Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب الوكالة... إيران بعد رهان "حماس"

طهران اليوم ليست في موقع التوسع بل في موقع إعادة التوازن لكيانها كدولة عصفت بها المحن والمعارك والمقاطعات

تريد طهران أن تؤكد أن "محور المقاومة" لا يزال ورقة ضغط فعالة ضد خصومها (أ ف ب)

ملخص

ربما الأهم أنه من دون "محور المقاومة" الذي شكّل لعقود غطاءً أيديولوجياً لسياساتها، ستجد إيران نفسها عارية سياسياً أمام العالم. فذلك المحور لم يكن مجرد أداة نفوذ، بل هو جزء من سرديتها الثورية وشرعية النظام ذاته. التخلي عنه سيجعلها دولة تبحث عن هوية جديدة بين القوى الكبرى، بلا درعٍ أيديولوجي يحميها ولا وكلاء يملأون مسرحها السياسي.

في المشهد الإقليمي المضطرب اليوم، تتقدم حروب الوكالة لتصبح الأداة المفضلة للدول التي تبحث عن نفوذ بلا كلفة مباشرة. وإيران كانت بلا شك أحد أهم المحركين والمهندس الأبرز لهذا النوع من الحروب خلال العقود الماضية، إذ صنعت شبكة واسعة من الوكلاء المسلحين الممتدين من غزة إلى صنعاء مروراً ببيروت ودمشق وبغداد. غير أن تطورات الصراع في غزة في الأعوام الأخيرة وربما الأشهر القريبة الماضية كشفت ملامح مرحلة مختلفة، مرحلة يبدو فيها أن "الوكيل" بدأ يفرض إيقاعه على "الموكِّل"، وأن طهران التي اعتادت أن تمسك بالخيوط من خلف الستار باتت اليوم أكثر حذراً وأقل قدرة على المناورة. فما الذي يحدث؟ وإلى أين يتجه الإيقاع؟ إن الرهان الإيراني على "حماس" لم يكن عسكرياً فقط بل سياسياً وإعلامياً أيضاً. لقد أرادت طهران عبر "حماس" أن تؤكد أن مشروعها في المنطقة لا يزال حياً وأن "محور المقاومة" لا يزال ورقة ضغط فعالة ضد خصومها. غير أن ما حدث خلال الحرب الأخيرة والتطورات الدراماتيكية الأخيرة في غزة على وجه التحديد جعل هذا الرهان مكلفاً. فبينما تصاعدت المواجهة في غزة، كانت إيران تحسب خطواتها بعناية مفرطة وهي على علم وتدرك أن أي انخراط مباشر قد يفتح أبواب مواجهة شاملة لا تملك رفاهيتها اليوم.

لقد وجدت طهران نفسها في موقف المراجع لا المهاجم تراقب المشهد من بعيد وتكتفي بالتصريحات الرمزية والتهديدات المحسوبة، فيما يدفع الوكلاء الثمن الميداني والسياسي. إنها لحظة مراجعة استراتيجية أكثر منها لحظة انتصار. فإيران التي اعتادت تحريك الأحداث كمن يحرك الدمى على مسرح العرائس، بدأت تدرك أن بعض هذه الدمى اكتسبت إرادتها الخاصة وأن المشهد قد ينقلب من عرضٍ تتحكم بخيوطه إلى فوضى تُسحب فيها الخيوط من يدها.

إيران اليوم ليست في موقع التوسع بل في موقع إعادة التوازن لكيانها كدولة عصفت بها المحن والحروب والمقاطعات. اقتصادها يرزح تحت قسوة العقوبات، وسياستها الخارجية أصبحت عبئاً داخلياً على نظامها السياسي. حتى حلفاؤها التقليديون باتوا يدركون أن الانخراط في حروب الوكالة لم يعد يوفر الحماية بل يجلب الاستنزاف بكل أشكاله. وفي الوقت الذي تزداد فيه الضغوط على "حماس"، تجد طهران نفسها أمام سؤال حاد ووجودي حول استراتيجيتها الإقليمية القائمة: هل يمكنها الاستمرار في لعب دور الموكّل من دون أن تتحمل تبعات أفعال الوكلاء؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن مستقبل إيران بعد رهان "حماس" يبدو معلقاً بين خيارين كلاهما صعب: إما المضي في سياسة الوكلاء وتحمل تكلفة أكبر ودفع فاتورة الاستمرار، أو التراجع وإعادة بناء نفوذها عبر الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية لا عبر الميليشيات، وكلا الخيارين يعني أن الزمن الذي كانت فيه طهران تمسك بالخيوط كافة وكما يبدو، قد انتهى.

وربما الأهم أنه من دون "محور المقاومة" الذي شكّل لعقود غطاءً أيديولوجياً لسياساتها، ستجد إيران نفسها عارية سياسياً أمام العالم. فذلك المحور لم يكن مجرد أداة نفوذ، بل هو جزء من سرديتها الثورية وشرعية النظام ذاته. التخلي عنه سيجعلها دولة تبحث عن هوية جديدة بين القوى الكبرى، بلا درعٍ أيديولوجي يحميها ولا وكلاء يملأون مسرحها السياسي.

هنا يكمن جانب جديد لم يُقرأ كثيراً: إذا قررت إيران المضي قدماً بعيداً من وكلائها ومحور المقاومة، فإنها ستدخل نوعاً من "السباق الإقليمي الصامت" حيث يجب أن تنافس القوى الكبرى على النفوذ المباشر من دون أدوات وسيطة، وستكون كل خطوة محسوبة على المكشوف بلا ستار أيديولوجي يحجب أهدافها. هذه المرحلة ستضع طهران في اختبار غير مسبوق لقدرتها على المناورة السياسية والدبلوماسية، وتجعل من أي تحرك عسكري أو سياسي إقليمي لها محل مراقبة دقيقة من الجميع بما في ذلك حلفاؤها التقليديون، مما يخلق تحركات وسيناريوهات جديدة بالكامل في المنطقة. إنها مرحلة ما بعد الوكالة والرهانات حيث يُعاد رسم السياسات من جديد وحيث تتحول إيران من لاعب يحرّك الآخرين إلى طرفٍ يُراقب بحذر في مسرحٍ لم يعد يصفق لأدوار البطولة القديمة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء