Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بروكسل وويستمنستر لن ينجرّا إلى لعبة جونسون العقيمة

في هذه اللحظة الأخيرة من المهزلة العظمى، كانت لمسة بارعة من مؤلفها أن يعجز خطيب (رئيس) البرلمان عن الكلام، فقد فقد جون بيركو صوته بالكامل

يتنافس عمدة لندن بوريس جونسون في شد الحبل في لندن، إنجلترا ( غيتي)

عجز رئيس مجلس العموم عن إخراج كلمات "بيان من رئيس الوزراء" ليتبعه الأخير ناهضا من مقعده.

ظل المشهد المتكرر لانتحار بريطانيا المعروض بالحركة البطيئة، منذ سنوات، أكثر أنواع الدراما الكوميدية السريالية شعبيةً في العالم، والآن كل التقريظ يجب أن يذهب فعلا إلى كتّاب السيناريو لانهم وجدوا خيوطا جديدة استطاعوا من خلالها تطوير نسيج الحبكة الأساسي بشكل منقطع النظير، موسما بعد موسم بعد موسم.

وفي هذه اللحظة الأخيرة من مهزلة رفيعة المستوى، كانت لمسة عبقرية أن يكون خطيب (رئيس) البرلمان عاجزا عن الكلام، إذ فقد جون بيركو قدرته على الكلام بالكامل.

وها هو بوريس جونسون يقدم ما يُفترض أن يكون اختراقا  للمأزق بصيغة مقترحات جديدة لبريكست. لكنها في حقيقة الأمر لم تكن تبشيرا بتحقيق اختراق، يفسد ما تقدم حتى الآن من هذا المسلسل، وهو يشبه كوميديا "جزيرة جيليان" المقلمة بقسوة سيكولوجية أكثر.

وعلى الرغم من ذلك، أن يكون رئيس البرلمان عاجزا فعلا عن الكلام الآن، فإن ذلك يجعل من هذه اللحظة الأكثر عدمية في المسلسات الدرامية حتى يومنا الحالي.

هل كان جون بيركو قد استيقظ في لحظة فقدان صوته من حلم مقلق، يصور بطريقة مجازية العذابات الناجمة عن عملية بريكست كثيرة التعاريج؟ أو هو قد أصيب برشح فقط؟ من يمكنه معرفة ما أصابه حقا؟

في كل الأحوال، لم يكن هناك عنصر شيق في حبكة بريكست الدرامية سوى صوت بيركو المختنق، لذلك كان هناك أسى حقيقي لدى المشاهدين المنتظمين.

يمكن القول إنه ليست هناك قصة حب يمكن أن تمر بمنعرج غير متوقع كهذا منذ أن قاد "تودفيش" بسيارته، في مسلسل "الجيران" (نيبورز) الأسترالي عروسه "دي" من فوق المنحدر عند عودتهما من حفل زفافهما، لكنها مع ذلك عادت بعد 13 سنة بصفة أختها الشريرة لتنجح في خداعه وأخذ مدخراته، لذلك فإنه ما زال هناك أمل بعودة الحياة لمسلسل بريكست.

خلال ساعتين طويلتين غير مجديتين من الأسئلة لم يرتفع صوت بيركو ولا مرة بكلمته المشهورة "نظام" (أوردر)، فهو ليس الشخص الأكثر وعيا لذاته، لكن يبدو أنه أدرك عقم سعيه لفرض سلطته على قاعة يجلس فيها أشخاص يبغضونه أشد البغض، حين يبدو صوته وكأنه قادم من جوف جد "دارث فادر" الثمل في سلسلة أفلام "حرب النجوم".

في لحظة محددة، حاول طرد الشخص الذي يتكون اسمه من ستة مقاطع صوتية: "السير جيفري كليفتون- براون" (نعم، لقد عاد وهو متشوق للطرد بعد طرده من مؤتمر حزب المحافظين في اليوم المخصص للقانون والنظام).

وبدا كأن مجرد ذكر اسمه قد تطلب حوالي عشرين دقيقة، بينما تسببت ارتعاشات صوت بريكو الجهير لتهز زجاج نوافذ مبنى كان من المفترض التخلي عنه قبل مائة سنة، لأنه من دون شك غير آمن.

أما جونسون، فقد تحدث بنبرة أكثر اعتدالا، وكأنه يسعى إلى التماس كل أعضاء البرلمان، وهذا شيء جيد لأنه لو سارت الأمور كما يشتهي لكان المبنى مغلقا حتى الآن.

بالطبع كان كل شيء في هذه المسألة مهزلة، فما يحدث حاليا هو أن بوريس جونسون جاء باقتراحات جديدة تخص بريكست، يمكن نظريا تمريرها عبر البرلمان، لذلك فإنه حين يرفضها الاتحاد الأوروبي دون شك، يكون هو الملوم.

الاقتراحات في جوهرها تبدل الحدود الصلبة في آيرلندا بجعل مسافة بين طرفيها تبلغ ما بين ميلين وعشرة أميال. لذلك فلن تكون هناك "بنية تحتية على الحدود" وبدلا عن ذلك ستكون هناك مسافة خمسة أميال في كلا الاتجاهين.

من جانبه كان "الحزب الاتحادي الديمقراطي" البروتستانتي في  آيرلندا الشمالية راضيا على المقترح كما هو الحال مع ستيف بيكر والجناح المضطرب تماما في حزب المحافظين. لكن بينما كان جونسون يتكلم، رفض الاتحاد الأوروبي وأيرلندا المقترحات معتبرَين إياها "غير قابلة للتطبيق" و"غير واقعية". وقال مسؤولون كبار في برلمان الاتحاد الأوروبي إنه ليس هناك أي احتمال بالموافقة على شكل مقترحاته الحالية.

وراء جونسون بصفين كانت تيريزا ماي جالسة. وخلال ساعتين، كان حاجباها يرتفعان وينخفضان في أربع مناسبات على الأقل، وهو نوع من موسيقى حقيقية تعبر عن المشاعر الإنسانية.

أشارت آنا سوبري بطريقة موجزة إلى ما كان واضحا بشكل مدهش، فحسب رأيها كل ما فعله جونسون هو التوصل إلى "اتفاق مع الحزب الاتحادي الديمقراطي ومجموعة البحث الأوروبية (المحسوبة على أقصى اليمين)"، في حين أن اتفاق ماي قد لا يضم هؤلاء إلى جانبها لكن يمتلك امتيازا على مقترح جونسون يتمثل في وقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانبه.

إنه لمن الصعب إيجاد حل يوافق عليه مجلس العموم، حتى لو امتنعنا عن  التفكير في ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيوافق عليه أو يرفضه. ليس الأمر معقدا على الإطلاق، هناك عشرات من الخيارات الأخرى.

أنتم تعرفون الآن القوس السردي. فبعد اختراق وهمي للمأزق يأتي الشعور بالخيبة، ثم تمديد البقاء في الاتحاد الأوروبي، وكل اللعبة العقيمة تعود للموسم المقبل. أحيانا، مع بطل جديد، وهذا ما نأمل تحققه.

© The Independent

المزيد من آراء