استبعد مصدران دبلوماسيَّان حضور سوريا، المُعلقة عضويتها في جامعة الدول العربيَّة منذ العام 2012، الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجيَّة العرب، الذي ستستضيفه القاهرة السبت المقبل، لبحث "العدوان التركي على شمال سوريا".
وحسب دبلوماسي عربي تحدَّث لـ"اندبندنت عربيَّة"، فإن الجامعة العربيَّة "لم توجّه الدعوة إلى سوريا حتى الآن لحضور الاجتماع الطارئ" الذي جاء بناءً على طلب مصري، مشيراً إلى "تحرّكات عربيَّة (لم يسمها) تدفع باتجاه دعوة سوريا إلى حضور الاجتماع، إلا أنها لم تسفر بعدُ عن نتيجة واضحة في هذا الصدد".
والأربعاء دعت القاهرة إلى اجتماع طارئ لجامعة الدول العربيَّة، لبحث تداعيات العمليَّة التركيَّة داخل الأراضي السوريَّة، وبناءً على الطلب المصري تقرر عقد الاجتماع السبت المقبل الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) في الساعة العاشرة صباحاً، بتوقيت القاهرة.
وتزامنت الدعوة إلى اجتماع طارئ، مع بيان للجامعة العربيَّة، أعلن فيه أمينها العام المساعد حسام زكي، أن الجامعة "تقف بوضوح ضد التحركات والأعمال العسكريَّة التي تقوم بها القوات التركيَّة ضد سوريا"، مضيفاً "هذه العمليات العسكريَّة تمس سيادة دولة عضو في جامعة الدول العربيَّة، وهي سوريا".
وذكر زكي، أنه "لا يجب على دولة جارة لسوريا، وهي تركيا، أن تقوم بمثل هذه الأعمال العسكريَّة مهما كانت الذرائع التي تتذرَّع بها للقيام بمثل هذا العمل العسكري".
ووفق المصدر الدبلوماسي، الذي فضَّل عدم ذكره اسمه، فإن "الخلافات بين الدول العربيَّة بشأن عودة سوريا إلى مقعدها لا تزال قائمة، ولم تحل بعد، ما يصعّب من حضور دمشق أي اجتماع للجامعة العربيَّة دون تحقيق التوافق العربي بشأن تلك الخطوة".
دبلوماسي آخر، قال "على الرغم من تراجع الدور العربي وكذلك دور الجامعة العربيَّة في الملف السوري منذ سنوات، فإن الاجتماع يأتي لتأكيد أن الاعتداء التركي على السيادة والأراضي السوريَّة من شأنه أن يُشعل العداء في المنطقة بشكل يصعب السيطرة عليه".
وحسب حديثه، فإن "التباين لا يزال بين المواقف السياسيَّة للدول الأعضاء في الجامعة بشأن عضويَّة سوريا، إلا أن الأمر لا يعني استصدار موقف عربي واضح وصريح يرفض بشدة أي انتهاك لدولة عربيَّة والمساس بسيادتها على أراضيها"، في إشارة إلى العدوان التركي على سوريا.
وذكر الدبلوماسي، أن "اتصالات عدة أُجريت بين عواصم عربيَّة مختلفة منذ بدء تركيا عدوانها بهدف تنسيق المواقف بين تلك البلدان، وبحث سبل التصدي لأنقرة في المحافل الدوليَّة". مسمياً بعض الدول وعلى "رأسها مصر والأردن والإمارات والسعوديَّة".
وفي المقبال، يدور في أروقة بعض الدوائر الدبلوماسية العربية حديث عن إمكانية مشاركة دمشق في الاجتماع الطارئ يوم غد السبت 12 أكتوبر (تشرين أول). وفي وقت لم يعلن جدول الأعمال عن مشاركة سورية، إلا أن الرهان على نجاح الاجتماع يفرض حتمية عدم تغييب مشاركة وفد بلد عربي تحتدم على أرضه أشرس المعارك في شماله الشرقي، وفق ترجيحات مصادر مطلعة، لم تجزم بعد بالمشاركة من عدمها.
ويرى عضو مجلس الشعب، أحمد مرعي، أنه من الطبيعي أن تشارك سوريا في هذا الاجتماع، بخاصة أن جامعة الدول العربية سيلتئم جمعها بشكل طارئ يوم غد لمناقشة التوغل التركي، وهي بطبيعة الحال مسألة تخصّ صميم الملف السوري.
