يسبب تغير المناخ خسائر مادية في البنى التحتية التي قد شُيدت سابقاً بناء على توقعات مناخية مستقرة.
فالمواد المستعملة مثل الفولاذ تتعرض للتمدد في الجو الحار كما تتقلص تحت تأثير البرودة. يأخذ عادة المصممون في الاعتبار تقلبات درجات الحرارة من فصل إلى آخر، غير أن التغيرات الحادة في الطقس تتكرر بشكل متزايد ما يضع التصاميم ومواد البناء أمام اختبار حاسم لقدرتها القصوى على التحمل للحرارة.
ويرّكز المهندسون الأميركيون اهتمامهم على المشاكل التي قد تطرحها هذه التغيرات على سلامة البنية التحتية لشبكة الطرق القديمة التي تضم حوالي 600 ألف جسر.
وتدعو دراسة تحليلية لفريق من جامعة ولاية كولورادو السلطات إلى إعادة التفكير في أولويات إصلاح الجسور فيما يتفاقم التغير المناخي ويتقلص تمويل البنى التحتية. واتضحت العام الماضي خطورة الفشل في تقييم سلامة الأبراج من خلال حادث مأساوي شهدته مدينة جنوا الإيطالية حين انهار جسر طرقي فيها ، بني في ستينيات القرن الماضي، بدون سابق انذار، مخلفا 43 قتيلا.
وركّز البروفيسور المساعد حسام محمود وسوزان بالو تحليلهما على 80 ألف "من الجسور التي ترتكز ببساطة على أسس فولاذية"، وهذا تصميم شائع للجسور في الولايات المتحدة منذ أربعينيات القرن الماضي يتميز بوجود عوارض طولانية ممتدة على الجوانب.
وتعاني هذه الجسور باستمرار من التمدد وانسداد المفاصل بسبب الشوائب مما يتطلب صيانة منتظمة لتنظيف هذه المفاصل التي تربط أجزاء الجسر وتسمح بالتمدد والتقلص حسب درجة حرارة الجو.
ويمنع انسداد هذه المفاصل الجسر من التمدد بشكل طبيعي تماشيا مع درجة الحرارة. ويرى الباحثون أن ارتفاع الحرارة في المستقبل إلى مستويات أعلى لم تؤخذ في الحسبان خلال البناء إلى ضغط حراري غير متوقع. ويمكن لهذا الضغط أن يسبب التواءات وكسور قد تتفاقم بسبب الانحناءات الناتجة عن وزن الشاحنات والسيارات من جهة إضافة إلى التحميل المحوري الناجم عن التمدد المحدود، من جهة أخرى. وتعتبر هذه الدراسة سبّاقة في تحديد حجم التأثير المحتمل لتغير درجات الحرارة حين تكون مفاصل الجسر مسدودة.
ووضع الباحثون أربعة توقعات موسمية مختلفة لدرجة الحرارة خلال مرحلة بناء كل جسر بالإضافة إلى المعدل المرتقب لدرجات الحرارة لسنوات 2040 و2060 و2080 و2100.
وهذه المعدلات المتوقعة لارتفاع الحرارة هي "مسار التركيز الإشعاعي" لسيناريوهات الاحتباس الحراري للغازات الدفيئة التي اعتمدها "الفريق الدولي المعني بتغير المناخ" عام 2014.
وتوضح النتائج أن أكثر الجسور عرضة لارتفاعات درجة الحرارة هي تلك الواقعة شمال الولايات المتحدة بما فيها جبال روكي والسهول في الشمال، والشمال الغربي، والغرب الأوسط العلوي. فيما تبقى مناطق الجنوب الشرقي والشمال الشرقي أقل عرضة لهذا الخطر.
وكان هدف المهندسين يتمثل في تصنيف الجسور حسب حاجتها للصيانة بعد أخذ الوضع الجديد الذي أحدثه التغير المناخي في الاعتبار. ووجدوا أن من المستبعد أن تؤدي درجات الحرارة القصوى الحالية إلى مشاكل خطيرة، غير أن الوضع يقترب من مستويات قد تترتب عليها عواقب كارثية.
ولفتوا إلى أن واحدا من أصل كل أربعة جسور يواجه خطر الانهيار في 2040 وأن هذا العدد سيرتفع إلى 28% بحلول عام 2060، في حين ستصبح 50% من الجسور في خطر في عام 2080، كما تكهنوا بسقوط كل الجسور التي عاينوها مع نهاية هذا القرن في غياب إجراءات تدخل لتدعيمها وصيانتها.
وقال الدكتور محمود "علينا كمهندسين أن نتجاوز في رؤيتنا ما تعلمناه بخصوص طريقة تحليل الأنظمة وأن نبدأ بالتفكير حول تأثير التغير المناخي على فهمنا للسلوك على مستوى المكونات وأداء النظم." وحذر من أن "تجاهل التغير المناخي المحتمل قد يعرض سلامة العديد من الجسور الأميركية للخطر."
وتوضح الدراسة أن " الصيانة الفعّالة لضمان عمل مفاصل التمدد بشكل منتظم أمر ذو أهمية بالغة لتفادي ضغوط حرارية غير مرغوب فيها والتي من شأنها أن تتفاقم بسبب التغير المناخي."
( نُشر هذا البحث في مجلة بلوس وان (Plos One) )
© The Independent