فيما تتحدث شركات الاستشارات وبنوك الاستثمار عن حزمة جديدة من الأزمات التي تطارد اقتصاديات العالم خلال عام 2020، بدا من الواضح أن الأزمة تقترب بالفعل، وأن الخسائر لن تقتصر على تراجع معدلات النمو العالمي مع موجة الركود التي تجتاح العالم في وقت قريب، ولكنها ستطال أثرياء العالم الذين يستعدون لأكبر موجة بيع وتسييل أصول خلال العام المقبل.
تقرير حديث لشركة "يو بي إس" لإدارة الثروات العالمية، أشار إلى أن هذه التوجهات لها ما يبررها في الوقت الحالي، خصوصا مع سعي عدد كبير من المستثمرين الأثرياء إلى تحويل أصولهم لنقود.
وربما يكون هناك دور كبير للأزمات التي يشهدها العالم في الوقت الحالي دور كبير في هذا التوجه، التي تسببت بالفعل في خسائر حادة وعنيفة لغالبية أسواق الأسهم والسندات ودفعت أسواق الأصول والملاذات الآمنة إلى مستويات غير مسبوقة، مع ارتفاع الطلب عليها بنسب كبيرة خلال الفترة الماضية.
تقرير "يو بي إس" الذي شمل استطلاع آراء 3400 مستثمر، أشار إلى أن 80% منهم يتوقعون زيادة تقلبات الأسواق العام المقبل، ويترقب أكثر من نصفهم "موجة بيع كبرى بالأسواق قبل نهاية 2020".
المستثمرون يقدمون على مزيد من المخاطرة
لكن في المقابل، أظهر استطلاع أجرته "ميريل لينش" رؤية مغايرة تماما، إذ أشار إلى أن نسبة السيولة المتاحة لدى مديري الأصول حاليا عند أدنى مستوياتها منذ عام 2013، متراجعة إلى 4.2% فقط مع إقدام المستثمرين على مزيد من المخاطرة.
ويشير ذلك إلى أن المستويات القياسية الجديدة لمؤشرات الأسواق الأميركية ستدفع المستثمرين إلى ضخ المزيد من الأموال في أسواق الأسهم. ويضيف الاستطلاع أن المخاوف من الركود قد تراجعت، إذ أصبح المستثمرون مشغولون بالاستفادة من الحالة الإيجابية في الأسواق بسبب الآمال المعقودة على إجراء اتفاق تجاري محتمل بين الولايات المتحدة والصين.
وأخيراً، بدأ الحديث عن اتجاه قوي لدى أثرياء العالم وكبار المستثمرين نحو تسييل جزء كبير من أصولهم في الاقتصادات المتقدمة واتجاههم إلى الأسواق الناشئة. وتشير الأرقام إلى أنه في بداية شهر أغسطس (آب) الماضي خسر أثرياء العالم نحو 117 مليار دولار خلال ساعات من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التوسع في فرض مزيد من الرسوم الجمركية على الصين وذلك في إطار الحرب التجارية المشتعلة بين واشنطن وبكين قبل نحو 15 شهراً.
وخلال الشهر قبل الماضي، أضاف المستثمرون أكثر من 37 مليار دولار في أسهم وسندات الأسواق الناشئة في إشارة إلى التعافي من النزوح الكبير لرؤوس الأموال في الشهر السابق له. وفي أغسطس (آب) الماضي، عانت أسهم وسندات الأسواق الناشئة أسوأ تدفقات نقدية خارجة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016 بعد أن سحب المستثمرون نحو 13.8 مليار دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التوترات التجارية تزيد حدة تقلبات الأسواق الناشئة
في بيانات سابقة لمعهد التمويل الدولي، أشار إلى أن المستثمرين أضافوا حوالي 37.7 مليار دولار لاستثماراتهم في الأسواق الناشئة خلال الشهر قبل الماضي. واجتذبت السندات 27.6 مليار دولار، كما شهدت الأسهم تدفقات داخلة بنحو 10.3 مليار دولار.
ويظهر مؤشر معهد التمويل الذي يتتبع التدفقات يومياً أن هناك 6 أيام فقط من أصل 21 يوماً خلال الشهر الماضي شهدت تدفقات خارجة.
وذكر التقرير أن هذا التعافي يوضح التقلبات التي تشهدها الاستثمارات في الأسواق الناشئة حيث تسببت زيادة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في مايو (أيار) الماضي في تدهور سريع في شهية المخاطرة العالمية، مما أدى إلى تدفقات خارجة تاريخية. وعلى الرغم من تحسن المعنويات في يونيو (حزيران)، تسببت إعادة تصعيد الصراع التجاري في أغسطس (آب) الماضي في حدوث تدفقات خارجة أخرى.
