Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة من 302 خلية عصبية إلى أنظمة فائقة الذكاء: دروس الطبيعة للتقنية

يتعلم الذكاء الاصطناعي كيف يمتلك دماغاً مذهلاً كأدمغة البشر

ترتكز اختراقات الذكاء الاصطناعي بمجملها على محاكاة التكيفات البيولوجية للبشر (أن سبلاش)

ملخص

يصف مصطلح اللدونة التقنية الأنظمة القادرة على الخضوع لتعديلات ذاتية آنية (في الوقت الفعلي)، بخوارزميات متطورة ومتكيفة مع المتغيرات والبيئات الجديدة، وتجسد الشبكات العصبية السائلة مبادئ اللدونة هذه وتمثل ذروتها.

نستيقظ كل يوم تقريباً على إنجاز جديد أو تحديث لإنجاز قديم في مجال التكنولوجيا، وقد يشكل هذا التطور المتسارع قلقاً لدى بعضهم من صعوبة مواكبة هذا السباق المحموم الذي لا ينتظر أحداً، لكن فكرة واحدة تعلمها تكفي لأن تجعلك مرتاحاً حيال ما يحدث، دماغك المرن القادر على التكيف والتعلم السريع ومعها استثمار هذا التقدم لمصلحتك لا عليك، كفيلان بأن يجعلا الأمر أكثر متعة.

وفي حين كان ولا يزال حجر الزاوية في التقدم التكنولوجي هو النجاح في محاكاة الأصل البيولوجي على وجه العموم، ترتكز اختراقات الذكاء الاصطناعي بمجملها على محاكاة التكيفات البيولوجية للبشر، وتعد المرونة العصبية التي يمتاز ها الدماغ البشري هدفه الأوحد اليوم، إذ يتعلم الذكاء الاصطناعي كيف يمتلك دماغاً مذهلاً كأدمغة البشر.

مطاوعة الدماغ أو اللدونة العصبية

تعد المطاوعة الدماغية أحد أهم اكتشافات مطلع القرن الـ20 في علم الأعصاب، وأول من استخدم هذا المفهوم مؤسس علم الأعصاب وأول رسّام لخرائط الدماغ الطبيب الإسباني سانتياغو كاخال عندما طرح نظرية تخالف الاعتقاد السائد حينها بأن بنية دماغ الإنسان ثابتة لا تتغير بل إنها حتى تتراجع في مرحلة البلوغ، إذ لاحظ تغيرات تطرأ على بنية الدماغ بعد بلوغ سن الرشد تقدم دليلاً على أن الدماغ ديناميكي وقابل للتكيف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتلخص فكرة اللدونة أو المرونة العصبية في قدرة الدماغ على تغيير الوصلات العصبية الموجودة وتعديل قوتها وإعادة تنظيمها وتشكيل وصلات ومسارات جديدة وتعويض المسارات التالفة، لذا هي السمة الأساس لكل عمليات التعلم والذاكرة والتعاطف والتكيف مع التجارب الجديدة والتعافي والتعامل مع الإصابات وغيرها، لذا هي حجر زاوية ما يكوننا ويحافظ على إنسانيتنا.

اللدونة التقنية

يعمل "تشات جي بي تي" ومعظم نماذج الذكاء الاصطناعي الشائعة اليوم على الشبكات العصبية الاصطناعية ANNs لكن لا يخدعك اسمها هي لا تكاد تشترك في شيء مع الدماغ البشري، لكن ظهر في هذه المسعى نوع جديد من الشبكات العصبية الاصطناعية تحاكي أدمغتنا بدقة أكبر وتمثل خطوة مهمة نحو ذكاء اصطناعي أكثر واقعية، وهي الشبكات العصبية السائلة المستوحاة من الخلايا العصبية البيولوجية، لكن مقارنة بالشبكة العصبية الاصطناعية القياسية، تحتاج الشبكة العصبية السائلة إلى طاقة وقوة حاسوبية أقل للعمل.

ويصف مصطلح اللدونة التقنية الأنظمة القادرة على الخضوع لتعديلات ذاتية آنية (في الوقت الفعلي)، بخوارزميات متطورة ومتكيفة مع المتغيرات والبيئات الجديدة، وتجسد الشبكات العصبية السائلة مبادئ اللدونة هذه وتمثل ذروتها.

