في الوقت الذي تتهيأ فيه الأجسام النقابية والمهنية في السودان التي أسهمت في قيادة الثورة السودانية وأطاحت بالنظام السابق تحت مظلة "تجمع المهنيين السودانيين"، لاسترداد شرعيتها وحقوقها من "النقابات المُنشأة" التي تشكلت عقب انقلاب عام 1989، تفاجأت بإصدار مُسجِل تنظيمات العمل في وزارة العدل قراراً بحل الاتحادات والنقابات المهنية وتشكيل لجان تمهيدية تعمل على تنظيم انتخابات خلال ثلاثة أشهر، الأمر الذي اعترضت عليه كل الأجسام والمكونات المهنية لتعارضه مع شعارات الثورة والتغيير، فضلاً عن أنه يخالف الوثيقة الدستورية ومهمات الفترة الانتقالية التي نصت على تفكيك كل أشكال التمكين لنظام الرئيس السابق عمر البشير.
انتخابات مبكرة
وأشار قرار وزارة العدل الممهور بتوقيع مسجل تنظيمات العمل عوض محمد علي إلى إجراء انتخابات خلال ثلاثة أشهر، ومراجعة الحسابات المالية الخاصة بالاتحادات، ونص على أن تنتهي دورة الاتحادات المهنية من تاريخ القرار، كما وجّه بتحويل المكاتب التنفيذية الخاصة بالاتحادات المهنية إلى لجان تمهيدية تقتصر مهمتها في التحضير لإجراء الانتخابات المنصوص عليها. وألزم القرار المكاتب التنفيذية للاتحادات وفروعها في الولاية والجهات التابعة لها، المختصة بتجهيز وإعداد المستندات والدفاتر والحسابات والمعلومات اللازمة للمراجعة وتسليمها إلى المُراجع الذي يحدده ويعتمده المسجل العام. كما وجّه القرار مُسجِل عام تنظيمات العمل بتكوين اللجنة العليا للانتخابات واللجان المحايدة لإكمال انتخابات الاتحادات بالولايات في 21 يناير (كانون الثاني) 2020 وانتخابات الاتحادات العامة في 30 من الشهر ذاته.
متطلبات المرحلة
الأجسام المناهضة للقرار ترى أن الثورة الشعبية انطلقت ضد النظام السابق بأكمله، وأن حل الاتحادات والنقابات المهنية ليس "مربط الفرس" بل الأهم هو حل القانون الذي فصل أثناء عهد التمكين وضرورة إقامة قانون يلبي متطلبات المرحلة. ورأت تلك الأجسام، وتشمل نقابات الأطباء والصيادلة والصحافيين والمهندسين والأطباء البيطريين والصاغة وتجار الذهب في بيانات لها، أن القرار الصادر عن المُسجِل يكرس لقانون النقابات الذي سنّه النظام السابق ويضرب عرض الحائط بكل مطالب تغيير هذا القانون وتجعله شرعياً عوضاً عن الغائه واستبداله بآخر ديمقراطي يفضي إلى تأسيس كيانات نقابية معبّرة عن قواعدها بشكل مهني حر. وطالبت وزيرة العمل السودانية لينا الشيخ بإصدار قرار بحل النقابات والاتحادات واعادة مشروع قانون نقابات تمهيداً لإقراره.
