Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مافيا العملات في السودان... "ينعشون" اقتصاد البلاد

تنفذ قوات الأمن من وقت إلى آخر حملات على السوق السوداء لكبح السوق الموازية

تتحكم السوق الموازية بمجمل العملية الاقتصادية في السودان (أ.ف.ب)

تُحرك تجارة العملات الأجنبية في السوق الموازية في السودان، رساميل ضخمة لتغطية حاجتها من السلع التجارية المختلفة، نظراً إلى عجز البنك المركزي عن توفير النقد الأجنبي اللازم، ما أدى الى اتساع دائرة هذا النشاط ودخول الحكومة خلال فترة النظام السابق كأحد اللاعبين الأساسيين له خصوصاً بعد فرض العقوبات الأميركية على البلاد عام 1997، فضلاً عن مآلات انفصال جنوب السودان عن الشمال في 2011.

وتسبب ذلك بتضرر الاقتصاد السوداني نتيجة استحواذ الجنوب على ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي للبلاد الذي يعد المصدر الرئيس للعملة الصعبة في هذا الاقتصاد.

وبحسب خبراء ومختصين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" فإن السوق الموازية تتحكم بمجمل العملية الاقتصادية في البلاد، حيث تحول تجار العملة إلى كتلة اقتصادية مؤثرة في ظل أوضاع غير طبيعية ورثتها حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من نظام الرئيس السابق عمر البشير، لافتين إلى أن هذه المجموعات نفذت عبر ثغرات اقتصادية حكومية نتيجة عجز البنك المركزي عن توفير النقد الأجنبي لتغطية متطلبات السوق ونفقات الحكومة.

شبكة واسعة

يوضح أحد تجار العملة منتصر العوض، "إن التعامل في مجال العملات الأجنبية يكثر ممارسته خارج السودان لاستقطاب أموال المغتربين السودانيين في مختلف بلدان المهجر نظراً إلى سهولة تحويلها إلى الصين والإمارات باعتبارهما أكثر دولتين يتم فيهما استيراد السلع التجارية المطلوبة إلى السوق السودانية".

ويوضح أن السوق الموازية لديها شبكة في كل الدول ويوجد أينما يوجد سودانيون مغتربون بالخارج، كما أن أمر تجارة العملة لا يقتصر على الإمارات والصين فقط بخاصة أن كثيراً من التجار يشترون العملات الصعبة من الخارج لاستيراد السلع وتوريدها إلى داخل البلاد.

ويضيف "الحملات التي تنفذها السلطات على تجار العملة تؤدي إلى تهييج سعر الدولار وليس انخفاضه باعتبار أن المستوردين لا يحصلون على العملات الصعبة لأغراض الاستيراد"، مؤكداً صعوبة محاربة تجار العملة بالخارج بخاصة أنه ليست لهم أماكن محددة يعملون فيها إلى جانب أنه لا يمكنها معرفة أين يودعون أموالهم.

ويشير العوض إلى أن أكثر العملات استخداماً في عمليات الاستيراد، الدرهم الإماراتي. وكشف أن تجار العملة لا يمكنهم الدخول في أي عمليات للبيع أو الشراء من دون التعرف على سعره في دبي والخرطوم، لافتاً إلى أن الدولار والريال لا يتم استخدامهما في الاستيراد كثيراً مقارنة بالدرهم.

في المقابل، يقول تاجر العملة بلة مساعد إنه يعمل في هذا النشاط منذ عشر سنوات من طريق أحد أقربائه وما شجعه على ذلك العائد المادي الكبير بأقل مجهود، لافتاً إلى أنه أصبح لديه زبائن كثر نتيجة للثقة المتبادلة وهو العامل المهم في ممارسة هذا النشاط بخاصة أن الفرق بين السعر الرسمي والموازي كبير جداً.

وبشأن الحملات التي تنفذها السلطات المختصة لمحاربة هذا النشاط يوضح "العمليات التي تقوم بها سلطات الأمن في الغالب تكون في حالة فقدان الحكومة السيطرة على بعض التجار، أو بسبب حركة غير عادية للدولار في السوق بسبب ضخ كميات مجهولة المصدر، ليتم القبض على تجار تحت دعاوى زعزعة الأمن الاقتصادي، لكن كل تجار العملة المؤثرين معروفون لدى السلطات الحكومية إلا القليل".

