Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ليلة الشعلة: كيف ارتدت "مؤامرة البارود" لصالح غاي فوكس وأعوانه

محاولة تفجير مجلس اللوردات جعلت بريطانيا القرن السابع عشر أقل تسامحاً

رسم شهير لـ غاي فوكس الذي تحتفل بريطانيا سنويا بمحاولته حرق مبنى البرلمان الفاشلة قبل أكثر من 400 عام (غيتي عن أرشيف هالتون) 

"تذكروا، تذكروا الخامس من نوفمبر، ومسحوق البارود، والخيانة والمكيدة. نحن لا نرى هناك أي سبب، يدفع لنسيان مكيدة مسحوق البارود!".

نتذكر في الخامس من نوفمبر من كل سنة مكيدة مسحوق البارود لعام 1605- محاولة التفجير الفاشلة التي خططت له عصابة من المتآمرين الكاثوليك لمبنى مجلس اللوردات لتخليص إنجلترا من الملك جيمس الأول.  

يجري إحياء ذكرى المكيدة في كل خريف بإحراق دمية تمثل "غاي فوكس" العقل المدبر للخطة، وهي ممارسة وثنية شاذة تعبر عن الشماتة التي تتطهر بإشعال نيران إضافية، وإطلاق ألعاب نارية وتناول التفاح المغطى بحلوى "التوفي".

اعتلى الأكاديمي والمتطير جيمس السادس ملك اسكتلندا العرش البريطاني عام 1603 بعد موت اليزابيث الأولى، منهيا بذلك سيادة حكم سلالة التودور وموحدا مملكتي الأمتين تحت حكم أول ملك لبريطانيا من سلالة ستيوارت.

ولو أنهم نجحوا في اغتيال البروتستانتي جيمس عند افتتاح الدولة للبرلمان، لسعى المتآمرون الذين يقودهم فوكس وروبرت كاتسبي، إلى تحقيق أملهم بتنصيب ملك إسبانيا الكاثوليكي فيليب الثالث بدلا عنه.

كان جيمس نفسه، متعاطفا بشكل عام مع الكاثوليك إذ أن أمه ماري ملكة اسكتلندا وآن ملكة الدنمارك، كانتا كاثوليكتين، لكن المناخ السائد في إنجلترا آنذاك كان عدائيا للكاثوليك، والمنشقون الذين كانوا يرفضون حضور قداسات الكنيسة الإنجليزية يوم الأحد يغرَّمون 20 جنيها استرلينيا في الشهر.

تبددت آمال الكاثوليك بأن تصبح إنجلترا أكثر تسامحا معهم تحت حكم الملك الجديد، حين أعلن جيمس عن "مقته الشديد" لأتباع الكنيسة الكاثوليكية في فبراير (شباط) 1604، بعد إحباط مؤامرتي باي وماين Bye and Main  ضده، إذ حرض بايBye المشاغبين الكاثوليك لاختطافه أما ماين Main فسعى لتبديله بابنة عمه الليدي أرابيلا.

كان أمل الكاثوليك في شخص أكثر تسامحا مثل كاتسبي، وهو نبيل أعفي عنه بعد مشاركته في المحاولة الانقلابية الفاشلة على الدولة نظمها إيرل ويسيكس عام 1601، وقد قام بزيارة إسبانيا في مسعى لتشجيع فيليب على غزو إنجلترا لكنه فشل في تحقيق ذلك. وعند عودته إلى إنجلترا محبَطا حشّد 12 رجلا للقيام بمحاولة اغتيال جيمس.

كان فوكس واحدا من أولئك المجندين، وهو أحد المعتنقين الجدد المتحمسين للمذهب الكاثوليكي من مقاطعة يورك، وسبق له أن حارب لصالح إسبانيا ضد البروتستانت الهولنديين المتمردين في هولندا خلال "حرب الثمانين سنة". وهنا التقى بالجندي توماس وينتور الذي أوصى ابن عمه كاتسبي به لشجاعته وخبرته في المتفجرات.

وصِف فوكس من قبل المؤرخة الدَيم Dame أنتونيا فريزر بأنه "رجل طويل قوي البنية بشعر لونه أحمر- بني، وشاربين مجنَّحين، ولحية حمراء- بنية كثيفة".

 في البدء كان المتآمرون يريدون حفر نفق تحت شوارع ويستمنستر التي تقود إلى البرلمان، لكنهم تخلوا عن هذه الخطة، وكلفوا شخصا آخر من مجموعتهم، هو توماس بيرسي، باستئجار قبو يقع تحت مجلس اللوردات مباشرة. وزعم فوكس أنه يعمل حارسا، منتحلا اسم "جون جونسون" ليخفي زياراته لذلك القبو من أجل إخفاء براميل البارود فيه.

في يوم 26 أكتوبر(تشرين الأول)، تسلم اللورد مونتيغال- العضو في المجلس- رسالة تحذير من شخص مجهول: "سيتلقى من في البرلمان تفجيرا مروعا؛ ومع ذلك لن يكون بإمكانهم رؤية من آذاهم". ويُعتقد أن كاتب الرسالة هو فرانسيس تريشام، شقيق زوجة فوكس وأحد المتآمرين مع كاتسبي.

أوصل مونتيغال الرسالة إلى الملك، فتم اكتشاف الرجال المتواطئين يوم 4 نوفمبر، حيث  قبض على فوكس بالجرم المشهود على يد الحرس الملكي وهو تحت الأرض مع 36 برميلا، ومصهر، وعلبة كبريت وفانوس حديدي صغير.

في الاستجواب الذي جرى معه أمام جيمس، أُعجب الملك بصمود فوكس حين أعلن بصراحة عن نيته في "تفجيركم أنتم المتسولين الاسكتلنديين وإرجاعكم إلى جبالكم الأصلية".

بعد ذلك، سجن فوكس في برج لندن وجرى التحقيق معه، وهو يعذَّب على حمالة، من قبل السير ويليام وواد، الموظف الإداري الذي انتزع اعترافا كاملا من "المرشد" بشكل "مخربش" في كتابة عنكبوتية لنفس تحت التعذيب.

أما بقية المتآمرين فقد هربوا من العاصمة وذهبوا إلى منطقة "ميدلاندز" لكن رئيس الشرطة ريتشارد والش من منطقة ووستيرشاير تعقبهم بعد غارتهم على قصر وارويك للحصول على المؤن. قُتل كاتسبي وبيرسي والأخوان جون وكريستوفر رايت بإطلاق النار عليهم من بنادق في قصر هولبيتش بمنطقة سترافوردشاير يوم 8 نوفمبر.

نُهبت جثامين القتلى، ثم نُبِشت جثتا كاتسبي وبيرسي لاحقا وقُطع رأساهما عنهما.

أما فوكس والناجون من المتآمرين فقد جمعوا معا في لندن، حيث حوكموا في قاعة ويستمنستر يوم 27 يناير(كانون الثاني) 1606 وثبتت إدانتهم بالخيانة وصدرت أحكام ضدهم من قبل كبير القضاة السير جون بوفام.

بعد أربعة أيام، سُحبوا عبر شوارع لندن إلى ساحة "أولد بالاس يارد" في منطقة ويستمنستر حيث أعدموا ثم أُغرِقوا في الماء وقُطِّعت جثثهم إلى أربعة أجزاء.

سجل شاهد عيان في تلك الفترة كيف أن فوكس كان ضعيفا إلى الحد الذي لم يتمكن معه الوصول إلى أنشوطة الجلاد ومات قبل إخصائه، ثم بقر بطنه وتم تقطيعه مثل رفاقه الآخرين: "فهو لم يُلق خطابا، لكن مع صلبانه ومناسكه الباهتة جعل نهايته على عامود المشنقة والحاجز، موضع بهجة للمشاهدين من أن البلاد نجت من مكيدة شريرة جدا".

بعد إحباط مكيدة مسحوق البارود، تكثف اضطهاد البريطانيين الكاثوليك، فقد صادق البرلمان على "قانون نوفمبر 1605 للاحتفال بيوم 5 نوفمبر" آمرا بأن تُتلى الصلوات وتُقرع أجراس الكنائس يوم الخامس من نوفمبر من كل سنة لتذكر المكيدة، وظل هذا القانون ساريا حتى عام 1859. في الوقت نفسه رفع قانون "المنشقين الكاثوليك" (عن الكنيسة الإنجليزية) الصادر عام 1606 من الغرامات المفروضة على الكاثوليك الذين يرفضون حضور القداسات الانجليكية ومنعهم من ممارسة المهن المشروعة والانتماء إلى الجيش وحرمانهم من حقهم في التصويت.

في المقابل، اعتبر بعض المؤرخين قضية التآمر على جزء من الحكومة البريطانية، حجة زائفة تم ترتيبها لتبرير التشريع المعادي للكاثوليك، مشيرين إلى أنه لم يُعثر أبدا على أي نفق محفور، وأن الدولة وحدها كان لها الحق ببيع مسحوق البارود، وأن فترة الأيام التسعة الفاصلة بين تسلم مونتيغال رسالة التحذير وإلقاء القبض على الرجال المشتبه بهم مشكوك بصحتها.

ما زالت ذاكرة المكيدة قائمة في السياسة البريطانية حتى يومنا هذه: فحراس العاهل البريطاني ما زالوا يحدقون في الأقبية تحت بنايتي مجلسي النواب واللوردات كجزء من إجراءات تسبق احتفالية افتتاح البرلمان للتوثق من عدم وجود مسحوق البارود.

يعيش فوكس نفسه في القرن الواحد والعشرين لا كإرهابي نموذجي بل كأيقونة ترمز لكل أنواع الاحتجاج، فالقناع (المأخوذ من بورتريه قديم له) الذي استعير من الفيلم المعروض أولا عام 2005 والمقتبس من رواية ألان مور المصورة "الحرف في الفينديتا (الانتقام)" يرتديه اليوم الناشطون الانترنتيون لحركة "أنونيموس" (المجهولين)،  وأعضاء حركة "الاحتلال" ومليون متظاهر يرتدون القناع الذي أصبح رمزا لمعارضة "الحكومة الكبيرة".

© The Independent

المزيد من الأخبار