ووفق ما قال النائب المرشح عن الحزب القومي السوري، مرعي لـ"اندبندنت عربية"، "لا تتوفر معلومات دقيقة إلى الآن عن المشاركة من عدمها، لكنها تتجه بهذا المنحى".
الوساطة والتطبيع
في السياق ذاته، يرجح مراقبون سياسيون أن الدور الروسي يمثل لاعباً وسيطاً، وهو الذي يعوّل عليه في تطبيع العلاقات العربية مع دمشق، فضلاً عن قبول مصري وإماراتي بات واضح المعالم بأنهما من أكثر المتحمسين في طرح عودة سوريا إلى مقعدها، بخاصة في الاجتماع المنصرم في مارس (آذار) الفائت.
وشكل إجهاض حضور دمشق خيبة أمل، لكن سرعان ما عاد التفاؤل بعد لقاء سريع، وصف بأنه مقصود من أمين الجامعة أحمد أبو الغيط مع وزير الخارجية وليد المعلم، تخلله مصافحات وعناق لأعضاء الوفد السوري، في مؤشر إلى نيّة عودة الدفء في العلاقة العربيةـ السورية.
المشاركة المكروهة
في المقابل، تشخص أنظار الدبلوماسية السورية إلى مقعدها الشاغر وتطمح إلى عودة مكانها الطبيعي بعد انتزاع عضويتها منها وتجميدها في 2012 وسط مقاطعة عربية شبه كاملة، وكسرت الإمارات صمت العلاقات بافتتاح سفارتها بدمشق في ديسمبر (كانون الأول) 2018 تلتها البحرين بعد قطيعة دبلوماسية.
ودانت الجامعة العربية الأربعاء الماضي الهجوم التركي الأخير، وقال الأمين العام المساعد للجامعة العربية، حسام زكي، في بيان، إنه تقرّر عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب يوم غد السبت بناءً على طلب مصر لبحث ما وصفته بالعدوان التركي على الأراضي السورية.
وتوحي تلميحات بيان الجامعة إلى تقارب مع سوريا في إشارة ضمها بيان الإدانة في 9 أكتوبر (تشرين الأول) "العمليات العسكرية تمسّ سيادة دولة عضو في جامعة الدول العربية وهي سوريا".
وتطفو على سطح التكهنات تغليب الحضور السوري في الجلسة المزمع عقدها كونها المعنية بالحدث الجلل على حدودها التي تُنتهك بزعم إقامة منطقة آمنة للحد من نفوذ المكون الكردي المتمدد شمالاً وشرقاً.
وفي حين تصف أنقرة قوات حماية الشعب الكردية بالإرهابيين والانفصاليين مطلقةً حملة عسكرية "نبع السلام" لتقويض هيمنتهم على مناطق حدودية معها.
يحدث ذلك وسط نزوح الأهالي من قراهم على خلفية القصف المدفعي وتوتر ميداني ينذر بكارثة إنسانية وسط انتقادات من السلطات السورية التي اعتبرت هذا التدخل بالعدوان السافر على سيادة الأراضي السورية، والتي أسفرت عن مصرع مقاتلين بوحدات حماية الشعب وسقوط مدنيين وتطويق مدينتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين.
إدانات عربيَّة وترحيبٌ قطريٌّ
وخلال الساعات الماضيَّة دانت أكثر من دولة عربيَّة العدوان التركي على سوريا، ورفضت بشدة أي ذرائع تروَّجها أنقرة لعملياتها العسكريَّة، معتبرة أنه "يهدد الاستقرار والسلم الإقليميين والدوليين".
فمن جهتها، دانت مصر "بأشد العبارات العدوان التركي"، معتبرة أن العمليَّة "تمثّل اعتداءً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربيَّة شقيقة".
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في بيان الخميس خلال مقابلته العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالقاهرة، "العدوان التركي يتنافى مع قواعد القانون الدولي وقواعد الشرعيَّة الدوليَّة"، محذراً من "التداعيات السلبيَّة على وحدة سوريا وسلامتها الإقليميَّة وعلى مسار العمليَّة السياسيَّة، وكذلك على الاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها".
كما دانت السعوديَّة ما وصفته بـ"العدوان الذي يشنّه الجيش التركي على مناطق شمال شرقي سوريا"، ونقلت وكالة الأنباء السعوديَّة عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجيَّة السعوديَّة قوله "العمليَّة التركيَّة تعدٍ سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السوريَّة".
