يترقّبُ اللاعبون الدوليون في منطقة الشرق الأوسط بفارغ الصبر انطفاء أتون الحرب السورية، والتوصل إلى حل سياسي عادل لكل الأطراف المتنازعة، بعد سبع سنوات من الاقتتال المسلح، للبدء في مرحلة إعادة الإعمار. فشركات عالمية، ومعها دول وحكومات، يدفعها اقتناصُ الفرص الاستثمارية الواسعة إلى متابعة خطوط التماس في الشمال السوري. فالحكمة تقول لا إعمار من دون أن تضع الحرب أوزارها.
صراع الدول العظمى
أكثر الملفات المعقدة، في مرحلة ما بعد الحرب، هي تقاسم كعكة البناء على الأرض السورية. فهي أشبهُ بمعركةٍ محورها من سيحصل على حصة الأسد من الدول العظمى. فهل هي حليفة دمشق روسيا أم إيران أم الصين؟ وماهي تداعيات إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنه سيترك للسعودية الدور للمساهمة في إعادة إعمار سوريا؟ وكل ذلك يترافق مع تطورات إقليمية، منها إعادة العلاقات العربية مع سوريا دبلوماسياً كخطوة أولى.
تريث الأوروبيين دفعهم خارج السباق، على الرغم من تحضير أنفسهم في الخفاء، مشترطين حلولاً سياسية تشتمل دستوراً جديداً وإصلاحات سياسية، كما جاء على لسان المفوضة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، وشروطاً أخرى منها تنفيذ الاتفاقيات الروسية التركية في شأن الوضع في محافظة إدلب السورية.
في حين يرى الممثل الأميركي الخاص في سوريا جيمس جيفري أن "إعادة إعمار هذا البلد، التي ستحدث يوماً، لا يمكن تمويلها من روسيا وإيران فحسب، بل يجب أن يرعاها المجتمع الدولي بأكمله حتى نرى عملية سياسية تناسبنا".
إعادة إعمار البنية التحتية لسوريا بعد الحرب ستكلف 400 مليار دولار، فيما قدّر البنك الدولي، وفق بيان في عام 2017، كلفة الخسائر الناجمة عن النزاع بـ226 مليار دولار أميركي، وليكشف المبعوث الأممي السابق إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في العام ذاته، أن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستبلغ 250 مليار دولار على أقل تقدير.
دور حلفاء دمشق
على الأرض تنشط العلاقات السورية الإيرانية، والسورية الروسية، خصوصاً أن دمشق تمنحهما الأولوية كونهما حليفتيها في حربها العسكرية. ففي الضفة الروسية، يقدّر رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية سيرغي كاتيرين أن تكلفة إعادة إعمار سوريا تتراوح ما بين 200 و500 مليار دولار، وفق ما قال في مقابلة تلفزيونية مع قناة "RT" الروسية، مشيراً إلى أن دمشق تمنح الأولوية للشركات الروسية، مع السعي إلى فتح ممرات آمنة للبضائع.
لا تشيح السلطة في سوريا نظرها عن الحليف الروسي، كونه الحليف الإستراتيجي والصديق القديم، مع ثقتها بأنه يستطيع تقديم ما تطلبه، بما في ذلك مواد البناء والمشتقات النفطية ومواد الطاقة والنقل وتوقيع مذكرات تفاهم لإقامة مشاريع في مجال الإسمنت والصناعات الكيماوية والدوائية، وإعادة تأهيل الشركات الصناعية في سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يطالب صناعيون سوريون، منهم الصناعي سامر الدبس، الذي يترأس غرفة صناعة دمشق وريفها، بدعم روسي لقطاع الصناعة السورية، لدوره الأساس في إعادة الإعمار. وقد عُرضت أبرز هذه المطالب في منتدى رجال الأعمال السوري الروسي، الذي عقد عام 2018، في حين يعاد بناء المدينة الصناعية في حلب، التي أنشئت عام 2003، وتعد إحدى أهم المراكز الصناعية في الشرق الأوسط، بتشغيل ما يزيد عن 500 مصنع، وفق مديرها العام حازم عجان. ويؤكد عجان أن دوائر أعمال في روسيا والصين أبدت رغبتها في فتح مصانع في المدينة، خصوصاً أن عدد المنشآت الصناعية العاملة فيها بلغ في فترة ما قبل الحرب 1500 معمل، وكان مالكوها رجال أعمال من مختلف الدول، ومن بينهم أوروبيون.
عملية إعادة الإعمار لا تبدو سهلة في ظل عقوبات أميركية، سبقتها عقوبات أوروبية، شملت شخصيات اقتصادية سورية وشركات تعمل في مشاريع إعادة الإعمار، واستيراد وتصدير النفط والسيارات والحبوب. لكن، مع كل عقوبة أوروبية أو أميركية تفرض على سوريا تطور علاقاتها مع حلفائها.
في المقابل، تطورت العلاقات السورية مع القطاع المصرفي الإيراني، إضافة إلى قطاع الطاقة، وفق ما قال المدير العام لغرفة التجارة والصناعة والزراعة والمناجم الإيرانية أثناء زيارته إلى دمشق أخيراً. وأضاف أن "إيران تستطيع المساعدة في سوريا، والتعاون سيشمل المجالات كافة كالطاقة والتجارة وشراء مبنى في مركز مدينة دمشق لبناء سوق تجارية".
يستغرب مراقبون كيف يمكن الحديث عن إعادة الإعمار ولم تنته الحرب بعد. فالمعارك مازالت محتدمة في الشمال، على الرغم من أن هذه المحاولات تبدو خجولة، والميزانية لا تتعدى إعادة ترميم وتأهيل منشآت كبيرة ومتوسطة صناعية وخدمية في معظمها. إذ خصصت الحكومة السورية، في ميزانيتها للعام 2019، حوالي 115 مليون دولار لإعادة الإعمار.
تواجه الدول الحليفة لدمشق تحدياً بإعادة ترتيب أوراق ملف الإعمار بما يتناسب مع مصالحها ومصالح الدول الأوروبية والعربية، وحتى الولايات المتحدة. فالجميع في سباق إلى الوصول إلى إعمار سوريا، لكن، شرط إنجاز التسوية السياسية. ومن دون ذلك، سيكون صعباً على الدول الحليفة لدمشق السير في مشاريع الإعمار منفردة.