Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أيقونة الشكوى

الشرطة السودانية تفرق محتجين في الخرطوم بالقنابل المسيلة للدموع. (رويترز) 

1- السياسة كمبدأ للشكوى والعويل يظهره السياسي في العالم اللاغربي متى ما خرجت الناس ضده، وكوسيلة لمواجهتهم يغترف من وسائل أجهزة أمنه التهم بالخيانة والتبعية للخارج مهدداً بالويل والثبور، وإذا أصبحت الشكوى كأيقونة، أمست التهمة الأيقونة.

خلال الفترة الماضية أكد البشير السوداني في العديد من المرات أن (الموساد) المخابرات الإسرائيلية تلعب في السودان برجل دجاجة وتحرك الدمى من الشعب، ولم يفته أن يكيل التهم أيضاً إلى مستحدث تمثل في السوشل ميديا كفيسبوك وتويتر تلعب بعقول الشباب وتزيف المعطيات. وبهذا فإن الخارج مؤسسة وتقنية هو المعارضة لنظام البشير.

حدث أثناء ثورة فبراير(شباط) الليبية سنة 2011، أن وجّه العقيد معمر القذافي التهمة للجهات ذاتها جاعلاً من فيسبوك بطلاً جديداً يقود المعارضة بل ويفتعلها أيضاً، وأثناء الثورة اشتكى أيضاً من كان ساعتها يعمل على إسقاط نظام القذافي السيد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي المستشار مصطفي عبد الجليل مما يشتكي منه العقيد القذافي، فكان فيسبوك الشكوى المشتركة بين الخصمين.

إن المسكوت عنه، أن السلطة الحاكمة المُناهضَة من الداخل تشتكي من جهة خارجية، وهذا ما يوكد ضعف هذه السلطة إن لم يؤشر ذلك إلى ارتكازها على مرجعية خارجية في سبب الوجود والبقاء أيضاً.

ومنذ أن ظهرت الدولة الوطنية للوجود، والصراع فيها على السلطة محتدم والشرعية مشكوك فيها في العديد من الدول، ومَن على رأس السلطة يعتبر نفسه الشرعية، وأياً كان خلاف ذلك، فإنه غير شرعي حتى لو كان الدستور الذي وضع. وأما إن طلع الناس عليه فإنهم عملاء لا شرعيون، هذه التهم الجاهزة التي يستعملها رجل السلطة في كل زمان ومكان في العالم اللاغربي. ومتلازمة التهمة هي الشكوى، التي كما رأينا تحيل الاعتراض والرفض على الخارج، من دون أي داع لإثبات أو مسوّغ يبرر ذا الاتهام ما يبدو كما من لزوم ما يلزم، وكأن الدولة الوطنية وجودها مرتهن للخارج، لذا ما يهددها يكمن في الخارج، الذي كأنه بنيتها الداخلية يعلل وجودها وانعدام وجودها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

2- لسقراط قول مشهور: تكلم كي أراك، والجماهير السودانية تكلمت خلال أسابيع بجملة واحدة مفادها المطالبة بإسقاط النظام الذي تكلم مردداً المعهود ما كانت السلطة السابقة قد قالته في مواجهته، فالبشير أيضاً اتهم بالتهمة ذاتها التي يستخدم. بذا فإن الضعف جدل الدولة والبلاد والمرفوع سلطة ضعيفة تواجه مشاكلها بالهروب منها وإحالتها على مسألة خارجية.

ظهور الدولة الوطنية جاء عقب أن منحتها الدول الإمبريالية استقلالها، وكان هذا الاستقلال يتعكّز، لأنه مهدد من الاستعمار، لذا الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا عقب نيل استقلالها 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951 بقرار من الأمم المتحدة أكد مقولة معروفة: إن الحفاظ على الاستقلال أصعب من نيله، وقد انقلب عليه الملازم أول معمر القذافي بحجة تبعية إدريس السنوسي للاستعمار.

وكما يبدو، أن الطرفين يتفقان من حيث الموضوع، وإن اختلفا من حيث الشكل، فيؤكدان أن علة الدولة الناشئة تكمن في الخارج وبهذا يُقران بقوته وفاعليته في هذه الدولة الوطنية. والملفت، أن القذافي في كتابه الأخضر حول الديموقراطية وفي ختامه يُلفت النظر إلى أن الأقوياء هم الذين يحكمون، هؤلاء الأقوياء الذين يحكمون كان شغلهم الشاغل بعيد الاستقلال وأثناء أية تظاهرة معارضة أن يشتكوا من إذاعة لندن (BBC العربية)، التي يتابعها آنذاك الحكام والمحكومون، وكانت أيقونة لصدقية الخبر كما إذاعة لمستعمر غاشم لا يريد للبلدان المستقلة أن تحافظ على استقلالها.

السودان خير مؤشر إلى معضلة الدولة الوطنية، التي خرطها الاستعمار، فحدّد الجيوسياسي لهذه الدولة، ما كانت جزءاً من المملكة المصرية المستعمرة من قبل المملكة المتحدة العظمى! وفي عهد البشير ومن إنجازاته تغير خريطة السودان فصار سودانيَّين قابلين للتثليث. أي أن البشير خرج عنه جزء ممن كان يحكمهم بإرادة خارجية متمثلة في قرار دولي، والآن يقول إن من خرج يتظاهر ضده ناتج قوى خارجية، فكأنما ليس ثمة سودان بالمرة بإقرار رئيس الدولة أن الفاعل المطلق في حال السودان الخارج.

أتفق مع البشير، أن وجوده من عدمه يكمن في الخارج، ولأن الدولة السودانية كذلك، ونذكّر بزوال الدولة اليوغسلافية فدولة تشيكوسلوفاكيا ... وهلم جرا، لقد جاء البشير مبشراً بالدولة الإسلامية التي تعيد الخلافة وانتهى بانفصال الجنوب، لقد بدأ بمشروع خارجي والآن يصدّر معارضته إلى مشروع خارجي.

الشعب السوداني حقيقة ليس كمثله شعب فهو، لم يألُ جهداً من أجل التغيير لكن ما يدفعه من ثمن غال نتاجه بخس، ولقد نجح في القيام بثورات شعبية وفي محاولات مستميتة، لإنجاح نظام ديموقراطي لكن الفشل حصاد بيّنٌ، وعلى الرغم ممّا يمتلكه من ثروات، فإنه من أفقر البلدان ويتعايش وحروب مضطردة داخلية ونزاعات مع الجيران، وتدخلات في شؤونه مصحوبة بانقلابات عسكرية تستنفد قواه في معارك وصراعات على السلطة تزداد ولا تنقص.

بهذا كله، السودان نموذج للدولة الوطنية التي تتآكل، على الرغم من فاعلية الشعب السياسية في الداخل وفاعليته في البناء ولكن، في الخارج.

المزيد من آراء