الشبكات العصبية السائلة (LNNs)

طور فكرة الشبكات السائلة باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وهي التطور الطبيعي للشبكات العصبية التقليدية التي تتطلب عادة تدريباً لبيانات جديدة وتدرب في حال ثابتة نسبياً، إذ تحاكي هذه الشبكات طبيعة الأدمغة البيولوجية المستمرة والقابلة للتكيف.

وتستخدم عناصر ديناميكية صممت لتكييف خوارزمياتها الأساسية باستمرار استجابة للبيانات الجديدة المدخلة، ويتحقق ذلك من خلال السماح لمعلمات (العوامل المتغيرة) معادلات الشبكة العصبية بالتطور بناء على مجموعة متداخلة من المعادلات التفاضلية، وتجعلها بنيتها هذه أكثر قابلية للتفسير، مما يسمح بفهم أعمق لعمليات صنع القرار يجعل هذه الشبكات أكثر شفافية ومساءلة.

 

وتتجلى مرونة الشبكات السائلة في مجالات متعددة وتتفوق في مهمات مثل التنبؤ بالسلاسل الزمنية والروبوتات، من خلال التقاط التبعيات الزمنية المعقدة وإظهار قدرات تعميم قوية، على سبيل المثال لم يعُد هطول الأمطار المفاجئ الذي يحجب رؤية الكاميرا عائقاً كبيراً في المركبات ذاتية القيادة، إذ تقدم هذه الشبكات استجابة فاعلة للتغيرات غير المتوقعة.

في الواقع لم يقم العلماء بنسخ الدماغ البشري المعقد، بل بدأوا من أبسط نموذج عصبي ممكن التفكير به، إذ استلهمت هذه المعجزة التكنولوجية من الطبيعة، تحديداً من الدودة الخيطية المجهرية "سي إليغانس C. elegans".

الدودة الملهمة

و"سي إليغانس" دودة خيطية مجهرية شفافة، يتكون جسمها من 959 خلية فقط، منها 302 خلية عصبية بالضبط، وميزة هذا العدد أنه صغير إلى درجة يمكن دراسته ورسم خرائطه، لذا هي الكائن الحي الأول والوحيد الذي نعرفه بالكامل، إذ رسم العلماء خريطة وصلات عصبية كاملة ودقيقة (كونيكتوم (Connectome لكل خلية ووصلة بينها، وأظهرت خريطتها تلك، المتاحة منذ الثمانينيات، أنها "سي إليغانس" على رغم بساطتها، فإن لها سلوكيات يمكن ملاحظتها، وبدا كما لو أن هناك دارات عصبية مبرمجة مسبقاً مسؤولة عن سلوكيات محددة مثل الحركة إلى الأمام والحركة للخلف.

وتعتبر "سي إليغانس" كائناً حياً نموذجياً مهماً جداً في الأبحاث العلمية نظراً إلى ميزات عدة، من بينها بساطة جسمها وشفافيتها التي تسمح برؤية الخلايا وسرعة تكاثرها وقدرتها على تحمل العيش في المختبرات، كما أن جينومها (مجموع الجينات) كامل ومحدد جيداً، مما يجعلها مثالية لدراسة وظائف الجينات والتطور، والأهم أنها قدمت نموذجاً مثالياً لمحاكاة الشبكات العصبونية الاصطناعية البسيطة.

لقد ألهم هذا المصدر البيولوجي تطوير شبكات عصبية تتكيف مع تدفقات البيانات المتغيرة، وتفعل ذلك بمرونة عالية في مواجهة البيانات المشوشة أو غير المتوقعة، وهذا الإلهام يدفع مجال الذكاء الاصطناعي نحو خلق أنظمة أكثر كفاءة وربما أكثر قابلية للتفسير، بمحاكاة المبادئ التي صقلتها الطبيعة على مدى ملايين السنين.

وأخيراً يبدو للوهلة الأولى أن ظهور الشبكات السائلة يشكل تحدياً للإدراك البشري، إلا أنه بالنظر إلى أبعاد مستقبلية أخرى يظهر مدى جدوى العلاقة التكافلية بين اللدونتين العصبية والتقنية وإمكاناتهما، إذ يمكن لقدرات إحداهما أن تغطي قيود ونواقص الثانية في علاقة تبادلية تطور كل منهما الأخرى وتثري المشهد المعرفي في رحلة تطور مشترك.

اقرأ المزيد

المزيد من علوم