ملخص
على رغم حدة الرسائل المتبادلة، لا تبدو الحرب المباشرة بين إسرائيل وتركيا مرجحة في المدى المنظور. فكلا الطرفين يدرك تعقيدات الدخول في مواجهة مباشرة، لا سيما أن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مما يعني أن أي اشتباك مباشر معها قد يجر أطرافاً غربية لا ترغب في توسيع رقعة النزاعات في المنطقة. كما أن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين أنقرة وتل أبيب، وإن توترت مراراً، لا تزال قائمة، وقد تشكل عامل ضبط إضافياً.
في ظل تصاعد التنافس الإقليمي على الجغرافيا السورية، وفي مشهد جديد يعكس هشاشة التوازنات في سوريا، شهدت الساحة الميدانية أخيراً تطوراً لافتاً مع استهداف إسرائيل مواقع عسكرية داخل سوريا كانت قد زارتها وفود تركية رفيعة، في إطار مساعٍ تركية لعقد تفاهمات أمنية جديدة مع الحكومة السورية. هذه الضربات فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات حول احتمالات المواجهة المباشرة بين تركيا وإسرائيل داخل الأراضي السورية، واحتمالات بروز صراع جديد في بلد لم يخرج بعد من عقدٍ دموي من الحرب.
وكانت إسرائيل شنت غارات جوية على قواعد عسكرية سورية، منها مطارات "تي 4" وتدمر وحماة، والتي كانت تركيا قامت بتفقدها سابقاً لاحتمال استخدامها في إطار اتفاق دفاع مشترك مع الحكومة السورية الجديدة. هذه المواقع التي زارتها وفود عسكرية تركية، تعرضت بعدها بفترة قصيرة لغارات إسرائيلية مكثفة، في ما بدا أنه رسالة ميدانية مفادها أن تل أبيب لن تسمح بوجود إقليمي تركي في العمق السوري قد يغير من معادلة الردع، أو يهدد حرية إسرائيل في التحرك، ويعكس قلقاً إسرائيلياً من تعزيز النفوذ التركي في سوريا.
من جهتها، أكدت تركيا على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان، أنها لا ترغب بمواجهة مع إسرائيل في سوريا، لكنها انتقدت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المواقع العسكرية السورية، معتبرة أنها تقوض قدرة الحكومة السورية الجديدة على ردع التهديدات وتزعزع استقرار المنطقة.
في المقابل، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بأن إسرائيل لن تسمح بالمساس بأمنها، مشيراً إلى أن الغارات الجوية الأخيرة هي رسالة تحذير للمستقبل.
تأتي التحركات التركية الأخيرة ضمن سياق إعادة تموضع إقليمي، حيث تعمل أنقرة على تطبيع العلاقات مع دمشق، وتمهد لاستخدام بعض القواعد العسكرية في وسط سوريا، مثل مطار "تي 4" و"تدمر" ضمن اتفاقات أمنية مؤقتة. وعلى رغم التصعيد الميداني بدا واضحاً أن تركيا لا ترغب بالذهاب بعيداً في هذا الاشتباك، وهذا ما أكده هاكان فيدان من أن بلاده "لا تسعى إلى مواجهة مع إسرائيل"، لكنه وجه انتقادات لاذعة للهجمات الإسرائيلية، معلناً أن "ما تقوم به إسرائيل في سوريا يعوق أية فرصة لاستقرار طويل الأمد. ونحن لا نهدد أحداً، لكننا لن نقبل أن تُستهدف مصالحنا في وضح النهار"، على حد تعبيره.
وفي مقابل هذا الموقف الحذر، جاء تصريح يسرائيل كاتس أكثر حدة، حيث أكد أن "إسرائيل لن تسمح بتغيير قواعد الاشتباك في سوريا، وأي تموضع عسكري أجنبي معادٍ سيُواجه بالقوة".
