Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مراجعة "صدى باريس" لسيباستيان فولكس: سرد أسطوري مخيّب أغرقه سيل الأفكار المجردة

الرواية الجديدة لصاحب رواية "بيرد سونغ" (أغنية العصفور) تتناول قصة مراهق مغربي هارب وأكاديمية أميركية في الثلاثين من العمر يلتقيان في باريس. ولكن الرواية هذه مخيّبة [برغم أنها كانت واعدة]

مؤلف الكتاب البريطاني سيباستيان فولكس في مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب. (غيتي)

يعود الفضل في ذيوع صيت سيباستيان فولكس، محبّ فرنسا والفرنسيين، الى أعماله التي تدور في فرنسا في مراحل تاريخية سابقة- وهي الأكثر مبيعاً. حملت رواية "بيرد سونغ" القراء إلى خنادق الحرب العالمية الأولى، في حين قصّت رواية شارلوت غراي حكاية عميل بريطاني يتعاون مع المقاومة الفرنسية في مدينة فيشي المحتلة أثناء الحرب العالمية الثانية. وعلى هذا المنوال [في ضوء هذه السوابق]، لا عجب في أن روايته الجديدة، برغم أنها تدور ظاهرياً في الحاضر، غارقة في التاريخ.

سياقات رواية باريس إكو (صدى باريس) متشابكة، ومن تشابكها تأتَلف الرواية. يتتبع فولكس شخصيتين رئيستين: طارق ابن الـ19 عاماً الهارب من المغرب وحنة الأميركية (31 عاماً)، وهي باحثة في مرحلة دراسات ما بعد الدكتوراه. وينتهى الأمر بطارق مقيماً في غرفتها الضيقة، التي هي أشبه بصندوق. وحنة قصدت باريس لجمع شهادات سيدات عاصرن الاحتلال الألماني. أما طارق فحاديه غامض على اكتشاف مزيد عن تاريخ والدته التي توفيت حين كان في العاشرة من العمر. وهو شبّ في باريس ومولود من أب فرنسي وأم جزائرية. ولكن أكثر المسائل إلحاحاً عليه كانت السعي إلى فقدان البتولة.

 وعلى نحو ما تتنقل الرواية ذهاباً وإياباً بينهما، إذ تتحول القصص التي تقضي حنة يومها وهي تستمع إليها – وفي بعض الأحيان يساعدها طارق في ترجمتها إلى لغتها- حلقةً من حلقات  السرد في الكتاب [الرواية]، وتتسلل ببطء إلى اختبار الشخصيات [حنة وطارق] المدينة المعاصرة.

واقتبس فولكس ثلاثة شواهد في روايته من "الشيوخ السبعة" في "أزهار الشرّ" لبودلير: أيتها المدينة الممتلئة [المكتظة]، تمتلىء شوارعك بالأحلام/ إذ تتواجه أشباح النهار مع المارة!".

ولدى اجتياز المدينة على متن المترو، يجد طارق نفسه في أرض مبهمة وغريبة هي أرض "أشباح النهار"- وفي بعض المحطات، يرى ركاباً يرمون مخلفاتهم أرضاً، وتذاكرهم [تذاكر مترو الأنفاق] المستخدمة مطوية على شكل حرف "في v" كنايةً عن النصر، على منوال لطالما أغضب الألمان أثناء الحرب، ويصبح مولعاً بخيّاطة جميلة تبدو كأنها خرجت من إحدى صفحات كتب أبحاث حنة. وتصف حنة ما تسميه "تداخل الحواس الزمني"، وهو سبيل إلى عبور التاريخ واختراق حدوده [الانتقال بين مراحله]. ولكن ما تصفه حنة ليس، إلى حد ما، جديداً. فبيتر أكرويد كتب مطولاً عن لندن على هذا المنوال، ووصفها بأنّها مدينة يتشابك فيها الماضي والحاضر.

برغم أنها أكثر العناصر ضعفاً، فهي [الشواهد التاريخية] تخلّف أثراً كبيراً في النص. ومن دواعي الأسف، حُوّل شطر كبير من مادة الكتاب التاريخية- فظائع تحولت [على ألسنة من عانوا منها] شكاوى وآلاماً، وصارت اليوم جزءاً من نسيج المدينة، سواء كانت [هذه الفظائع] حملة فال ديف، الاعتقالات الجماعية ليهود باريس التي أقدمت عليها الشرطة الفرنسية نزولاً على أوامر النازيين عام 1942، وسجنهم موقّتاً في ملعب "فيلودروم" الباريسي من دون طعام أو ماء أو مرافق صرف صحي قبل نقلهم بعد ذلك إلى معسكر  أوشفيتز، أو مجزرة باريس في عام 1961 حين رمت الشرطة متظاهرين مؤيدين لجبهة التحرير الشعبية [الجزائرية] احتجاجاً على حرب الجزائر، في نهر السين ليلقوا حتفهم- [حُوّل] إلى أجزاء كبيرة من الحوار، على وقع سعي الشخصيات إلى تثقيف بعضها بعضاً.

وتعتري رسم الشخصيات شوائب عدة. فحنة على وجه التحديد تبدو، إلى مدى كبير، كأنها ممحوة الشخصية [ضعيفة الشخصية أو بلا شخصية]. ففي نهاية الأمر، يقتصر دورها على انتظار رجل إنجليزي شهم ينقذها ويحملها "كرمه ولطفه ونيته الحسنة" على الإقرار بأنها كانت "ساقطة صغيرة فارغة تشفق على نفسها". الأمر كله مقزز إلى حد ما. فبرغم أن الرواية درس نيّر عن تاريخ باريس، فإن سرد فولكس الأسطوري [ما بين الخيال والواقع]  تداعى جراء إغراقه في [صوغ] الأفكار المجردة. وهذا مخيّب.

باريس إكو (صدى باريس) لسيباستيان فولك نشرتها دار هاتشينسون، 20 جنيهاً إسترلينياً.

© The Independent

المزيد من كتب