Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأملات حول الانتخابات الإسرائيليَّة

رئاسة نتنياهو الوزارة المقبلة هي أسوأ الاحتمالات وأكثرها خطورة على فرص تحقيق سلام فلسطيني إسرائيلي

نتنياهو وزوجته أثناء الإدلاء بصوتيهما في الانتخابات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

عقدت إسرائيل انتخابات برلمانيَّة ثانيَّة بعد أسابيع من انتهاء الانتخابات السابقة، إزاء فشل رئيس الوزراء الحالي ورئيس حزب الليكود في تشكيل حكومة، لرفض أفيغدور ليبرمان رئيس حزب بيتنا إسرائيل تأييد نتنياهو لخلافه مع الأحزاب الدينيَّة المتكتلة معه، ومن ثمّ تعذّر حصول الليكود وائتلافه على الحد الأدنى من المقاعد التي تسمح بتشكيل حكومة، وهي 61 مقعداً من إجمالي 120 مقعداً بالكنيست. وجاءت نتيجة الانتخابات الجديدة قريبة جداً من سابقتها، وإنما شهدت أيضاً بعض الاختلافات الملفتة والمهمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أولى نقاط التشابه أن النتيجة لم تُحسم لحساب أي من الأحزاب، التي حظيت بالنصيب الأكبر من الأصوات.

وثاني نقاط التشابه أن قائمتي اليمين المتشدد برئاسة نتنياهو الليكودي، واليمين الوسطي بما في ذلك عدد من "أمراء" الليكود السابقين حظيا بأعلى نصيب من المقاعد، أي أن التيار اليميني بمشتقاته حصل على أعلى الأصوات.

وثالثاً في ضوء هذه النتيجة أصبح على الرئيس الإسرائيلي ريفلين مرة أخرى اختيار من يكلّفه أولاً بمحاولة تشكيل الحكومة وفقاً لقراءة التيارات المختلفة داخل الساحة الإسرائيليَّة، وقد قرر بالفعل مرة أخرى تكليف نتنياهو بهذه المهمة.

رابعاً: ستكون الحكومة الإسرائيليَّة المقبلة ائتلافيَّة مثل كثير من الحكومات السابقة.

خامساً: لا يزال المجتمع السياسي الإسرائيلي متعصباً وغير قادر على تقبل مشاركة قائمة عربيَّة في الحكومة بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات.

أمَّا نقاط الاختلاف، فأهمها وأكثرها إيجابيَّة كان نجاح قائمة الأحزاب العربيَّة المعروفة بالـA-List بالحصول على 13 مقعداً، وهي ثالث أعلى نسبة في القوائم المتقدمة بالانتخابات، لكفاءة وحكمة القيادات العربيَّة الإسرائيليَّة أيمن عودة، وعاصم السعدي، وأحمد الطيبي وغيرهم، وإن كان عليهم جميعاً تقديم الشكر الموصول إلى نتنياهو الذي وفّر الزخم السياسي لمشاركة الناخب العربي عن غير قصد، بخلق مناخ من الاستقطاب الشديد والعنصريَّة ضد العرب.

ونقطة اختلاف أخرى هي فوز قائمة أزرق وأبيض برئاسة اللواء غانتس بأكبر عدد من المقاعد بالكنيست بفارق بسيط عن قائمة حزب الليكود، على عكس الانتخابات السابقة، إذ لم يتجاوز أي منهما 35 مقعداً.

في ضوء هذه النتائج والمؤشرات تدخل إسرائيل مرة أخرى في مرحلة مساومة ومقايضة سياسيَّة بين القوائم المختلفة، ويبدأ نتنياهو أولاً بمحاولة تشكيل ائتلاف برلماني يوفر له 61 مقعداً على الأقل، وترك الرئيس الإسرائيلي له زمام المبادرة في هذا، ووفقاً للنظام الإسرائيلي حتى ما يقرب من نهايّة أكتوبر (تشرين الأول)، على أن هناك صعوبات جمّة لتحقيق هذا الهدف، لأنه يتطلب ضم حزب العمل اليساري إلى الائتلاف، وكذلك ميرتس، وسبق أن أعلنا رفضهما الانضمام إلى ائتلاف برئاسة نتنياهو، كما يتطلب ذلك ضم قائمة ليبرمان العلمانيَّة، التي لها تحفظات واختلافات شديدة مع التيار الديني، رغم أن كليهما يميني التوجه السياسي.

وإذا اُستنفدت المدة الزمنيَّة المتاحة لنتنياهو دون نجاح، يرجّح أن يكلف الرئيس الإسرائيلي غانتس بمحاولة تشكيل الحكومة خلال مدة زمنيَّة مماثلة، بما يعني امتداد تلك المرحلة السياسيَّة الإسرائيليَّة إلى ما يقرب نهايَّة نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل على الأقل، إذا نجح غانتس في تشكيل الحكومة باستقطاب حزب ليبرمان، وكذلك التيارات الدينيَّة، وهناك صعوبة بالغة في تحقيق ذلك لرغبة "أمراء" الليكود السابقين في الخروج من عباءة الأحزاب الدينيَّة، وكذلك لرفض الأحزاب الدينيَّة الدخول في ائتلاف يضم يائير لبيد، وهو أحد مؤسسي حزب أزرق وأبيض.

