ملخص
يشكّل الدروز أقلية دينية ذات عقيدة باطنية نشأت في القرن الـ11، ويتركزون في سوريا ولبنان وإسرائيل والأردن. على رغم قلة عددهم، لعبوا أدواراً سياسية بارزة، من ثورة سلطان باشا الأطرش في سوريا إلى زعامة كمال جنبلاط في لبنان.
يشكّل الدروز أقلية في الشرق الأوسط أدت أدواراً سياسية في دول انتشارها مثل لبنان وإسرائيل وسوريا، مع سعيها للحفاظ على خصوصيتها الدينية والاجتماعية.
خلال الأيام الماضية، خاض مسلحون من الدروز اشتباكات مع مسلحين من البدو في محافظة السويداء جنوب سوريا، أسفرت عن مقتل نحو 100 شخص. وبينما دخلت القوات الحكومية السورية اليوم الثلاثاء مدينة السويداء وأعلنت وقف إطلاق النار، أعلنت إسرائيل شنّ ضربات جوية تستهدف القوات السورية، بعدما سبق لتل أبيب أن تعهدت العمل على حماية أبناء الأقلية الدرزية ومنع الانتشار العسكري في جنوب سوريا.
فمن هم الدروز وماذا نعرف عن عقيدتهم ودورهم في السياسة والمجتمع؟
معتقداتهم الدينية
نشأت الدعوة الدرزية في مطلع القرن الحادي عشر، وهي متفرعة من المذهب الإسماعيلي، ثاني أكبر الفروع لدى الشيعة بعد الاثني عشرية.
يؤمن الموحدون الدروز بالله "الواحد الأحد، خالق السموات والأرض"، وبملائكته ورسله وأنبيائه، واليوم الآخِر، بحسب الموقع الإلكتروني لمشيخة العقل، وهي أعلى مرجعية دينية لهم في لبنان.
وفي ما قد يفسّر خصوصية تعاليمهم التي يقتصر تداولها على أبناء الطائفة، ينطلق الدروز في عقيدتهم من "خطاب ظاهر وخطاب باطن"، بحسب ما يؤكد لوكالة الصحافة الفرنسية مطلع على شعائرهم طلب عدم الكشف عن اسمه.
ويتحدث عن ارتكاز التعاليم على "مرحلة ناضجة من توحيد الإله" مبنية على سياقات طويلة من الأديان التوحيدية، أثّرت فيها أفكار أفلاطون عبر مزج المفاهيم الدينية بالفلسفية.
يعتمد الدروز سبع وصايا أساسية منها "صدق اللسان" و"حفظ الإخوان" و"البراءة من الأبالسة والطغيان"، ويؤمنون بالتقمص الذي "هو جزء من العقيدة".
المناسبات الدينية
في اليوميات، يشتركون في مناسبات دينية مع مذاهب أخرى، تشمل "تجمعات يومية خلال الأيام العشرة قبل عيد الأضحى، يتخللها أداء تلاوة دينية وبعض العبادات وبعض الأشعار والروحانيات، وتكون تكريساً للمبادئ الأساسية السبعة... التي إذا مارسها الموحد، فهو يمارس التوحيد الصحيح".
كذلك، يحيون رأس السنة الهجرية، ويؤدون الزكاة "كل بحسب قدرته".
يجتمع مشايخهم ليلة الخميس– الجمعة لأداء طقوس وعبادة وتلاوة، في ما يشكل تعبيراً عن "مبدأ حفظ الإخوان والعبادة الجماعية والتواصل مع بعضهم".
وتبقى تعاليم الطائفة ضمن أبنائها، ومن غير المستحب أن يرتبطوا بشركاء حياة من خارجها، على رغم وجود بعض حالات الزواج المختلط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتشارهم
تُقدّر أعداد الدروز الذين يرتدي المتدينون منهم من الرجال الزي الأسود والقلنسوة البيضاء، وتغطي النساء رؤوسهن وقسماً من وجوههن بوشاح أبيض مع زي أسود طويل، بأكثر من مليون.
وتتركز غالبية أتباع الدعوة الدرزية في مناطق جبلية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية والأردن.
يقدّر تعدادهم في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد حيث تعد محافظة السويداء معقلهم، كما يوجدون في مدينتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، ولهم حضور محدود في إدلب، شمال غربي البلاد.
وفي لبنان، يُقدّر عددهم بنحو 200 ألف، ويتركزون في جبال وسط البلاد خصوصاً الشوف وعاليه والمتن الأعلى، ومناطق عند امتداد السفح الغربي لجبل الشيخ مثل حاصبيا وراشيا.
