Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نقّاد مغاربة يناقشون العلاقة بين الشعر والسينما... وعي مشترك بالعالم

استحضار تجارب عالمية كان الشعراء فيها سينمائيين... بالكاميرا والمخيلة

الشاعر والسينمائي الفرنسي جان كوكتو في فيلم "اورفيوس" (يوتيوب)

ارتأى بيت الشعر في المغرب بالشراكة مع جمعية نقاد السينما، إقامة تظاهرة تُعدّ جديدة من نوعها في المغرب، ويتعلق الأمر بملتقى يجمع بين مجالين فنيّين مختلفين هما الشعر والسينما. لذلك، عُقدت ندوة وطنية كبرى، يومَيْ الجمعة والسبت الماضيين في قاعة المحاضرات بالمكتبة الوطنية في الرباط. ناقشت الندوة  نقاط تقاطع عدّة بين المجالين، وتوزعت محاورها على أربع جلسات، تطرق المتدخلون خلالها إلى العلاقة بين الشعر والسينما والمتخيل المشترك وسينمائية الشعر: طرائق الاستثمار وتقنياته وشعرية السينما: مقاربات ونماذج. وشارك في الجلسات النقدية كتّاب وشعراء ومتخصصون هم: رشيد المومني، حمادي كيروم، فؤاد سويبة، أمينة الصيباري، البشير قمري، محمد شويكة، بنيونس عميروش، نور الدين محقق، سليمان الحقيوي، عبد الله الشيخ، محمد عابد، محمد البوعيادي، محمد الشيكر، مبارك حسني، محمد طروس وأيوب العباسي.

توقف الناقد البشير القمري عند ضرورة ضبط المفاهيم النقدية التي قد يبدو للقارئ أنها لا تتغير، وهي تنتقل بين حقلَيْ السينما والشعر. كما دعا إلى تجديد المقاربات النقدية اتساقاً مع ما عرفه كل من الشعر والسينما من تحولات وتطورات سريعة. وعاد الناقد محمد شويكة إلى مفهوم الشعرية بين الحقلين الإبداعيين، مؤكداً أن الشعرية في السينما لا تمرّ بالضرورة عبر قناة اللغة، بل هي ترسانة جمالية تصل إلينا عبر الصورة لا عبر المنطوق الفيلمي. ورأى أن قيمة شاعرية فيلم ما، تتجلّى في قدرته التأثيرية في المتلقي وتمكّنها من تغيير نظرته إلى موضوع معيّن.

أسهب الناقد نور الدين محقق في الحديث عن مفهوم الرؤية الجمالية على مستوى الكلمة (الشعر) والصورة (السينما). وفي مقاربة تطبيقية، استعاد ثلاثية جان كوكتو السينمائية التي يتدفق منها الشعر: دم شاعر، أورفي، وصية أورفي. ورأى محقق أن كوكتو تفرّد في سعيه إلى جعل الشعر شخصية سينمائية داخل أفلامه، وقدرته اللافتة على تحرير الخيال وجعل اللامرئي عنصراً مرئياً وقريباً من المتلقي.أمّا الناقد بنيونس عميروش، فدقق في مفهوم الرمز بين السينما والشعر، متوقفاً عند السينما التجريبية وأفلام الموجة الطليعية في أميركا خلال خمسينيات القرن الماضي، وما عانته بسبب عدم التوازن بين أفق تلقي الجمهور وعمق التعبير لدى فناني تلك المرحلة.

واستند عميروش إلى شاعر السينما أندري تاركوفسكي في الإجابة عن عدد من الأسئلة المرتبطة بالعلاقة التي تجمع الشعر بالسينما، تاركوفسكي الذي لم يكن يرى أن الشعر لغة، بل وعياً بالعالم، مشيراً أيضا إلى بازوليني الذي كان يرى أن لغة السينما هي جوهرياً لغة الشعر. واختار الناقد والشاعر محمد عابد أن يناقش تمثلات الصورة لدى الجيل الجديد، داعياً إلى التفكير في سؤال المتلقي الراهن، وفي نوع وقيمة المنتوج الذي سنقدمه له. وفي حديث عن تجربته الشخصية، أشار إلى أنه جاء إلى الشعر من السينما. ودعا إلى طرح أسئلة جديدة الآن حول فن الشارع مثلاً، معتبراً أن الشاعر في النهاية هو مُخرج لنفسه، ومتوقفاً عند عدد من النصوص الشعرية المغربية التي استحضرت السينما أو وظفت تقنياتها في الكتابة.

فيما عاد الناقد محمد البوعيادي إلى تجارب من السينما اليابانية التي استحضرت روح الهايكو، وإلى نصوص عالمية تماهت مع السينما على مستوى التصوير والاشتغال المشهدي. واعتبر أنّ أية مقاربة نقدية للحقلين السينمائي والشعري تحتاج إلى عدة مفاهيمية ومعرفية متطورة، على اعتبار أن هذين الفنين صارا يتحولان بسرعة قياساً مع النقد المواكب لهما.

شعرية السينما

أما الناقد سليمان الحقيوي، فبدا له أن هناك خلطاً كبيراً في العالم العربي بين مفهومَيْ "سينما الشعر"، كما حدده بازوليني، و"شعرية السينما" كما تطور لاحقاً في كتابات السيميولوجيين، خصوصاً جاكبسون وصولاً إلى تودوروف، موضحاً أن شعرية السينما تتحقق في كثير من الأفلام من خلال شعرية اللقطة وشعرية المونتاج، من حيث مبدأ تكسير السرد ورفض تعاقبية الأحداث.

على هامش الندوة، أُقيمت أمسية شعرية اقترحت الجهة المنظمة لإحيائها أسماء مغربية معاصرة جعلت السينما عنصراً حاضراً في عدد من نصوصها الشعرية: نبيل منصر، بوجمعة العوفي، نسيمة الراوي، عبد الإله المويسي وأيوب العباسي. وضمن نشاطات الملتقى، عُرض فيلم "نوستالجيا" لأندري تاركوفسكي وجرت مناقشته.

وفي تصريح خاص ب "أندبندنت عربية"، قال مراد القادري، رئيس بيت الشعر في المغرب: "تمثّل ندوة الشّعر والسينما واحدة من التّوصيات التي عهدها إلينا المؤتمر الأخير لبيت الشعر، الذي دعا إلى مقاربة الأسئلة المعرفية التي تصلُ السينما بالشعر والشعر بالسينما، نظراً إلى التواشج الحاصل بين المجالين، تواشج إذ يُعزز القرابة بينهما، يصونُ، في ذات الآن، لكل واحد منهما ما يحفظ له فرادته و خصوصيته".

وأضاف القادري: "إنّ العودة إلى المتن الشعري العالمي، يكشفُ عن التفاعل البارز والدال الذي يزخرُ به في لحظة تماهيه مع الكتابة السينمائية، إذ يبدو الشاعر منشغلاً باستدراج واستثمار بعض تقنيات هذه الكتابة في صوغ عالمه الشعري. يتكشف ذلك في اعْتماده السرد والحوارية والتقطيع والفلاش باك وغيرها من التقنيات. كما أنّ استقراء المتن السينمائي، هو الآخر، يُسعفنا في تأكيد صِلات القرابة والتفاعل الفني والجمالي والبلاغي الحاصل بين السينما والشعر. فكم هي الأفلام التي امتلكت منسوباً شعرياً عالياً، جعلنا نحس ونحن نشاهدها، أننا نقرأ قصائد بصرية مرئية".

المزيد من ثقافة