وشهدت سوق الأسهم الصينية تدفقات داخلة بنحو 9.2 مليار دولار خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، مقارنة مع 1.6 مليار دولار فقط في الشهر السابق له. وكشف التقرير أن صافي تدفقات رأس المال للأسواق الناشئة (بما في ذلك تدفقات المصارف والاستثمار الأجنبي المباشر) بلغ 30.9 مليار دولار خلال أغسطس (آب) الماضي وهو ما يمثل تحسناً قوياً عن الشهر السابق له، الذي شهد صافي تدفقات داخلة بقيمة 5.2 مليار دولار.
حزمة مخاطر تنتظر الاقتصاد العالمي
في الوقت نفسه، حذر المنتدى الاقتصادي العالمي من 10 مخاطر تهدد الاقتصاد العالمي، في مقدمتها الأزمات المالية والبطالة وفقاعات الأصول. وذكر أنه مع حالة عدم اليقين الاقتصادي المرتفعة والتهديدات اللامركزية المتزايدة، فإن الفهم الإقليمي للمخاطر إلى جانب الفرص المتاحة للتعاون كلها أمور ضرورية.
وبحسب المسح الذي أجراه المنتدى للمخاطر العشرة، تأتي الأزمات المالية في المقدمة، ثم الهجمات الإلكترونية، والبطالة أو البطالة المقنعة في المركز الثاني والثالث، ثم حدوث صدمة أسعار الطاقة وانهيار الحكومات المحلية في المركزين الرابع والخامس.
أما الخطر السادس فمتمثل في عدم الاستقرار الاجتماعي العميق، ثم تأتي سرقة البيانات والنزاعات الدولية متمثلين في الخطر السابع والثامن. ويتمثل الخطر التاسع والعاشر في فشل البنية التحتية الحيوية، وفقاعة الأصول على الترتيب.
وأكد التقرير على أن إشارات ركود الاقتصاد العالمي على المدى القصير أصبحت قوية، كما أن التأثير الذي قد تتسبب فيه مثل تلك الصدمة على السياسات الحكومية المحلية يعيق مجتمع الأعمال.
ويعد أكبر خطر يثير مخاوف المستثمرين في الولايات المتحدة في الوقت الحالي هو الهجمات الإلكترونية ثم سرقة البيانات أما الخطر الثالث فمتمثل في الهجمات الإرهابية. أما ألمانيا فإن الخطر الأبرز الذي يواجها بحسب تقرير منظمة المنتدى الاقتصادي العالمي فهو الهجمات لإلكترونية ثم فقاعة الأصول. وفي الصين فإن الخطر الأكبر هناك هو الكوارث الطبيعية ثم انكماش الأسعار وبعد ذلك تأتي سرقة البيانات.
هل حان الوقت للخروج من السوق الأميركية؟
في مقال سابق، يرى خبير الاقتصاد العالمي محمد العريان أن الوقت قد حان من أجل سحب المستثمرين لبعض أموالهم من السوق الأميركية، بسبب حالات عدم اليقين في الاقتصاد العالمي.
وقال، "الظروف الأولية مهمة لكن إذا كنت أدير محفظة استثمارية (80% للأسهم و20 للسندات) على سبيل المثال فقد أسحب بعض الأموال من الأسواق في الوقت الحالي". مشيراً إلى أن هناك اثنين من حالات عدم اليقين، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس من بينها.
وتابع، من المثير للاهتمام أننا لن نتحدث عن الفيدرالي اليوم حتى رغم أن هذا الأسبوع سيكون مليئاً بحديث العديد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي. وأضاف، "لن نتحدث عن الفيدرالي وذلك لأن السوق قد أدركت أن الوضع لم يُعد بشأن الفيدرالي ولكن الأكثر أهمية هو الوضع التجاري والوضع المالي".
وأكد أن "الأسواق تسعر بالفعل توقعات بالمزيد من التيسير والمزيد من التحفيز، ولهذا السبب أعتقد أنه يجب سحب بعض الأموال من السوق عند هذه المرحلة". وذكر "العريان" أن الوقت الحالي جيد إذا كنت تستثمر بقوة في سوق الأسهم أن تسحب بعض الأموال وسيكون لديك بعض الفرص للاستثمار عند تقييمات أرخص.
وبسؤاله عن الوضع في ألمانيا، قال إنه لا يعتقد أن أكبر اقتصاد أوروبي سوف يُقبل على الحوافز المالية الكبيرة كونه يتعارض مع طريقة تفكيرهم. وأضاف أنه هناك في الواقع حجج اقتصادية جيدة تفسر سبب أنه لا يجب عليهم القيام بذلك، حيث أن أداء قطاع الخدمات جيد لكن مشكلتهم تكمن في الصين.