Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الثورة اللبنانية من راديكالية المجازفة إلى عقلانية الحكمة

إذا أراد الثوار أن تنجح ثورتهم يجب عليهم أن يختاروا هدفاً واحداً يمكن للانتفاضة تحقيقه

متظاهرون لبنانيون يرفعون الأعلام الوطنية على طريق رئيسي في منطقة جل الديب شمال العاصمة بيروت يوم 21 أكتوبر 2019 (أ.ف.ب)

الثورة اللبنانية نشأت من وجع الناس، وأفقها رفع الظلم الاقتصادي والاجتماعي عن كاهل الناس. أما الظلم السياسي، فسقط معظمه في الربيع اللبناني في 2005، فعادت الناس لا تقهر وتسجن بسببٍ من آرائها السياسية. وجع الناس هو القضية الأساسية التي تستحوذ اليوم على وعي الثائرين في الثورة. لا مكان إذاً في الثورة اللبنانية للقضايا الأيديولوجية، وللصراعات الإقليمية، وللمزاحمات الحزبية اللبنانية على السلطة.

فإذا أراد الثوار اللبنانيون أن تنجح ثورتهم، يجب عليهم أن يختاروا هدفاً واحداً من بين أهداف كثيرة يمكن الثورة أن تسعى إلى تحقيقها. ذلك أن بعضهم يطالب بتغيير الاختبار اللبناني الحضاري الأصلي، وبعضهم يطالب بتغيير النظام الطائفي اللبناني على الفور، وبعضهم يطالب بتغيير السلطة اللبنانية بما هي سلطة بنيوية ظالمة، وبعضهم يطالب بتغيير المسؤولين في مجلس النواب ومجلس الوزراء والإدارات والقضاء ودوائر الهدر والفساد المستشري.

لا يمكن الثورة اللبنانية أن تحقق في غضون أسبوع جميع هذه الأهداف. فإذا كان الباعث على الثورة الجوع والظلم والقرف من الطبقة السياسية، كان لا بد في المرحلة الأولى من تغيير المسؤولين المباشرين في الحكومة حتى يأتي آخرون يختارهم الشعب الثائر ليحققوا له العدالة المرجوة. لذلك ينبغي التفكير الجدي في وسيلة التعبير الرسمي عن الثورة، ولكن من غير أن يخضع هذا التعبير لآليات الاستغلال السياسي.

من جراء غياب المرجعية الشعبية الجامعة في الثورة، اقترحت أن تعلن التجمعات الشعبية في كل منطقة عن أسماء المرشحين النزيهين الذين يثق الشعب فيهم لكي يؤلفوا الحكومة الشعبية الإنقاذية. وكل اسم يسقط في منطقة، يسقط في جميع المناطق. وبما أن المنطق التاريخي وطبيعة التركيبة اللبنانية والتوازن الطائفي الهش وقائع هي بمنزلة العوائق البنيوية التي تمنع على الثورة في هيئتها السلمية الراقية أن تغير النظام برمته دفعة واحدة، أقترح أن يؤلف رئيس الوزراء الحالي حكومة الإنقاذ الشعبي من الذين ثبتت أسماؤهم في ساحات النضال من بعد أن أخضعها الشعب الثائر لحسه النقدي العفوي الصائب. عندئذ تلتئم الحكومة الشعبية حول الوزير الأول، والكلمة الفصل لوزراء الشعب، وتباشر تنفيذ الخطة الإصلاحية التي يتداولها الناس.

أجرؤ فأقترح بضعةً من الأسماء يمكن الثوار أن يرفعوا لها الرايات في ساحات الثورة وأن يخضعوا ترشيحها لحكمة الشعب الثائر وحسه النقدي (جورج قرم، عبد الحميد الأحدب، شربل نحاس، إبراهيم شمس الدين، سمير عبد الملك، أنطوان واكيم، وسواهم). لغيري أيضاً أن يرفع أسماء أخرى. وليثبت الاسم الأجدر والأشرف والأنقى !

في غضون الشهور الستة الأولى، يواكب الشعب الثائر من مواضع عمله أداء الحكومة الشعبية ويحاسبها على كل شيء. ومن بعد ذلك، تعمد الحكومة هذه إلى الإعداد لانتخابات نيابية مبكرة يختار فيها الشعب من يعاين فيه القدرة على تغيير النظام الطائفي من أجل البلوغ التدريجي إلى العَلمانية الهنية.

موازين القوى القائمة لا تسمح للثورة الشعبية بأن تحتل كل مراكز السلطة دفعة واحدة، ولا تسمح للسلطة السياسية بأن تقضي على الثورة دفعة واحدة، ولا تسمح للأحزاب السياسية أن تستغل الثورة والسلطة معاً من أجل مآربها. لذلك أنصح الجميع بالتسوية العاقلة الآنية حتى لا تفنى الثورة، ولا يفنى الشعب، ولا يفنى لبنان.

المزيد من آراء