حرب مؤجلة أم توتر مُدار؟
وعلى رغم حدة الرسائل المتبادلة، لا تبدو الحرب المباشرة بين إسرائيل وتركيا مرجحة في المدى المنظور. فكلا الطرفين يدرك تعقيدات الدخول في مواجهة مباشرة، لا سيما أن تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مما يعني أن أي اشتباك مباشر معها قد يجر أطرافاً غربية لا ترغب في توسيع رقعة النزاعات في المنطقة. كما أن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين أنقرة وتل أبيب، وإن توترت مراراً، لا تزال قائمة، وقد تشكل عامل ضبط إضافياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبقى السيناريو الأقرب للواقع هو استمرار ما يمكن وصفه بـ"التوتر المُدار"، أي تنفيذ إسرائيل ضربات نوعية في العمق السوري لمنع أي تموضع تركي، مقابل ردود تركية غير مباشرة، سياسية أو عبر قنوات الحلفاء المحليين. أما سيناريو التصعيد المحدود، فيظل ممكناً في حال أُصيب جنود أتراك أو تم استهداف منشآت تركية بشكل مباشر، فقد يتطور الوضع نحو تصعيد محدود يشمل ضربات انتقامية أو تحريك وكلاء محليين. بينما يبقى سيناريو الحرب الشاملة مستبعداً ما لم تطرأ تطورات دراماتيكية، مثل انهيار التفاهمات الروسية– الإسرائيلية في شأن سوريا، أو حدوث تفاهم تركي– إيراني عسكري علني داخل سوريا يتجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية، وفي تلك الحال، فإن إسرائيل قد تتجه إلى سياسة "الضربات الوقائية" المتكررة، ما يُدخل المنطقة في حال استنزاف دائم.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة "رويترز" في الرابع من أبريل (نيسان) الجاري، فإن "القواعد التي قصفتها إسرائيل كانت ضمن مواقع قيد التفاوض بين أنقرة ودمشق لاستخدامها ضمن اتفاق تعاون دفاعي مؤقت". وأشار مصدر دبلوماسي للوكالة إلى أن "تل أبيب رأت في هذا التطور تهديداً استراتيجياً محتملاً، خصوصاً مع تزايد التنسيق بين أنقرة وموسكو". ومن وجهة نظر أخرى أشار تقرير لـ"معهد ستراتفور" الأميركي، مارس (آذار) الماضي، إلى أن "الوجود التركي المتزايد في مناطق وسط سوريا يهدف إلى كبح النفوذ الإيراني، لكنه يثير في الوقت نفسه توجساً إسرائيلياً من إمكان تبدل التوازنات الاستراتيجية".
أيضاً في السياق، وبحسب تقديرات مركز "بيغن- السادات" للدراسات الاستراتيجية، فإن احتمال اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا لا يتجاوز 20 في المئة بالمدى القصير، بينما تصل احتمالات التصعيد غير المباشر أو عبر أطراف ثالثة إلى 55 في المئة. ويفسر المركز ذلك بوجود مصالح اقتصادية وجيوسياسية مشتركة بين الطرفين تمنع الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.
من يملأ الفراغ الأميركي؟
يقول الباحث السياسي التركي في مركز "تركيا الجديدة" علي أسمر، لـ "اندبندنت عربية" إن "التصريحات التركية والإسرائيلية الأخيرة تؤكد بوضوح رغبة الطرفين في تجنب أية مواجهة مباشرة على الأراضي السورية، إدراكاً منهما للتبعات الجيوسياسية والعسكرية الخطرة لمثل هذا التصادم، والتي قد تتجاوز قدرات كلا الطرفين على احتوائها. وعلى رغم هذا الحرص المشترك على تفادي التصعيد، فإن ذلك لا يُفهم على أنه تراجع تركي عن أهداف استراتيجية في سوريا، بل على العكس، فإن أنقرة تعتبر أن موقع سوريا الجغرافي المحاذي لها يجعل من التعاون مع دمشق– سواء في الإطار الإنساني أو الأمني أو العسكري أو حتى التجاري– ضرورة لا خياراً. ومع الإعلان عن التوجه الأميركي للانسحاب من مناطق شمال وشرق سوريا، تبرز تركيا باعتبارها الدولة الأكثر قدرة وجاهزية لملء هذا الفراغ. فهي لا تمتلك فقط القرب الجغرافي، بل وأيضاً شبكة تحالفات محلية، وتأثيراً مباشراً على القوى الفاعلة في الشمال السوري، وخبرة طويلة في إدارة الملفات السورية الميدانية والدبلوماسية".
