ملخص
رئيس حكومة الوحدة يعرف حالياً أكثر من غيره أن فشل خطته الأخيرة للسيطرة على طرابلس منفرداً ضيقت خياراته حتى لم يبقَ في يده إلا ورقة واحدة يحتمي بها للبقاء في السلطة.
تعيش حكومة الوحدة الليبية ورئيس وزرائها عبدالحميد الدبيبة أياماً عصيبة توالت عليها الضربات فيها من كل حدب وصوب، من الشارع العاصمي المنتفض عليها، وخصومها الذين ضيقوا الخناق عليها سياسياً، والحلفاء الدوليين الذين بدأوا يديرون لها ظهورهم، والأدهى والأمر من وزرائها الذين يقفزون حالياً من مركبها المهدد بالغرق واحداً تلو الآخر.
كل ما سبق لم يُثنِ الدبيبة عن موقفه الرافض تسليم السلطة لحكومة جديدة، حتى وهو يترأس اليوم ربع حكومة بوزراء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، فما الأوراق التي يعول عليها للصمود في وجه مكايد الخصوم والطوفان الشعبي وسلاح المناوئين له في طرابلس، الذين يجمعهم كلهم اليوم هدف واحد وهو إطاحته؟
تحدي الجميع
في أول خطاب رسمي له منذ اندلاع الأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس الأسبوع الماضي عقب مقتل آمر كتيبة الدعم والاستقرار عبدالغني الككلي بعد خلاف مع مسلحين موالين لحكومته على رأسهم قائد كتيبة 444 قتال محمود حمزة، أكد الدبيبة ما كان متوقعاً بتجديد تمسكه بالسلطة، بل واعترف في الخطاب بتدبير عملية قتل عبدالغني الككلي، وساق المبررات التي دفعته لاتخاذ هذا القرار.
وقال الدبيبة في كلمة مصورة "كانت في طرابلس ميليشيات تقتات على ابتزاز الدولة، وكبرت حتى أصبحت أقوى حتى من الدولة نفسها. منحنا هذه المجموعة فرصة، وحاولنا التعامل معها بصورة هادئة وسلسة، لكن لا أمل في إصلاحهم".
وأضاف الدبيبة "من بين هؤلاء عبدالغني الككلي غنيوة الذي صار يقبض على المواطنين من دون علم من الدولة، وأنشأ سجونه الخاصة، وابن أخته سيف الككلي أعدم 15 شخصاً في ليلة واحدة بدم بارد".
وتابع "سجون غنيوة فيها زنازين مساحتها متر مربع واحد، وفيها وسائل تعذيب مروعة منها المنشورات الكهربائية، وأنا متأكد من أن رصاصة الرحمة كانت أهون على السجناء".
الدبيبة صرح بأن "وزراء الحكومة صاروا يخشون فعلاً من عدم تنفيذ أوامر الككلي لأنهم سيجدون السجون والتهديدات وأساليب التعذيب في انتظارهم، لذلك أمرنا بالعملية الأمنية في أبو سليم التي تمت بأقل ضرر ممكن في الأرواح والممتلكات، وهي تعد عملية ناجحة على جميع المستويات، على رغم بعض التجاوزات التي حدثت أخيراً".
وبعيداً من التفاصيل التي وردت في خطاب الدبيبة أثار موقفه بالمضي في تحدي الشارع والقوى السياسية والاجتماعية التي تمارس ضغطاً شديداً لإزاحته من منصبه، أسئلة كثيرة عن مدى قدرته على الثبات في السلطة مع فقدان كل الأوراق التي ساعدته على الصمود فيها طوال الأعوام الأربعة الماضية، على رغم الأزمات الكبيرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً التي واجهتها حكومته خلالها.
خيارات أربعة
المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة بنغازي جمال الشطشاط يحدد أربعة خيارات سيعمل عليها الدبيبة بالتوازي للحفاظ على توازن حكومته حتى تخرج من عنق الزجاجة الضيق الحالي، "الأول التصعيد العسكري والأمني، بأن تلجأ حكومة الدبيبة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في طرابلس والمناطق الغربية، بما في ذلك نشر قوات إضافية من مصراتة للجم حراك الشارع الطرابلسي ضد الحكومة وقد تصل إلى حد فرض حظر التجوال في أوقات محددة، هذا الخيار قد يسهم في تهدئة الوضع موقتاً، لكنه قد يزيد من حدة التوترات وحنق الشارع على الحكومة".
وأضاف الشطشاط، "تزامناً سيوسع الدبيبة التحركات الدبلوماسية مع بعض القوى الإقليمية والدولية في محاولة للحصول على الدعم السياسي، خصوصاً مع تواتر الأنباء عن خطة دولية تدرس حالياً لتشكيل حكومة جديدة، وبعث العملية السياسية المعطلة، وهو خيار لا أعتقد أيضاً أنه مُجدٍ لأنه قد لا يكون من الحكمة بالنسبة إلى كل الأطراف الدولية والإقليمية دعم حكومة تآكلت من الداخل، ورفضها الشارع واجتمع على عدائها كل الأطراف السياسية الليبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الخيار الثالث كما يراه الشطاط، فهو "اللجوء إلى الوعود بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين ومعالجة قصور الخدمات العامة وتوفير فرص العمل، لاستعادة بعض الثقة الشعبية"، لكنه لا يتوقع أن يستجيب الشارع لهذه الوعود ويأخذها على محمل الجد، "لأن الحكومة وعدت بهذه الإصلاحات منذ قدومها للسلطة، لكن الأزمات تفاقمت أكثر من قبل حتى وصلنا إلى حافة الانهيار الاقتصادي".