إصلاح السياسات

يوضح المحلل الاقتصادي أن تجارة العملات تحسن وضع الاقتصاد السوداني وتوفر نقداً أجنبياً يغطي حاجة كل شرائح المجتمع، لافتاً إلى أن تجارة السوق الموازية تنشط عندما يكون هنالك شح للسلعة محل التجارة، منوهاً بأن العملة الأجنبية في السودان أصبحت كالسلعة.

ويشير إلى أنه يجب ألا تكون القوانين الأساس في الحد من تجارة العملة، إذ تكمن أهمية هذه القوانين في الردع فقط.

في المقابل دعا الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعظيم المهل إلى أهمية إصلاح السياسات المالية والنقدية وتغطية الطلب المتزايد للدولار، عوضاً عن أي إجراءات عقابية، موضحاً أن الإجراءات الجزائية لا تسهم في السيطرة على تجار العملة بالخارج ولا تنعكس على استقرار سعر الصرف على المدى البعيد، وبيّن أن الاقتصاد السوداني يحتاج إلى جهود عملية لوقف التدهور الذي أصابه بسبب السياسات الفاشلة التي اتبعها النظام السابق.

ويلفت إلى أن أولى الدفعات العاجلة التي يحتاجها الاقتصاد تتمثل في دعم خزينة الدولة بعملات أجنبية بمبلغ عشرة مليارات دولار خلال عامين، لتغطية العجز في ميزان المدفوعات مدة عامين وهو ما يضمن استقرار سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني، وكذلك استقرار التضخم، وبالتالي تستطيع الدولة تنفيذ المشاريع الحقيقية والأساسية، مؤكداً أنه إذا تم فعل ذلك يمكن أن تصل الصادرات السودانية خلال ثلاثة سنوات إلى 100 مليار دولار من خلال التركيز على القطاع الزراعي البستاني الممثل في التمور والأعلاف (البرسيم).

تجمعات التجار

وفي داخل الخرطوم، يمارس نشاط تجارة العملة في السوق الموازية بشكل غير رسمي، حيث ينتشر العاملون في هذا النشاط بكثافة في ممرات البنايات الرئيسة وسط العاصمة، وخارج صالة المطار وغيرها من أماكن تجمعات المغتربين والمسافرين وأصحاب الأموال وينادون على المارّة بكلمة "صرف"، قبل أن يقود هؤلاء الوسطاء زبائنهم في حذرٍ إلى مكاتب في البنايات المجاورة لتكملة عملية صرف العملات الصعبة مقابل الجنيه السوداني، والتي في الغالب تستخدم في أغراض السفر للعلاج، بعد أن أغلقت البنوك والصرافات رسمياً أبوابها أمام مثل هذه الطلبات، وعلى الرغم من حالة الحذر التي يتخذها الوسطاء وإيهام الزبائن بأن العملية تشوبها مخاطر أمنية كبيرة.

إلاَّ أنّ هذا الإحساس ينتفي بدخولك إلى رُدهات هذه المكاتب التي يتجوَّل فيها موظفون بأكياس "جوالات" ممتلئة على آخرها بتشكيلات مختلفة من العملات المحلية والأجنبية. ويدير هؤلاء الموظفون مكالمات لا تنقطع وبأرقام حسابية كبيرة، فضلاً عن صفقات بيع وشراء بالدولار واليورو والدرهم الإماراتي والريال السعودي.

حملات مستمرة

وتقوم قوات الأمن في السودان من وقت إلى آخر بتنفيذ حملات على السوق السوداء للعملة لكبح السوق الموازية، خصوصاً بعد أن يقفز سعر الدولار في هذا السوق إلى أرقام عالية، وهي في الغالب مضاربات يقودها تجار كبار في هذه السوق، وهو ما يحدث ضغوطاً كبيرة على الجنيه السوداني الذي يشهد تدهوراً كبيراً، حيث يبلغ سعر الدولار المحدد من قبل البنك المركزي في حدود 45 جنيهاً مقابل 70 جنيهاً في السوق الموازية.

المزيد من اقتصاد