وإذا تعذّر تشكيل حكومة إسرائيليَّة بعد كل ذلك قد تدخل إسرائيل في عمليَّة انتخابيَّة ثالثة في فبراير (شباط) المقبل، وهو ما لا يرحب به المجتمع الإسرائيلي الذي أُرهق من مهاترات السياسيين، ويخشاه الفائزون أو المتقدمون في الجولات الأخيرة، ما قد يدفع عدداً منهم وكذلك الأحزاب الصغرى إلى القبول بحكومة وحدة وطنيَّة، أساساً بين قطبي اليمين. إنما المشكلة هنا في رفض حزب أزرق وأبيض المشاركة في حكومة برئاسة نتنياهو، ورفض رئيس الوزراء السابق الدخول في ائتلاف لا يتولى الرئاسة الأولى فيها، حتى إذا كانت بالتناوب، حمايَّة لنفسه من القضاء الإسرائيلي الذي ينظر في عديد من الاتهامات القانونيَّة.

والخلاصة، الأوضاع السياسيَّة الإسرائيليَّة غير مستقرة، ولا توفر المناخ السياسي الملائم لاتخاذ قرارات سياسيَّة كبرى نحو حل النزاعات التاريخيَّة القائمة في المنطقة، وعلى رأسها النزاع العربي الإسرائيلي، وذلك للاعتبارات التاليَّة:

لا مجال لتحقيق سلام شامل وعادل يحقق للفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم الوطنيَّة إذا نجح نتنياهو في تشكيل حكومة أو فاز في انتخابات برلمانيَّة ثالثة، فهو يميني متطرف لا يؤمن بالحق الوطني الفلسطيني من أساسه، ولا يعتزم الوصول إلى حل مُرضٍ، خصوصاً بالنسبة إلى القدس.

كما أن أي ائتلاف يشكّله سيكون بين اليمين وأقصى اليمين، لذا فليس من المستبعد أن يقدم وعوداً إضافيَّة إلى المتطرفين الإسرائيليين خلال الأسابيع المقبلة، واتخاذ إجراءات لفرض الأمر الواقع على العرب، بما يقضي نهائياً على أي فرصة لتحقيق السلام.

وإذا فشل نتنياهو وأعطيت الفرصة لغانتس ستمتد مدة المسايسة غير الحاسمة أسابيع عديدة أخرى، إلى أن يحظى بتأييد قوائم تعطي له الأغلبيَّة بالكنيست، وهنا من المفيد التنويه إلى أنه إذا كان غانتس أفضل نسبياً من نتنياهو، فتوجهاته ليست نحو اليسار السياسي المؤيد إقامة دولة فلسطين، وإنما هو يميني عسكري، ما يصعّب الوصول إلى حل عادل على أساس الدولتين، إلا إذا تحوّل مثلما تحوّل رابين في الماضي، ولعبت الأطراف الإقليميَّة والدوليَّة أوراقها بحنكة واقتدار.

لن تكون الأمور سهلة في جميع الأحوال، وإن كنت أعتبر أن رئاسة نتنياهو الوزارة الإسرائيليَّة المقبلة هي أسوأ الاحتمالات وأكثرها خطورة على فرص تحقيق سلام فلسطيني إسرائيلي، وتفتح الباب إلى سعي جاد نحو الأمن والاستقرار بالمنطقة.

وتأخر حسم هذه المرحلة من المسايسة الإسرائيليَّة يقلل في حد ذاته من فرص نجاح العمليَّة السلميَّة، لأن إطالة المدة إلى بدايّة العام المقبل تدخلنا في زوبعة الانتخابات الرئاسيَّة الأميركيَّة، والتي اعتدنا أن نشهد المرشحين الأميركيين يتسابقون في اتخاذ مواقف غير متوازنة وشديدة الانحياز لصالح إسرائيل، سعياً لضمان تأييد الجاليَّة الأميركيَّة اليهوديَّة ومؤيدي إسرائيل.

وبعد كل هذه المحاذير وما شملته من قلق وانزعاج أهنئ القائمة العربيَّة الإسرائيليَّة مرة أخرى على نجاحاتها وحصولها على نسبة بالغة الأهميَّة من المقاعد البرلمانيَّة، لتصبح طرفاً مؤثراً في الساحة البرلمانيَّة الإسرائيليَّة، حتى إذا ظلّت مرحلياً خارج الحكومة أمام تزمت بعض أقطاب الأحزاب الأخرى، وأدعوهم صادقاً وملحاً إلى الانغماس في العمل السياسي الإسرائيلي، للبناء على ما حققوه، كما أدعو الأطراف الفلسطينيَّة والعربيَّة بل والدوليَّة إلى دعمهم سياسياً كأطراف داخل المجتمع الإسرائيلي لتطوير دورهم وزيادة وزنهم السياسي، ففي غياب مناخ سلام أو إطار تفاوضي على المدى القريب يسمح بتحقيق الشعب الفلسطيني طموحاته الوطنيَّة المشروعة لا غنى عن تواصل العمل الاستراتيجي طويل الأجل ومن الخارج والداخل.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء