Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مصيدة ثوسيديدس"... هل تسقط الخلافات المالية العالم في فخ الحروب؟

الاقتصاد الدولي قد ينكمش بحجم الناتجين الفرنسي والألماني إذا نشب صراع تجاري شامل

تعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بفرض تعريفات على الواردات الصينية تتجاوز 60 في المئة (اندبندنت عربية)

ملخص

اليوم نتساءل هل انتهي نظام العولمة بالمفهوم الذي كان سائداً، وهل زوال العولمة يفتح الباب أم ولادة حروب تجارية واقتصادية؟ وهل العالم أصبح على شفا حرب تجارية شرسة. أسئلة توجهنا بها إلى محللين رأى بعضهم أن تلك التعريفات ستعصف بالمبادئ التجارية التي تحمس لها العالم في العقود الماضية

بدأ مفهوم العولمة الذي ارتكز على التقدم التكنولوجي في النقل والاتصالات منذ القرنين الـ18 والـ19، يشهد تحولاً كبيراً، فبعد عقود من الهيمنة، تراجعت العولمة التقليدية بسبب الأزمات العالمية، إضافة إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، وهذا التحول أفسح المجال لسياسات أكثر حمائية، إذ تسعى الدول لحماية اقتصاداتها المحلية من المنافسة الخارجية وتقليل اعتمادها على سلاسل الإمداد العالمية.

وحذر صندوق النقد الدولي (IMF) من أن الاقتصاد العالمي قد ينكمش بحجم الاقتصادين الفرنسي والألماني مجتمعين، إذا نشبت حرب تجارية شاملة بين الاقتصادات الكبرى في العالم.

وقالت النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث، إن الصندوق لم يتمكن بعد من تقييم تفاصيل خطط ترمب التجارية، لكنها تعتقد أنه "إذا حدث فصل جاد واستخدام واسع للرسوم الجمركية، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تقارب سبعة في المئة".

وأضافت في تصريح لـ"بي بي سي"، في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، "هذه أرقام كبيرة للغاية، سبعة تعني فقدان الاقتصادات الفرنسية والألمانية. هذا هو حجم الخسارة التي قد تحدث".

ومع تراجع العولمة التقليدية، برزت تكتلات اقتصادية جديدة تسعى إلى تعزيز التعاون الإقليمي، من أبرزها "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة" في آسيا ومجموعة "بريكس"، وهذه التكتلات تقدم نموذجاً جديداً للعلاقات الاقتصادية، إذ تعتمد الدول الأعضاء على تعزيز التعاون في ما بينها بدلاً من الانفتاح الكامل على العالم.

من الواضح أن العولمة لم تعد بنفس الزخم الذي كانت عليه سابقاً، ومع ذلك فإن البديل الذي يظهر اليوم يركز على تشكيل تحالفات اقتصادية إقليمية، لكن في ظل تصاعد الحمائية وسياسات الضغط الاقتصادي، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة من التنافس الاقتصادي الشرس، قد تصل إلى حروب تجارية تؤثر في الاستقرار العالمي بصورة غير مسبوقة.

واليوم نتساءل هل انتهي نظام العولمة بالمفهوم الذي كان سائداً، وهل زوال العولمة يفتح الباب أم ولادة حروب تجارية واقتصادية؟ وهل العالم أصبح على شفا حرب تجارية شرسة. أسئلة توجهنا بها إلى محللين رأى بعضهم أن تلك التعريفات ستعصف بالمبادئ التجارية التي تحمس لها العالم في العقود الماضية، وأن هذه الإجراءات ستعلن ولادة حرب تجارية واقتصادية شعواء، فيما رأى البعض الآخر أن العولمة لن تختفي وربما ملامحها فقط قد تغيرت لكنهم حذروا من أن الحروب التجارية قد تفضي لحروب عسكرية.

ترمب وجعل يد أميركا هي الطولى

قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه، إن ارتفاع مستوى التوتر التجاري المتوقع بين الولايات المتحدة والصين يكمن جزء من أساسياته في الفارق الكبير بحجم التبادل التجاري بين البلدين. وأضاف الطه، أنه بالنظر إلى آخر الأرقام، فإن الواردات الأميركية من الصين عام 2024، حتى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، بلغت 322 مليار دولار، بينما كان الفائض التجاري من التبادل التجاري بين البلدين لمصلحة الصين بفارق بقيمة 217 مليار دولار، مما يعني استمرار العجز في التبادل التجاري الأميركي عام 2024، وهو امتداد للعجز التجاري عام 2023 والأعوام التي سبقت ذلك.

وكان ترمب أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 عن "تعريفات إضافية بنسبة 10 في المئة، فوق أي تعريفات إضافية أخرى" على الواردات من الصين. ولم يكن واضحاً ما الذي سيترتب على الصين من هذا الإعلان، إذ تعهد خلال حملته الانتخابية إنهاء وضع الدولة الأكثر تفضيلاً في التجارة بالنسبة إلى لصين، وفرض تعريفات على الواردات الصينية تتجاوز 60 في المئة وهو معدل أعلى بكثير من التعريفات التي فرضها خلال ولايته الأولى.

وقال الطه، إن التبادل التجاري خلال الولاية الأولى لدونالد ترمب كان أكبر بكثير، إذ تجاوز 500 مليار دولار، وكان العجز التجاري أيضاً كبيراً جداً. وأضاف أن النقطة الأساسية هي أن ترمب عازم مجدداً على الضغط على هذا العجز التجاري من خلال رفع التعريفات الجمركية على الصين.

ويرى الطه أن الصين تعلمت الدرس وسبق لها أن ردت على تعريفات ترمب، لكن باعتقاده لن تكون تهديدات ترمب بفرض مزيد من التعريفات الجمركية على الصين بمستوى القرارات الأميركية السابقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الطه، إن تفوق التنافسية الصينية يعود إلى عقود مضت، أي قبل نحو 50 أو 60 عاماً، عندما كان هناك تساهل في القوانين وحماية الأسرار التجارية، مما أدى على حد قوله، إلى انتقال كثير من الأسرار التجارية والتقنيات إلى الصين، وهو ما أسهم بصورة كبيرة في زيادة تنافسية الصين.

وقال الطه، إن السيناريوهات أمامنا تكاد تكون مفتوحة، مضيفاً "أعتقد أنه بعد 20 يناير (كانون الثاني) الجاري، وهو تاريخ تنصيب ترمب للرئاسة، ستكون هناك إجراءات أميركية لا تقتصر على الصين فحسب، بل ربما تشمل أيضاً الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وحتى على الشركات وحلفاء الولايات المتحدة المقربين منها."

وأضاف الطه، "ما يسعى إليه ترمب هو إبقاء يد الولايات المتحدة هي الطولى والعليا في الاقتصاد العالمي بفارق كبير عن أقرب المنافسين، عبر تقليص العجز، ومحاولة رفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ربما ليتجاوز 30 تريليون دولار خلال فترة حكمه."

نسف العولمة وولادة التكتلات الاقتصادية

وبسؤاله عن الحمائية وما إذا كانت ستشعل حرباً تجارية في العالم، قال الطه، "نقف اليوم أمام مبادئ تجارية عالمية، فكل الإجراءات الأميركية والإجراءات المقابلة من الدول الأخرى التي أتت أو قد تأتي للرد على الإجراءات الأميركية، أتصور أنها ضربت بعرض الحائط المبادئ التجارية التي سبق وتبناها العالم بحماس، بما فيها فتح الأبواب والأسواق والحديث عن العولمة، وأن العالم تحول إلى قرية صغيرة. هذه الإجراءات تضررت منها الدول المتقدمة كما تضررت أيضاً دول نامية كانت تحاول أن تحمي صناعاتها من المنافسة كي تنهض وتخلق قاعدة صناعية وتجارية، لكن هذه المبادئ نسفت في كثير من الدول، إذ كان فتح الأبواب على مصراعيها شرطاً من شروط المؤسسات الدولية لإقراض الدول النامية أو الدول الفقيرة."

ويوضح الطه، "اليوم، مبدأ الحمائية هو السائد، وأصبح واضحاً بكل صوره، سواء بحجة تقليص العجز التجاري أو بحجة دعم الاقتصاد، وغيرها من الأسباب، لقد أصبحت الحمائية جلية، فرفع التعريفات الجمركية هو شكل من صور الحمائية، وبرأيي أن تزايد تبني الحمائية التجارية سيقود إلى حرب تجارية".

الاقتصاد الأميركي قوي والصيني يواجه تحديات

وتوقع الطه أن يكون الاقتصاد الأميركي قوياً عام 2025، محذراً من أن الاقتصاد الصيني سيواجه تحديات هذا العام. وأشار إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية لتحفيز الاقتصاد لم تنجح حتى الآن، والدليل على ذلك أن المؤشر العام لأسعار المستهلك في الصين لا يزال ضعيفاً، وأن غياب النمو في هذا المؤشر يعطي انطباعاً بغياب القوة الشرائية التي تدفع الأسعار إلى الأعلى وتخلق الطلب.

ويعتقد الطه أن نظام العولمة بالمفهوم الذي كان سائداً انتهى، قائلاً "الآن هناك تكتلات اقتصادية واضحة وهي ضد العولمة، فأهدافها مختلفة. وهناك عديد من الأمثلة على التحالفات الاقتصادية الجديدة، لذلك، أرى أنه ينبغي اليوم أن تأخذ السياسات الاقتصادية الوطنية في الدول النامية في الاعتبار مثل هذه التغيرات الجسيمة، وأن تكون الاستراتيجيات الاقتصادية للدول النامية، وخصوصاً في دول المنطقة، أكثر مرونة وقادرة على استيعاب تلك التغيرات الجسيمة."

العولمة لن تنتهي لكن ملامحها في تغير

من جانبها، تؤكد المستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية إلينا سوبونينا، أن العولمة لن تنتهي لأنها ليست مجرد رغبة سياسية بل ترتبط بتطور وسائل الإنتاج والتكنولوجيا، مثل الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول والاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، وهذه العوامل لا يمكن تغييرها بسهولة. وتوضح سوبونينا أن ما تغير هو ملامح العولمة نتيجة الخلافات التجارية والاقتصادية والسياسية، مشيرة إلى أن إنشاء تحالفات جديدة أو تعديل التحالفات القائمة أصبح ضرورة حتمية.

وأضافت، أن التحالفات القديمة ستشهد تغييرات جذرية في إطار الحروب التجارية داخل المعسكر الغربي، ولفتت إلى أن هذه الحروب لم تبدأ مع فوز دونالد ترمب بالرئاسة، بل تعود إلى ما قبل ذلك، إذ تسبب "قانون خفض التضخم" الذي أقره الرئيس جو بايدن قبل عامين في إلحاق أضرار بمصالح المنتجين في أوروبا، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا.

وقالت سوبونينا في تصريحات لها من روسيا، إن الحرب التجارية المقبلة ستكون بين أميركا والصين، ومع ذلك أشارت إلى أن دونالد ترمب سيظل "رجل المفاجآت"، إذ قبل أن ينشب صراع اقتصادي جديداً مع الصين، سيحاول التفاهم معها أولاً.

ترمب وروسيا... حوار ومطبات

وبسؤالها عما إذا كان ترمب سيتجه في ولايته الثانية لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، قالت سوبونينا إن التركيز سيكون على إيجاد حلول سلمية للأزمة في أوكرانيا. وأضافت أن إدارة بايدن فرضت عقوبات جديدة على روسيا وشددت العقوبات القديمة. من الناحية الاقتصادية، أوضحت سوبونينا أن روسيا لا تتوقع انفتاحاً اقتصادياً بسبب فوز ترمب، لكن هناك توقعات بأن يشهد الوضع انفتاحاً سياسياً، وأن يبدأ الحوار بين أميركا وروسيا، وتابعت قائلة، "برأيي أن العلاقات بين ترمب وروسيا لن تكون سهلة، وأتوقع أن تواجه هذه العلاقات بعض المطبات".

الحروب تنشأ بسبب الخلافات الاقتصادية

وتقول سوبونينا، إنه على رغم كل المشكلات القائمة، يرى البعض أن الحروب الاقتصادية أفضل من الحروب العسكرية الفعلية، لكن للأسف، وبسبب الخلافات الاقتصادية، فإن أخطار الحروب العسكرية الحقيقية في تزايد، وهذا ما وصفه المؤرخ الإغريقي القديم ثوسيديدس الذي اشتهر بكتابه "تاريخ الحرب البيلوبونيسية"، إذ تناول الحروب بين أثينا وسبارتا في اليونان القديمة، ومن ثم تناول القضية المؤرخ والمحلل الأميركي غراهام أليسون في كتابه الشهير "مصير الحرب: هل يمكن أن تتجنب أميركا والصين مصيدة ثوسيديدس؟" الذي سماه على اسم المؤرخ الإغريقي.

وتقول سوبونينا، إن مضمون كتاب "مصيدة ثوسيديدس" هو أن الحروب العسكرية تنشأ بسبب الخلافات الاقتصادية، على رغم عدم وجود الرغبة السياسية لشن تلك الحروب، لذا، فإن أخطار الحروب التجارية في تصاعد، لكن ترمب سيحاول أن يتفق مع شركائه وخصومه بطريقة سلمية أولاً.

في كتابه، يحلل أليسون العلاقة بين الولايات المتحدة (القوة المهيمنة) والصين (القوة الصاعدة)، محذراً من أن التاريخ يظهر أن مثل هذه الحالات تنتهي غالباً بصراع. واستعار أليسون مفهوم "مصيدة ثوسيديدس" لتفسير العلاقات بين القوى الصاعدة والقوى المهيمنة، إذ تكون الحرب مهيأة عندما تهدد قوة ناشئة مكانة قوة قائمة.

ووفقاً لدراسته، في 16 حالا مماثلة في الـ500 عام الماضية، انتهت 12 منها بحروب كبيرة، بينما تمكنت أربع حالات فقط من تجنب الصراع من خلال الدبلوماسية والمرونة. ويحذر أليسون من أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين قد تؤدي إلى مواجهة كارثية إذا لم تبذل الجهود الكافية لإدارة العلاقة وتجنب الخطوات التصعيدية، داعياً إلى استراتيجيات جديدة للتعاون والحوار للحيلولة من دون الانزلاق في الصراع، وأصبح مفهوم "مصيدة ثوسيديدس" محوراً للنقاشات في الأوساط السياسية والأكاديمية لفهم الديناميكيات بين القوى العالمية وتجنب تكرار الأخطاء التاريخية.

اقرأ المزيد