في إسرائيل، يتوزعون على أكثر من 20 قرية في الجليل وجبل الكرمل وهضبة الجولان المحتلة. ويبلغ عدد حاملي الجنسية الإسرائيلية 153 ألفاً، وفق دائرة الإحصاء المركزي. يضاف إليهم نحو 23 ألفاً في الجولان، غالبيتهم العظمى تحمل إقامات إسرائيلية دائمة.
ووفق مركز التراث الدرزي في إسرائيل، تعترف إسرائيل بالطائفة "بصفتها كياناً منفرداً له محاكمه الخاصة وقيادته الروحانية المستقلة".
وفي كتابه "الإيمان الدرزي" The Druze Faith، يشير المؤرخ سامي نسيب مكارم إلى أن بعض الدروز خصوصاً في لبنان وشمال سوريا "هاجروا اعتباراً من القرن السادس عشر إلى جبل حوران" حيث باتت المنطقة تعرف باسم "جبل الدروز".
ومنها، انتقل البعض إلى الأردن حيث يُقدّر وجود ما بين 15 و20 ألف درزي، خصوصاً في الشمال.
وهاجرت أعداد صغيرة إلى مختلف أنحاء العالم مثل أميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا وأستراليا، إضافةً إلى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.
الدور الاجتماعي والسياسي
على رغم الانتشار، عمل الدروز على الإبقاء على روابط وثيقة.
ويوضح أستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت مكرم رباح في كتاب آخر عن الدروز والموارنة والصراع في جبل لبنان، "ثمة زيجات مختلطة وعلاقات قائمة بين الدروز... ورجال الدين يؤدون دوراً محورياً في الحفاظ على هذه العلاقة"، مضيفاً "حيث نشأت الحدود، لم يعترف بها الدروز فعلاً".
على رغم كونهم أقلية، أدى الدروز في الشرق الأوسط "دوراً مهماً وأحياناً رائداً، في الحياة السياسية والاجتماعية في المنطقة، وفي شؤونها الاقتصادية والاجتماعية"، بحسب مكارم.
وعاد ذلك غالباً إلى زعماء إقطاعيين أو عائليين كان لهم تأثير كبير في صناعة دور الأقلية بشكل تخطى حجمها.
ففي لبنان، أدى الزعيم كمال جنبلاط دوراً سياسياً محورياً اعتباراً من الخمسينيات من القرن الماضي وحتى مطلع الحرب الأهلية (1975-1990)، إلى حين اغتياله في 1977.
وفي سوريا، منح الانتداب الفرنسي عام 1921 جبل الدروز استقلاله الإداري، وظل كذلك حتى 1937. لكن هذه الفترة شهدت قيادة أحد أبرز الشخصيات الدرزية سلطان باشا الأطرش، ثورة كبرى ضد الفرنسيين اندلعت عام 1925.
أما في إسرائيل، فيوضح رباح أن الدروز "منخرطون بالكامل في الدولة... ويخدمون في الجيش. ما يمنحهم هامشاً أكبر مع الدولة".
عقب اندلاع النزاع في سوريا، حيّد الدروز أنفسهم عن تداعياته، فلم يحملوا إجمالاً السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة. ولم يتوصل الدروز الذين ينضوون ضمن مجموعات مسلحة عدة في مناطق وجودهم، لاتفاق بعد مع السلطات الجديدة التي تولت الحكم إثر إطاحة بشار الأسد.
وأسفرت اشتباكات اندلعت أواخر أبريل (نيسان) في منطقتين قرب دمشق، وامتدت تداعياتها إلى السويداء، عن مقتل 119 شخصاً على الأقل بينهم مسلحون دروز وقوات أمن، في مواجهة دموية تدخلت خلالها إسرائيل عبر شنّ غارات جوية وتحذير دمشق من المساس بأبناء الطائفة.
وفي تباين سياسي نادر، اختلفت المواقف حيال الأحداث الأخيرة. فالزعيم اللبناني وليد جنبلاط، نجل كمال، حذر من جرّ الطائفة إلى "حرب لا تنتهي" مع المسلمين، بينما أكدت مراجع دينية وفصائل عسكرية درزية سورية أنها "جزء لا يتجزأ" من البلاد. في المقابل، حضّ رجال دين سوريون والزعيم الروحي لدروز إسرائيل الشيخ موفق طريف على حماية دروز سوريا.
ويوضح رباح أن هذه الأطراف "لديها أجندات مختلفة، والأهم، ثمة صراع نفوذ على امتداد ثلاث دول".