ملخص
خرج ترمب من البيت الأبيض عام 2020 وتجمدت استراتيجية توسيع "اتفاقات أبراهام" وعادت حيوية شعار "إعلان فلسطين" للجامعات الأميركية والأوروبية. إلا أن الانفجار الكبير الذي أحدثته عملية 7 أكتوبر دفع المعسكرين إلى التصعيد حتى بلوغ الذروة.
هذا الأسبوع وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، علت عبارة "الدولة الفلسطينية" فوق كل العبارات الأخرى وباتت الملف الأبرز في المنظمة حيث اعتبرت الإعلانات المتتالية للأعضاء "بالاعتراف بفلسطين" كالإنجاز الدولي الحتمي لعام 2025. ويأتي ذلك منذ "غزوة النقب" في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والحرب الإسرائيلية- الإيرانية لربيع 2024. ويرى كثرٌ أن النجاح بالاعتراف بكيان قومي فلسطيني سيقلب طاولة العلاقات الدولية رأساً على عقب وينهي الصراع العربي- الإسرائيلي. أما المتشددون فيرون في الإعلان مؤشراً إلى انكسار إسرائيل وظهور إمارات "للخلافات الآتية". ومعظم مؤيدي الإعلان يأملون في أن يبدأ السلام بعده، بينما يرى المتشددون تعزيزاً للحل العسكري.
أما إسرائيل، فموقفها الحالي حازم ولكنه قد يتطور، فالحكومة الحالية لا تقبل بإعلان دولة فلسطينية الآن بسبب السابع من أكتوبر. والمفارقة هي أن الحكومة الإسرائيلية تعبر عن شعور حالي جارف في الداخل يرفض قيام "الدولة الجارة" لأن ما رآه الشعب اليهودي لا يقنعهم بأن "الجيران" مستعدين لقبول دولة يهودية إلى جانبهم، فما زال شعار "من النهر إلى البحر" الشعار الموحد للمعسكر المقابل قائماً. ولكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال مرات عدة إنه سيتعاون مع سلطة غزّية مدعومة عربياً وربما يتطور التعاون إلى سلطة فلسطينية متعايشة مع دولة عبرية. إلا أن القبول الإسرائيلي بدولة فلسطين من دون تفاوض مع دولة إسرائيل لا يزال غائباً.
أما الموقف الأميركي، فلا يزال كما هو تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب. وهناك تزايد في عدد مؤيدي دولة فلسطين من مواطنين وناشطين، تقابلهم كتلة بشرية من المحافظين ومؤيدي إسرائيل التقليديين، وهؤلاء أيضاً لم تنخفض أعدادهم. إذاً كيف تطور التأييد لموقف مناصرة الدولة الفلسطينية؟ خلال العقود السابقة، ولا سيما منذ حرب 1967 تصاعد تياران حول فلسطين، الأول دفعته موجة كوادر "إخوانية" وقومية عربية انتقلت بعد النكسة إلى أميركا وبعد حرب الأيام الستة وتجذرت في الجامعات. وعام 1974 تشكلت قوة ضغط عربية بعد "حرب أكتوبر" للتركيز على القضية الفلسطينية. أما مع سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، فجرى تلاقٍ بين جزء من اليسار الدولي وتيارات إسلامية قريبة من "الجمهورية الإسلامية في إيران". وتقاطعت كل هذه القوى الضاغطة تحت شعار إقامة دولة فلسطين وباتت تشكل قوة صاعدة في الجامعات والإعلام. أما المرحلة الأكثر تطوراً فجاءت بعد انتخاب الرئيس السابق باراك أوباما ودعمه المتأني لها، وانتشار تأثير التيار الإسلامي اليساري في قطاعات داخلية واسعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أنه في المقابل تصاعد أيضاً تأثير اليمين الإنجيلي المحافظ في الإدارات الجمهورية منذ إدارة الرئيس رونالد ريغان، بخاصة إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، ولا سيما منذ ضربات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي قربت الإنجيليين من اليهود وأطلقت تياراً مضاداً للإسلاميين عامة والمشروع الفلسطيني خصوصاً. وعلى خلفية هجمات الـ11 من سبتمبر وبعد ذلك بسبب حربي أفغانستان والعراق تصاعد التيار الأميركي الرافض للدولة الفلسطينية لأنه جرى ربطها بالقوى التي يصفها الغرب بـ"الجهادية". ولكن الموقف كان أكثر للتضامن مع إسرائيل منه عقائدياً قومياً. ومع توقيع "اتفاقات أبراهام" والتقارب بين ترمب والتحالف العربي، تراجعت مسألة إعلان الدولة الفلسطينية، وركز ترمب وإسرائيل على الاتفاقات الاقتصادية الثنائية مع الدول العربية الموقعة على الاتفاقات الإبراهيمية وعلى توسيعها، قبل توقيع اتفاق حول "حل الدولتين". وخرج ترمب من البيت الأبيض وتجمدت استراتيجية توسيع "اتفاقات أبراهام" وعادت حيوية شعار "إعلان فلسطين" للجامعات الأميركية والأوروبية. إلا أن الانفجار الكبير الذي أحدثته عملية السابع من أكتوبر دفع المعسكرين إلى التصعيد حتى بلوغ الذروة. إسرائيل ردت عسكرياً بعنف في غزة وبات قبولها بمبدأ الدولتين يتراجع.
ومن الواضح أن هجوم حركة "حماس" استهدف حشر الدول العربية لإجبارها على إعادة طرح "حل الدولتين" للأولوية بدلاً من "الهدف الإبراهيمي". إلا أن انفجار الحرب الأوكرانية واستمرارها أجّلا أي دفع دولي لإعلان مشروع كهذا في ظل الانقسام العالمي. وتوسعت التظاهرات بعد أكتوبر عام 2023 وتوسعت الغارات الإسرائيلية على القطاع. وانطلقت إدارة ترمب في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025 وتصاعدت المواجهة في المنطقة وفي الداخل الأميركي وشعر كل طرف بأنه قادر على تحقيق انتصارات مع بعض الجهد والصبر. إسرائيل باتت على مقربة من انتصار ميداني يسمح لها بإنهاء كيان تسيطر عليه "حماس"، وهذه الأخيرة قاتلت بشراسة لعدم الخروج من الجغرافيا وحققت ذلك. واستراتيجياً ساعدت مواجهات إيران و"حزب الله" مع إسرائيل خلال الحرب في شراء وقت مهم لـ"حماس" كي لا تنهار. بالتالي فإن أي تفاوض لحل دولة فلسطينية سيكون لمصلحتها، إذا لم تحسم إسرائيل الأمر ميدانياً.
وحل موعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وتشكلت أكثرية متنامية، قلبها الكتلة العربية والإسلامية، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالتالي الوصول إلى حيث كانت المنظمة عام 1974.
في المقابل يقف الرئيس ترمب في موقع تاريخي ولكنه صعب. فمن ناحية بين يديه حق "فيتو" بإمكانه أن يؤخر القرار ومن ناحية ثانية هو مصمم على أن يكون "مهندس السلام". يقف بين كونه مؤيداً لإسرائيل وحليفاً العرب. لا بد من حل يرضي الطرفين، لنرَ...