على الرغم من أن الأسبوع الحالي في بيروت لم يشهد إضرابات كما لوّحت مختلف النقابات والقطاعات الحيوية، الا أن الأزمة تبقى مؤجلة بانتظار حلول فعلية، فتعميم مصرف لبنان الذي أرسى أسساً ثابتة لتوفير الدولار لمستوردي السلع الأساسية، يبقى بانتظار إقرار آلية للعمل تدخل المصارف في صلبها، وبالانتظار يبقى المعنيون على الوعد، فيما يتجه التجار والمستوردون الذين لم يشملهم التعميم إلى التصعيد.
مع بداية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وعلى وقع التلويح بالإضراب والتحذير من نفاد مخزونات المواد الأولية الأساسية، أصدر مصرف لبنان التعميم الوسيط رقم 530، الذي أجاز بموجبه للمصارف فتح اعتمادات مستندية، مخصصة حصراً لاستيراد المشتقات النفطية والقمح والأدوية، والطلب من مصرف لبنان تأمين قيمة هذه الاعتمادات بالدولار الأميركي بشروط مشددة وآلية تفرض على المستورد تأمين 100% من قيمة الفاتورة بالليرة اللبنانية و15% من قيمتها بالدولار (ما يعني 115 في المئة من قيمة الفاتورة)، لتأمين تحويل قيمة المستوردات من الليرة إلى دولار بالسعر الرسمي الذي حدده مصرف لبنان عند 1507.5 ليرة لبنانية.
وبرّر مصرف لبنان تلك الآلية، بأنها تحدّ من الاستيراد غير الضروري، وهنا الغمز من قناة التهريب إلى سوريا، كما أنها تمنع المستوردين من استغلال المصرف عبر استيفاء فوائد على أموال ما زالت في حساباتهم وسحبت من المركزي عبر المصارف.
آلية لم تشفِ غليل التجار في ظل مطالبة بآلية تنفيذية واضحة وتحفّظ على بند تأمين كامل التمويل مسبقا، فيما عمليات الشراء والتسديد تتم على مراحل وبحسب بنود الاعتمادات المفتوحة.
المطاحن تحذر من نفاد المخزون الاستراتيجي
في المقابل، تطلّ أزمة الرغيف برأسها مجدداً لتهدد قوت الفقير كما الغني، فنقابة مستوردي الطحين والمطاحن حذرت من أنها توقفت عن استيراد كميات جديدة لعدم قدرتها على توفير الدولار.
ويقول بول منصور، أحد أعضاء النقابة، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن المطاحن لجأت في المرحلة الماضية إلى مخزوناتها الاستراتيجية التي بدأت تنفد وتكاد تكفي لشهر أو شهر ونصف.
ويوضح منصور أن ثمة مصاعب جمة تعاني منها المطاحن حاليا ولا يلحظها تعميم مصرف لبنان الذي أمّن الدولار للاستيراد المقبل، فيما للمطاحن أموال في السوق تستوفى بالليرة وعليها تسديد ثمنها بحسب العقود والاعتمادات بالدولار.
وفي ظل لجوئها إلى أسعار صرف السوق التي وصلت إلى 1600 ليرة للدولار، عمدت إلى رفع أسعار الطحين.
إجراء استنفر اتحاد نقابات المخابز والأفران الذي اعترض ورفض ارتفاع سعر طن الطحين بمعدل 30 ألف ليرة لبنانية، أي 20 دولارا، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة على الجميع، ودعا الاتحاد إلى معالجات رسمية سريعة منعا لرفع أسعار الخبز أو الإضراب عن العمل.
المحروقات أزمة متفجرة مؤجلة
وفي سياق متصل، يوضح نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط، جورج فياض، أن الشركات تعاونت على نزع فتيل إضراب موزعي المحروقات ومحطات البنزين مع رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي تعهد للمستوردين أن يؤمن لهم الدولار مقابل عمليات البيع التي تتم حاليا من مخزوناتهم بالسعر الرسمي، فيما رحبّت النقابة بتعميم مصرف لبنان، لكنها ما زالت تنتظر آلية واضحة للتمويل.
فمستوردو النفط لا يمكنهم تأمين 115 في المئة من قيمة البضائع قبل استيرادها وبيعها وعند فتح أي اعتماد، وهم حاليا يؤمنون السوق من مخزوناتهم الحالية التي تكفي 3 أو 4 أسابيع على أبعد تقدير.
وتنتظر نقابة مستوردي النفط ما ستؤول إليه المحادثات وتكلفة التمويل الذي ستفرضه البنوك لتعقد بعدها اجتماعا مع وزير المالية لرفع أسعار المحروقات تفادياً لتكبد الشركات الخسائر.
نقص في إمدادات الدواء
في المقابل، يعاني مستوردو الأدوية من عدم توفر الدولار بالسعر الرسمي لسداد مستحقاتهم من الأدوية المستوردة، وهم كما باقي المستوردين يلجأون إلى مخزوناتهم الحالية.
وبحسب نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، فإن التعيمم فتح بابا للنقاش وقد يكون قد أمّن الحل لعمليات الاستيراد اللاحقة، ولكن مستوردي الدواء في وضع مأزوم حاليا كونهم لا يجدون العملة الأجنبية بالسعر الرسمي لسداد مستحقات أدوية كانوا قد طلبوها ووصلت أو هي في طريقها إلى لبنان.
كما بيّن جبارة أن مستوردي الأدوية لا يقومون بعمليات الاستيراد عبر اعتمادات، وإنما عبر تحويلات مصرفية، وهي ما لم يتم لحظها في التعميم الأخير لمصرف لبنان.
ويوضح جبارة أن المخزون يكفي لشهرين أو 3 على أبعد تقدير، والأهم في كل ذلك أن التجار توقفوا عن وضع أي طلبات قيد التنفيذ منذ أسابيع، وفي قطاع الدواء فإن أي طلبية جديدة تحتاج لما بين 3 أو حتى 4 أشهر لتصنيعها، ومن هنا التحذير بالوصول قريباً إلى نقص للدواء في الأسواق اللبنانية.
هي إذاً حال من عدم اليقين تسود الأسواق اللبنانية، وإذا كان التعميم المنقذ للسلع الأساسية لم يلقَ طريقا إلى التنفيذ بعد، فالتجار المستوردون لسلع لا تقل أهمية كالأرز والسكر والزيت يرفعون الصوت، فيما أصبح شبه مؤكد أن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية ورغم تدخل مصرف لبنان سيترجم ارتفاعا في الأسعار ونقصا في الإمدادات بانتظار حلول فعلية حكومية تعيد الحياة إلى الاقتصاد المتهاوي.