سحب الثقة
في سياق متصل، رأت القيادية في "تجمع المهنيين" قمرية عمر محمد حسين أن الطريق الوحيد لحل النقابات والاتحادات المهنية هو سحب الثقة من خلال توافق ثلثَي أعضاء النقابة من خلال الدعوة إلى انعقاد الجمعية العامة، وانتخاب مكتب تنفيذي جديد، لافتةً إلى أن خطوة سحب الثقة كانت من الخيارات، إلى جانب إلغاء قانون اتحاد المنشأة والعودة إلى قانون العمل لعام 1987، حتى يتم وضع قانون جديد يلبي تطلعات العاملين. وحذرت قمرية عمر محمد حسين من صدور قرار من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بحل النقابات والاتحادات. وقالت "إنْ حدث ذلك فإنه يُعتبر قراراً خاطئاً، بموجبه قد تفقد النقابات مقاعدها في المنظمات الإقليمية والدولية، ويعرضها لعقوبات قاسية من قبل منظمة العمل الدولية والمنظمات الإقليمية التي تعترض على حل النقابات، على الرغم من أن "اتحادات المنشأة" كانت واحدة من أذرع النظام البائد"، وأشارت إلى أن المعركة المقبلة شائكة ومعقدة وتتطلب وعي وتضافر جهود بين النقابات الشرعية، فضلاً عن تكاتف القاعدة والتفافها حول النقابات الشرعية حتى يتم استردادها قانونياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بقاء القوانين
في المقابل، قال الخبير النقابي والعمالي محمد علي خوجلي إن "حلّ النقابات والاتحادات المهنية وارد، وفقاً لإعلان قوى الحرية والتغيير، وهو أمر كان يُفترض حدوثه بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير مباشرةً لتوفر أسباب موضوعية وذاتية". وأشار إلى أن الأسباب الموضوعية متعلقة بالاتفاقيات الدولية التي تنص على عدم حل النقابات، أما الذاتية فمتعلقة باستعداد القوى نفسها لحل النقابات، وهذا يتطلب استعداداً من كل العضوية، لأن النقابات لا تتحمل فراغاً. ويمكن أن تُحَل النقابات طبقاً للتغيّرات السياسية، بينما المعايير الدولية تفضّل حل النقابات عبر قرارات إدارية. وزاد خوجلي أنه "من حق الاتحاد المحلول الاستئناف، مع مراعاة نصوص المادة 87 المتعلقة بالحريات النقابية". وتابع "عندما يحدث انتقال سياسي ينبغي حدوث انتقال نقابي"، بيد أنه حذر من حق استخدام سحب الثقة، لأن ذلك يعني بقاء النقابة الجديدة تحت النظام النقابي القائم أصلاً، أي بمعنى تبديل الوجوه وبقاء القوانين، ونصح بالعودة إلى اتفاقية الحريات النقابية التي أتاحت إقامة نقابات من دون الرجوع إلى القوانين، متوقعاً قيام نقابات جديدة وفقاً للقانون. وأضاف "النقابات ستقوم بقانون أو من دون قانون، أما "نقابة المنشأة" فهي عبارة عن ألاعيب سياسية وكلام فارغ، والحل يكمن في الحريات النقابية والنقابات المستقلة الديمقراطية".
لجان تسيير
يُذكر أنه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير عقد عدد كبير من أعضاء النقابات والاتحادات المهنية اجتماعات مكثفة لاستعادة هذه النقابات من أيادي منتسبي النظام السابق، حيث شُكِّلت لجان تسيير تمهيدية لعمل نظام أساسي جديد، إلى جانب النظر في كيفية استعادة النقابات والاتحادات المهنية بالطرق القانونية، غير أن هذه الخطوات لم يتوفر لها السند القانوني بعد اصطدامها بقانون "نقابة المنشأة"، في وقت يُنتظر فيه أن تنتهي مهل كل الاتحادات والنقابات العام المقبل، بيد أن وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية لينا الشيخ بصفتها المعنية بالأمر تخوَّفت من خطوة إصدار قرار بحل النقابات والاتحادات المهنية، لارتباط ذلك بالعمل النقابي الإقليمي والعالمي، بخاصة وأن النقابات والاتحادات السودانية، هي جزء من اتحادات إقليمية ودولية ترفض التدخل الحكومي، وفي حال تعطيل أعمال هذه النقابات قد تتجه منظمة العمل الدولية إلى فرض عقوبات قاسية على السودان.