ويتابع الباحث التركي، أن "من المرجح أن نشهد في المرحلة المقبلة انطلاق مشاورات ومفاوضات ثلاثية أو رباعية، تضم تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، وربما تشارك فيها الحكومة السورية الجديدة، بهدف إعادة ترتيب أوراق النفوذ والتواجد في سوريا بعد الانسحاب الأميركي. هذه المحادثات، إن تمت، ستتناول ملفات حساسة كإعادة الانتشار العسكري، وأمن الحدود، ومصير الفصائل المسلحة، وآليات ضبط الأمن المحلي، ومستقبل الإدارة الذاتية الكردية".
ومن وجة نظر علي أسمر، فإن "تركيا ستسعى في هذا السياق، لتثبيت ثلاثة أمور رئيسة هي، ضمان أمنها القومي ومنع تشكّل كيان كردي مسلح على حدودها الجنوبية، والاستمرار في لعب دور محوري بمستقبل سوريا السياسي والإداري، إضافة إلى منع القوى الأخرى كـ(قسد) أو (داعش) أو إسرائيل أو إيران من ملء الفراغ الأمني بعد الانسحاب الأميركي. بالتالي، فإن تركيا لا ترى في تفادي الصدام مع إسرائيل تنازلاً، بل تمهيداً لمفاوضات أكثر شمولاً تهدف لإعادة رسم موازين القوى في سوريا والمنطقة".
الأمن والاستثمار في التغيير
من جهة أخرى، يقول مدير "المركز اللبناني للأبحاث والدراسات" الباحث حسان قطب، لـ "اندبندنت عربية"، "لمسنا الموقف السلبي من إيران ومحورها وبخاصة (حزب الله) و(الحشد الشعبي) من القيادة السورية الجديدة. وجاء هذا التغيير نتيجة لقرار أميركي تم تنفيذه بإدارة تركية وتمويل ورعاية عربية وانكفاء روسي واضح عن التدخل لحماية النظام، وأيضاً عجز إيراني بالغ عن متابعة الانخراط في حرب طاحنة ومتواصلة ومرهقة مالياً وبشرياً لنظام طهران وأدواته في المنطقة. لكن اللافت كان الانهيار السريع الذي تجاوز التوقعات. كما أن الدول المجاورة لسوريا كلها معنية بالتغيير الذي حصل على مستوى إدارة دمشق وفهم طبيعة النظام الجديد ودوره المستقبلي".
ويتابع قطب، "لكن إسرائيل المعني الأول بالملف السوري، مع استمرار احتلالها وضمها لمرتفعات الجولان، والشعور الإسرائيلي بالاستقرار على الجبهة الشمالية مع سوريا نتيجة التزام نظام الأسد الأب والابن بعدم فتح جبهة على الحدود، أو حتى السماح بأية خطوة تهدد الهدوء على هذه الجبهة. وكل هذا قد يتغير مع الإدارة السورية الجديدة".
برأي قطب، فإن "تركيا من جهتها تريد الاستثمار في التغيير السوري، والانتقال من حال الحرب والفوضى لضمان عودة اللاجئين السوريين، وهذا الملف يشكل عبئاً كبيراً على تركيا، وكذلك لمواجهة حال الاستقلال المحدود للمكون الكردي تحت الإشراف الأميركي في شمال شرقي سوريا، بما يهدد استقرار جنوب تركيا الذي تقطنه غالبية كردية، وكذلك لمنع حزب العمال الكردستاني من استغلال قدرات قوات (قسد) الكردية لتطوير قدراته وتهديد الأمن في تركيا، وفوق كل هذا سوف تستفيد تركيا من أسواق سوريا ومن الاستثمار في ثرواتها، والتخلص من الوجود الإيراني الذي بات يطوقها من ثلاثة محاور. إضافة إلى ذلك ستعود لتركيا القدرة على التواصل التجاري والسياحي مع العالم العربي عبر البوابة السورية، والأردن، وصولاً إلى دول الخليج وأيضاً إلى دول شمال أفريقيا عبر ميناء العقبة ومصر".
