صيغة اقتصادية جديدة مع الشركاء الأجانب"، وإنشاء مؤسسات مشتركة بين المجموعات الدولية والشركات الجزائرية، إضافةً إلى مباشرة إقامة مناطق حرة لاستثمارات ممولة من طرف شركاء أجانب.
ويعد بن فليس على الصعيد الإقليمي بـ"الجلوس إلى طاولة التفاوض مع المغرب بخصوص عدد من الملفات، من بينها ملف فتح الحدود البرية المغلقة"، لكنه يتقيّد بالمنظور الذي انتهجته الجزائر في تعريف الملفات التي تجعلها محل خصومة مع الجارة الغربية، والجديد الذي يقترحه أنه سيلحّ في "عرض هذه الملفات على التفاوض، ويجب أن نتحدث مع جيراننا المغاربة وأن نصل إلى حلول".
"مراجعة دستورية"
أماّ المترشح عبد المجيد تبون (وزير أول لشهرين صيف 2017 ووزير سابق للسكن)، فيضع برنامجاً لـ "تصفية جو الأعمال وإبعاد رجال الأعمال المتورطين في السياسة"، كما يروّج لعملية "استرجاع الأموال المنهوبة" في الشق المالي والاقتصادي الذي ضمنه أيضاً "تنفيذ سياسية جديدة للتنمية خارج المحروقات واستبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية بهدف توفير احتياطي الصرف، وكذلك، خلق ومضاعفة الشركات الناشئة"، إلى جانب "تعزيز الدور الاقتصادي للجماعات المحلية في تطوير اقتصاد البلاد وتنويعه وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر".
ومن بين التزامات تبون السياسية، "مراجعة واسعة للدستور وإعادة صياغة الإطار القانوني للانتخابات وتعزيز الحكم الرشيد عن طريق الفصل بين المال والسياسة"، إضافةً إلى "وضع آليات لضمان نزاهة الموظفين العمومين". ويعتقد تبون أن الأصح "مواصلة تعزيز مكانة اللغة الأمازيغية" في سياق شقٍّ يتعلق بمكونات "الهوية الوطنية المتمثلة في الإسلام والعروبة والأمازيغية".
ترقية صناع الدفاع
وفي مجال الدفاع والسياسية الخارجية، تعهّد بـ "ترقية صناعة الدفاع في خدمة الأمن والدفاع الوطنيين والتنمية الاقتصادية مع مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية"، واعداً بفتح "جميع الملفات الخلافية مع المغرب قيد الدراسة وأوّلها الحدود البرية المغلقة".
وعلى الرغم ممّا يُشاع عن تمثيل تبون لتيار يناهض الحضور الفرنسي في الجزائر، فالمترشح لم يكن على قدر من الوضوح بخصوص المستعمِرة السابقة لبلاده، مكتفياً بـ"علاقات ندّية أساسها الاحترام" وداعياً "فرنسا الرسمية إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي لبلاده"، في سياق انتقاد يمارسه منذ أيام ضد وزير الخارجية الفرنسي وقناة "فرانس 24".
تبديل لقوانين الممارسة السياسية
ويلحق المترشح عبد العزيز بلعيد، بركب المدافعين عن فكرة إعادة النظر في دستور الدولة أي "مراجعة الدستور وكل القوانين المرتبطة بالإصلاحات"، إلى جانب "فتح حوار جامع يضم كل الأطياف السياسية في البلاد"، إضافةً إلى بناء "اقتصاد قوي" يرتكز على "أرضية سياسية متينة". وأبرز أن برنامجه يتضمن جوانب أخرى، أهمّها "الاستثمار في الإنسان لتحقيق التنمية المنشودة"، كما التزم القضاء على كل مظاهر الفساد وتجسيد الديمقراطية التشاركية مع تجسيد "الرقابة الفعلية بمختلف الأدوات". أما المترشح للرئاسيات عز الدين ميهوبي، وهو أمين مؤقت على رأس التجمع الوطني الديمقراطي منذ سجن أمينه العام أحمد أويحي، فيعرض 15 التزاماً و200 إجراء، يعد بالكشف عنها بالتفصيل خلال التجمعات الشعبية، عند انطلاق الحملة الانتخابية.
و في تصريحات متتابعة لميهوبي و هو وزير الثقافة السابق، يعد بحزمة قانونية تلغي " الاقصاء و تشرك كل القوى السياسية والفكرية للنهوض بالجزائر و العمل على طرح القضايا السياسية والكبرى أمام الشعب، والأخذ برأيه في كل ما يخص مصلحة الوطن".