أما الخيار الأخير أمام الدبيبة حالياً، بحسب الشطشاط، فهو الأثقل عليه، ويتمثل في "التفاوض مع خصومه السياسيين بما في ذلك مجلس النواب ومجلس الدولة، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية تضمن استمراره في السلطة، ولا أعتقد أن هناك رغبة لدى هذه الأطراف في تفويت الفرصة التي انتظرتها طويلاً لإسقاط الدبيبة، ومساعدته للخروج من مأزقه الحالي".
البقاء بقوة السلاح
رئيس حكومة الوحدة يعرف حالياً أكثر من غيره أن فشل خطته الأخيرة للسيطرة على طرابلس منفرداً ضيقت خياراته حتى لم يبقَ في يده إلا ورقة واحدة يحتمي بها للبقاء في السلطة، عكس إرادة ورغبة الشارع والقوى السياسية، وهو السلاح والتمترس خلف المسلحين الذين ما زالوا يدينون بالولاء له في مصراتة وقوى عسكرية قليلة في طرابلس، لكنها مهمة مثل كتيبة 444 قتال، كما يرى الإعلامي الليبي هشام بن صريتي.
وتابع بن صريتي "الدبيبة يعرف الآن أن غالب حلفاء الأمس في الداخل والخارج نفضوا يدهم منه، وعلى رأسهم تركيا التي تغيرت سياساتها كثيراً متأثرة بالتغيرات العميقة على الساحة الدولية وظروفها الداخلية، خصوصاً الاقتصادية، وهي التي كانت عقبة أمام كل المحاولات السياسية والعسكرية لإطاحة حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، ومع ذلك قد يقدم الدبيبة على خوض حرب كبيرة ومدمرة منفرداً في العاصمة، لأنه لن يتنازل عن كرسيه، ويقدم رأسه بسهولة لمقصلة الخصوم".
وأشار إلى أن "القوى التي أعلنت دعهما للدبيبة في مصراتة ضد محاولات إطاحته، لا يستهان بها وتتطلب هزيمتها استدعاء تدخل قوى أكبر بعيدة حالياً عما يجري في طرابلس، وهذا لو حدث سيعود إلى ما قبل عام 2020 واتفاق جنيف السياسي والعسكري".
لا مجال للصمود
وعلى رغم المحاولات من رئيس حكومة الوحدة في طرابلس للبقاء في منصبه، يرى بعض المحللين أنها لن تنجح في إنقاذه هذه المرة بعد فشل مناورته الأخيرة لتعزيز سلطته، التي وصفها البعض بـ"الانتحار السياسي".
نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق عبدالحفيظ غوقة رأى أنه لم تعد هناك خيارات لحكومة الدبيبة للاستمرار على رأس السلطة التنفيذية وأمامها طريق واحد يخرجها من السلطة.
وقال غوقة إن "ما حدث في طرابلس أخيراً لا يمكن احتواؤه عبر (معالجات الضحك على الذقون) من بيانات وتجميد قرارات أو تشكيل لجان تحقيق، وأن الحل الوحيد لما جرى في العاصمة هو رحيل الحكومة ومحاسبة رئيسها جنائياً عن الجرائم التي ارتكبت في الأحداث الأخيرة". وأضاف "سيكون من العار استمرار رئيس هذه الحكومة في منصبه ولو ليوم واحد بعد ما حدث في طرابلس من قتل ودمار"، معتبراً أن "استمرار حكومة الدبيبة بعد الأحداث الأخيرة الدامية يشكل إهانة لدماء الضحايا والمواطنين".
في المقابل توجه عضو دار الإفتاء في طرابلس عبدالله الجعيدي للمتظاهرين الراغبين في إسقاط حكومة الدبيبة متسائلاً عن الخيار التالي، وقال "كيف ستعتمد حكومة جديدة بعدها وهي شرعيتها من اتفاق جنيف وليس من البرلمان ولا من الانتخابات؟". وأضاف "الذين يسعون إلى إسقاط الحكومة هدفهم التخلص منها لأنها أصبحت تشكل خطراً على بعض الميليشيات، لذلك يدافع مناصروهم في الساحات والقنوات لاستغلال هذه الفرصة من دون تحديد خريطة طريق، والمستفيد المباشر هو حكومة أسامة حماد في الشرق".
ورقة أخيرة
وعلى رغم إجماع غالب آراء المحللين على أن حكومة الدبيبة تمضي أيامها الأخيرة في السلطة، فإن الدبيبة يمتلك فعلياً ورقة قوية يمكن أن تؤجل أو تعطل سقوطه وهي دعم القوى العسكرية في مصراتة أو بعضها، ومن المعروف حجم القوى العسكرية في المدينة، التي تعد الأقوى والأكثر تأثيراً في الغرب الليبي والبلاد برمتها، وعدد من هذه القوى المسلحة عبر صراحة عن دعمه لحكومة الوحدة واستعدادها لمواجهة الساعين لإسقاطها سلماً أو بقوة السلاح.