وفي ظل تصاعد التوترات الداخلية في تركيا، ومع اعتقال شخصية بارزة كأكرم إمام أوغلو، تزايدت التساؤلات حول خلفيات هذه الخطوة وتوقيتها، وربط البعض بين ما يحصل في الداخل التركي والتوتر الحاصل بين أنقرة وتل أبيب على الأراضي السورية. وفي ما تبدو القضية في ظاهرها شأناً تركياً داخلياً يرتبط بصراع طويل بين المعارضة وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم، فإنه لا يمكن تجاهل البُعد الإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل تزايد الحديث عن أدوار استخباراتية وتقاطعات مصالح بين قوى إقليمية.
في هذا السياق يبرز سؤال جوهري، هل لإسرائيل علاقة بالأحداث الأخيرة في تركيا؟ وهل يمكن أن تكون تل أبيب قد استفادت أو حتى أسهمت بطريقة غير مباشرة في تصعيد هذا المشهد السياسي؟ وما مدى واقعية الربط بين ما يحدث في أنقرة وما تخطط له إسرائيل في المنطقة؟ وهل لها علاقة بالأحداث الأخيرة في تركيا على خلفية اعتقال أوغلو؟
تتحدث تقارير عدة عن نشاط استخباراتي إسرائيلي متزايد في تركيا، لا سيما مع انخراط أنقرة في ملفات إقليمية حساسة مثل فلسطين وليبيا وسوريا. وتعمل إسرائيل بالتعاون مع أطراف غربية على مراقبة المشهد التركي عن كثب، خصوصاً داخل المعارضة. ومع تصاعد الاضطرابات، لا يُستبعد أن تسعى بعض الأجهزة الخارجية إلى التأثير غير المباشر في مسار الأحداث، سواء عبر تسريبات إعلامية، أو دعم مراكز أبحاث وصناعة رأي تخدم أجندات محددة.
"تحميل إسرائيل المسؤولية هو لتحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية للصراع الداخلي التركي"، هكذا يشير الباحث التركي علي أسمر، موضحاً أنه "على رغم ترويج بعض الأطراف لرواية تحمّل جهات خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، مسؤولية ما يجري على الساحة السياسية التركية، وخصوصاً في ملف أكرم إمام أوغلو، فإنني لا أرى في هذا الطرح ما يدعمه من أدلة ملموسة أو منطق سياسي رصين".
ويتابع "نعم، لا يمكن إنكار أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) حاول في أكثر من مناسبة تنفيذ أنشطة استخباراتية داخل تركيا، وأثبتت السلطات الأمنية التركية كفاءتها العالية في تتبع وتفكيك هذه الشبكات. فخلال السنوات الأخيرة، أُعلن عن اعتقال عديد من الخلايا المرتبطة بالموساد، بعضها كان يستهدف شخصيات أجنبية أو يعمل على جمع معلومات حساسة تتعلق بالجاليات الفلسطينية داخل تركيا. وهذه العمليات تؤكد أن العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، على رغم ما يعتريها من تنسيق أمني غير معلن في بعض الملفات الإقليمية، لا تزال تحمل أبعاداً من الشك وعدم الثقة المتبادل. مع ذلك، من غير الدقيق بل من المستبعد الربط بين هذا الصراع الأمني الخفي، وبين التطورات الداخلية المحيطة بأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الكبرى. فملف إمام أوغلو، بتعقيداته السياسية والقضائية، يندرج أولاً وأخيراً ضمن السياق التركي المحلي، وهو انعكاس للتجاذبات بين التيارات السياسية التركية، سواء داخل المعارضة أو في مواجهتها مع الحزب الحاكم. كما أن الحديث عن تدخل خارجي وتحديداً من قبل إسرائيل في هذا الملف، يفتقر إلى الدليل حالياً، ويبدو أقرب إلى نظرية المؤامرة التي تُستخدم أحياناً للتشويش أو تحويل الأنظار عن الأسباب الحقيقية للصراع".
