Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خفايا وطرائف الانتفاضة اللبنانية

محال في الهواء الطلق لبيع ما يحتاجه المتظاهرون

لا يغادر نوّار (26 سنة) ساحة الشهداء في بيروت، إلا بعد منتصف الليل. يطمئن على رفاقه في الحراك الشعبي، ويرحل على دراجته النارية إلى قريته في جبل لبنان، وهي منطقة بعيدة نسبياً من العاصمة، على أن يعود في الصباح.

يدرك الشاب الذي درس الهندسة المعمارية، أن مغادرة الساحة قد تعني عدم الرجوع بسبب قطع الطرق خلال النهار، لذلك يبقى مع رفاقه الغاضبين من أداء الحكومة، ينتقلون بين ساحتي رياض الصلح والشهداء. وحين يعطش نوّار أو يجوع، فلا مشكلة أبداً، إذ يوجد هنا ما لذ وطاب من خيرات.

... في الهواء الطلق

مع استمرار التظاهرات في بيروت، وإصرار المحتجين على البقاء في الشوارع لتحقيق مطالبهم وأهمها إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، عمد بعض الشبان إلى التمركز في بعض الزوايا وافتتاح "محال تجارية ومطاعم" في الهواء الطلق، لتلبية حاجات الغاضبين من مياه شرب وعصير طبيعي وسندويشات على مختلف أنواعها، إضافة إلى المشروبات الغازية وعربات الفول والحمص والذرة المشوية والمسلوقة، والآيس كريم والكعك الطرابلسي واللبن والفلافل والبطاطا المقلية والقهوة والشاي والنراجيل. كما بيعت في هذه الفترة، أكبر كمية من العلم اللبناني في تاريخ البلاد ربما.

إذاً هي فرصة ذهبية لعدد كبير من العاطلين من العمل، فلا حاجة لإيجار محل، ولا حاجة لدفع فاتورة كهرباء أو مياه. كل ما يحتاجه التاجر- المحتج، طاولة لعرض المنتج، وقارورة غاز في حال تجهيز الطعام أو النراجيل. علماً أن الأسعار مقبولة.


الحنكة

في المقابل، توجد بكثرة عربات الإكسبرس التي "تجرها" درجات نارية، لتأمين حاجات الجمهور من الكافيين والمشروبات الساخنة، وهي الأكثر رواجاً بين هذه التجارات الخفيفة.

لاقت هذه الخطوة صدى طيباً لدى المتظاهرين، إذ ليسوا بحاجة إلى مغادرة الساحة، حين الشعور بالجوع.

في اليومين الأولين، توزعت جماهير الحراك على المطاعم المجاورة للمنطقة، إلى أن تنبه البعض إلى ضرورة فتح "مراكز تجارية خاصة" لتأمين حاجات المحتجين، ما قلص عمل هذه المطاعم.

وكي لا تخسر زبائنها، عمدت إلى إرسال بعض موظفيها للتجول بين المتظاهرين، مع صندوق خشبي صغير يضم أنواعاً مختلفة من السندويشات، لكن أسعارها أغلى بقليل من أسعار المحلات المفتوحة في الهواء الطلق.

 

 

إبداعات

لا تتوقف إبداعات اللبنانيين، إذ استضافت ساحة الشهداء كوافير نسائياً مع خبيرة تجميل، للاهتمام بجمال المتظاهرات، وحلاقاً رجالياً للعناية بذقون المتظاهرين، وقص شعر من يريد.

ومن أكثر "المراكز" التي تلقى رواجاً بين الشبان، محال النرجيلة على مختلف نكهاتها، فهي ممتدة على طول رصيف ساحة الشهداء،. هنا لا حاجة إلى الكراسي، النرجيلة والفحم هما الأهم في "مقاهي الهواء الطلق". يفترش المدخنون الأرض، أمامهم جامع محمد الأمين، تحفة معمارية جميلة، وتمثال الشهداء، وإذا غصنا قليلاً في خلفية "المشهد السينمائي" نرى البحر والمرفأ بأذرعه الحديدية العملاقة.

وكما الغضب يخرج من الحناجر، يتعالى الدخان الأبيض من أفواه البعض تواق إلى الحرية.

ويبقى وقت الذروة لدى كل المحال، عند الظهيرة. ففي الصباح يحضّر الشبان ما يحتاجونه من مناطق قريبة، وعند الظهيرة يبدأ المتظاهرون بالتوافد بكثافة، وثمة ما هو أشبه بيوم الحشر في المساء.

يبقى الأهم أن كل ذلك لا يؤثر في الحراك المطلبي، ولا يقلل من شأن التظاهرات، على العكس فهو فرصة للراحة، خصوصاً هؤلاء الذين لم يغادروا الساحة منذ أيام.

المزيد من العالم العربي