واعتبرت دولتا الإمارات والبحرين العدوان العسكري التركي على سوريا "تطوراً خطيراً واعتداءً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربيَّة شقيقة، وتدخلاً صارخاً في الشأن العربي"، مطالبَين مجلس الأمن بـ"الإسراع في الاضطلاع بمسؤوليّاته في التصدّي لهذا الهجوم".
وفي الكويت، نقلت وكالة الأنباء الكويتيَّة عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجيَّة قوله "العمليات العسكريَّة التركيَّة بشمال شرق سوريا تعد تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في المنطقة"، داعياً كل الأطراف إلى "الالتزام بضبط النفس والبُعد عن الخيار العسكري".
أمَّا الأردن، فطالب بوقف العمليَّة التركيَّة، وقال وزير الخارجيَّة أيمن الصفدي في تغريدة على (تويتر)، "نطالب تركيا بوقف هجومها على سوريا فوراً، ونرفض أي انتقاص من سيادة سوريا، وندين كل عدوان يهدد وحدتها".
بدوره، اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح التوغل التركي العسكري في سوريا "تصعيداً خطيراً"، وقال في تغريدة على (تويتر)، "سيسبب كارثة إنسانيَّة، ويقوي الجماعات الإرهابيَّة"، داعياً العالم إلى أن "يتحد لتفادي هذه الكارثة".
في المقابل، بدت الدوحة وحيدةً تغرّد خارج السرب العربي، بعد أن رحَّبت بالعمليات العسكريَّة التركيَّة في سوريا، وحسب ما نقلت وكالة الأناضول التركيَّة (شبه رسميَّة) أعلن وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطيَّة، "دعم بلاده عمليَّة نبع السلام (المُسمّى التركي للعمليات العسكريَّة في شمال سوريا)" خلال اتصال هاتفي بنظيره التركي خلوصي أكار.
اعتقالات في تركيا لمنتقدي العمليَّة
وأمس الخميس، اعتقلت السلطات التركيَّة أكثر من 20 شخصاً بتهمة "الدعايَّة الإعلاميَّة الإرهابيَّة" بسبب انتقادهم العمليَّة العسكريَّة التي تشنها أنقرة في شمال سوريا.
ووفق ما نقلت تقارير تركيَّة، اُعتقل هاكان ديمير رئيس موقع "بيرغون" اليساري بعد اتهامه بـ"تحريض الشعب على الكراهيَّة والعداوة"، بعد أن تحدّث الموقع عن وقوع إصابات بين المدنيين في الهجوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتقلت الشرطة التركيَّة 21 شخصاً في مدينة ماردين جنوب شرق تركيا بسبب "الدعايَّة الإعلاميَّة الإرهابيَّة" حسب وكالة (الأناضول للأنباء).
كما ذكرت الشرطة أنها فتحت 78 قضيَّة ضد أفراد بسبب نشرهم "دعايَّة إعلاميَّة" ضد العمليَّة.
وقال النائب العام في تركيا إنه فُتِحَ قضايا بحق زعيمي حزب الشعوب الديموقراطي الموالي الأكراد سيزاي تيميللي وبيرفين بولدان، وغيرهما من أعضاء الحزب.
وفي بيان لهم اعتبر هؤلاء العمليَّة العسكريَّة التركيَّة "غزواً"، وأكد تيميللي موقفه الخميس قائلاً "العمليَّة عدوان ومحاولة احتلال".
وشنَّت تركيا عمليَّة "نبع السلام"، الأربعاء، ضد قوات سوريا الديموقراطيَّة التي يقودها الأكراد، التي تعتبرها أنقرة فرعاً "إرهابياً" للمسلحين بالمنطقة.
وتحظر السلطات التركيَّة أي انتقاد للعمليات العسكريَّة، حتى إنها تطلب من أحزاب المعارضة الإشادة بها. وسبق للسلطات أن اعتقلت منتقدين على الإنترنت خلال عمليات سابقة ضد القوات التركيَّة في سوريا، واتهمتهم بـ"الدعايَّة الإعلاميَّة الإرهابيَّة".
وتنتقد جماعات حقوقيَّة تضاؤل حريَّة التعبير في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، خصوصاً عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 التي تلتها حملة قمع اُعتقل خلالها آلاف المعارضين السياسيين.