إسرائيل لا تثق بالإسلاميين
يرى الباحث حسان قطب أن "إسرائيل الدولة الدينية، التي لا تثق بالإسلاميين في سوريا كما في فلسطين، والتي تقاتل حركة (حماس) منذ أكثر من سنة ونصف في قطاع غزة كما في الضفة الغربية، أكدت أنها تشك بقيادة الإدارة الجديدة في سوريا التي يقودها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، كما أنها لا ترغب في التمدد الأمني والعسكري التركي على الأراضي السورية، وبدأت بحملة تدمير شاملة منذ اليوم الأول لكل مخزون الأسلحة التي تركها نظام الأسد، وبخاصة الأسلحة الثقيلة من طائرات ومدرعات وأسطول بحري، والهدف المعلن هو حرمان النظام الجديد من إمكانية استخدامها في أية حرب مقبلة. كما عملت على زرع القلق والخوف في نفوس الأقليات السورية، تماماً كما كانت الحال خلال الوجود الإيراني، من خلال إعلان استعدادها لحماية الدروز في السويداء، والتحالف مع الأكراد في شمال سوريا، ولكن المشروع حتى الآن لم ينجح".
ويتابع قطب أنه "مع تطور التفاهمات بين الإدارة الجديدة وأكراد ودروز سوريا وحتى مع العلويين الذين فشلت انتفاضتهم ولم تتدخل إسرائيل كما روسيا أو إيران لدعمهم كما توقعوا أو أبلغوا، تقول إسرائيل لتركيا إن الوجود التركي في سوريا هو إيجابي، طالما أنه يضبط الأمن في الداخل السوري، ويساعد في إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي وليس العسكري الذي قد يهدد أمن إسرائيل مستقبلاً. وهنا يأتي الدور الأميركي الضامن والضابط للأداء التركي، التي هي عضو في حلف الـ(ناتو)، كما للتحرك الإسرائيلي الذي لا يخرج عن الإرادة الأميركية الراعية للاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، والتي لن تسمح بوقوع حرب بين الطرفين على الأراضي السورية. إذ قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن بلاده لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا، وذلك بعد أن قوضت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية هناك قدرة الحكومة السورية الجديدة على ردع التهديدات. وفي مقابلة مع وكالة (رويترز) على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العاصمة البلجيكية بروكسل، ذكر فيدان أنه إذا كانت الإدارة الجديدة في دمشق ترغب في التوصل إلى تفاهمات معينة مع إسرائيل، فهذا شأنها الخاص".
ويتابع قطب أن "تصريح فيدان هذا يعطي إشارة تركية ضمنية بموافقة تركيا على تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وإضافة إلى ذلك فإن هذا الكلام يعطي الطمأنينة لإسرائيل لأن هذا ما تريده بالفعل، أي وجود دول ضعيفة تحيط بها ولا تشكل لها أي تهديد أمني. كما أن الصراع في الداخل التركي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، هو صراع سياسي على مستقبل تركيا ولا علاقة مباشرة لإسرائيل به، وإن كانت قد تستفيد أو تتمنى حدوث تغيير في القيادة التركية بالشكل الديمقراطي. ومع هذا فإن إسرائيل تنوي فعل كل ما يلزم لمنع إنشاء محور إسلامي سني بديل عن المحور الشيعي الذي كان قائماً في سوريا، وذلك وفقاً لما ذكرتة صحيفة (يديعوت أحرونوت)".
والخلاصة، في بلدٍ تتقاطع على أرضه الحسابات الدولية والإقليمية، تظل سوريا ساحة مفتوحة على احتمالات متباينة. وعلى رغم أن احتمال الحرب بين إسرائيل وتركيا يبقى محدوداً في اللحظة الراهنة، فإن استمرار الاشتباك غير المباشر وتعدد اللاعبين قد يجعل من أي خطأ تكتيكي شرارة لصدام غير محسوب. سوريا لا تزال أرضاً متحركة تحت أقدام اللاعبين الكبار، وهامش الخطأ في هذه الجغرافيا المشحونة بالتحالفات الهشة والخطوط الحمراء المتقاطعة يظل كبيراً. وما لم تُفعّل قنوات التهدئة الإقليمية والدولية، فإن الانفجار، ولو المؤقت، سيبقى احتمالاً قائماً. فهل يبقى التوتر ضمن حدوده، أم أن الأرض السورية ستشهد فصلاً جديداً من المواجهة الإقليمية؟