فعلها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وكسر الطوق الذي وضعه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله لمنع استقالة الحكومة، وأطاح بالتسوية الرئاسية التي قبضت على لبنان لمدة ثلاث سنوات وحولت لبنان إلى منصّة نفوذ لحزب الله وأعماله الأمنية والمالية حول العالم.
معظم ردود الفعل المحلية والدولية أيدت خطوة الحريري بالاستقالة، وجرأته بتخطي هاجس الضغط والتهويل الذي مورس عليه لثنيه عن الاستقالة حتى اللحظة الأخيرة. وحدها القوى المتحالفة مع إيران شجبت الخطوة ووضعتها في خانة الهروب من المسؤولية، إذ اعتبر مصدر وزاري لبناني أن التيار الوطني الحر وحزب الله توليا مهمة الضغط المعنوي والميداني لمنع الاستقالة، ليس حباً بالحريري إنما استغلالاً لشبكة العلاقات العربية والدولية التي يملكها الحريري والتي شكلت المظلة الدولية لتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله.
وشدد المصدر على أن التيار الوطني الحر استمر بممارسة أقصى درجات التهويل على الحريري بالتهديد أن استقالته تعني خروجه النهائي من المشهد السياسي في لبنان وانتحاراً سياسياً، وذلك بالتوازي مع الرسالة الميدانية التي وجهها حزب الله وحركة أمل عبر "غزوة" ساحات الاعتصامات في وسط بيروت بتهديد علني للإشارة إلى أن الاستقالة تعني الفوضى. ولفت المصدر إلى أن الحريري لم يقدم على خطوته إلا بعد اطمئنانه على أن الجيش لن يسمح لأي فريق باللعب بالورقة الأمنية حيث بدا واضحاً وفي سابقة جديدة، الحزم بمنع تفلت الشارع وانزلاقه إلى مواجهات تنتهي بسيطرة حزب الله على المرافق الاستراتيجية للدولة كما حصل في 7 مايو (أيار) عام 2008.
خلية التصدي
وعن كواليس التصدي التي كان يسعى التيار الوطني الحر إلى الاتجاه إليها خلال أسبوعي الثورة، كشفت مصادر سياسية أن وزير الخارجية جبران باسيل أخذ على عاتقه إدارة "الأزمة"، إذ مكث لأيام في قصر بعبدا وشكل خلية مصغرة تضم وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي ووزير الدفاع الياس بو صعب لاتخاذ القرارات المناسبة لخنق الانتفاضة الشعبية. وكان من أبرز الطروحات تكليف الجيش اللبناني بفتح الطرق العامة تحت عنوان حرية التنقل بين المناطق. الأمر الذي رفضه رئيس الحكومة سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي.
وأشار المصدر إلى أن الخطوة الثانية كانت التوجه إلى إعلان حال الطوارئ في البلاد ومن ضمنها منع التجول لمدة ثلاثة أيام، الأمر الذي لم يحظ بموافقة الرئيس الحريري الذي أصر على حق التظاهر وحرية التعبير، إضافة إلى التحذيرات الغربية التي رفضت المساس بالحريات العامة. ولفت إلى أن قيادة الجيش اللبناني ومنذ بدء الاحتجاجات اتخذت قراراً واضحاً بأنها لن تجاري أي محاولات لتحويلها إلى أداة قمعية ووضعت معادلة واضحة تضمن الحريات العامة وتحفظ الأمن والاستقرار.
لوائح الانتقام
وأضاف المصدر أنه بعد مرور الأسبوع الأول ونجاح الضغوط بمنع الحريري من الاستقالة وعدم بروز مواقف دولية ضاغطة تطالب الاستجابة لمطالب الشارع، اعتبر التيار الوطني الحر أنه تم تجاوز الأزمة، وتردد على لسان مسؤوليه "الأزمة باتت وراءنا والانتفاضة فشلت وقد استوعبنا الصدمة". وشدد المصدر على أن مسؤولين بارزين في التيار وبالتنسيق مع حزب الله بدأوا إعداد لوائح "الانتقام"، وهي تضم أسماء شخصيات رسمية وحزبية وإعلامية تم تخوينها سواء على لسان نصرالله أو قيادات ووزراء تابعين للتيار الوطني الحر، إذ رُصدت اتصالات مكثفة قام بها وزراء في التيار للاستفسار عن معلومات خاصة بصحافيين وناشطين.
ورأى المصدر أن القوى المنضوية تحت تحالف "العهد" أبدت صدمتها من عدم مجاراة معظم الأجهزة الأمنية لأهوائها ومصالحها، ما دفعها إلى الارتكاز على قوة حزب الله الميدانية كخط دفاع أخير عن "العهد"، ولم تمانع أي إجراءات ميدانية قد ينفذها الحزب تسهم باستعادة الفريق الحاكم توازنه في الشارع. وشبّه المصدر الأمر وكأن قوى السلطة تتجه نحو النموذج الإيراني بالارتكاز على النظام الموازي لاحتواء الأزمات، وكأن الحزب بات "الباسيج" في حماية الحكم.
ارتياح سني
وعن ردود الفعل التي شهدتها المناطق السنية في بيروت لناحية قطع الطرقات وإحراق الدواليب، أشارت مصادر موثوقة إلى أن أحد رجال الأعمال المقربين من تيار المستقبل والمعترضين على خطوة الاستقالة، دفع بعض الشباب إلى هذه الخطوة في محاولة للإيحاء بوجود غضب عارم في الشارع السني نتيجة استقالة الحريري، مضيفة أن الرئيس الحريري دخل على الخط سريعاً وطلب من المسؤولين الميدانيين الخروج من الطرقات، وقد أصدر تيار المستقبل بياناً حاسماً بهذا الشأن.
وأشار المصدر إلى أن استقالة الحريري عكست جواً من الارتياح في الشارع السني عامة وجمهور تيار المستقبل الذي كان محرجاً بين مطالب الشارع التي يعاني منها ومقتنعاً بها ووجود الحريري على رأس الحكومة المطالَبة بالاستقالة.