ملخص
تعهدت حكومة المحافظين في بريطانيا بإعادة أرخبيل تشاغوس إلى موريشيوس. ومع شروع الحكومة الحالية بتنفيذ هذا التعهد، يسعى بعض السياسيين لاستغلال القضية لتحقيق مكاسب سياسية حزبية.
ها هي إشارة البدء وسيأتي بعدها ارتداء الزي العسكري وعزف نشيد "فلتحكمي يا بريطانيا" وتبختر السياسيين الذين ينبرون للذود عن إمبراطوريتنا.
ربما لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، لكن قرع الطبول أعلى من دون شك ويصاحبه شعور بأن التاريخ يعيد نفسه.
في عام 1982 دار الحديث عن مجموعة جزر في جنوب الأطلسي لم تكن سوى قلة من الأشخاص في بريطانيا قد سمعت عنها، فما بالك باكتراثهم لأمرها.
ظهرت جزر فوكلاند على خرائط المناطق التي نملكها، وهي مجموعة نقاط بعيدة جداً، وكانت بالكاد تطفو على سطح الوعي الوطني فلا يأتي ذكرها إلا في مسابقات المعلومات العامة التي تدور في الحانات حتى تجرأت الأرجنتين على المطالبة بالسيادة عليها مما فتح أبواب جهنم على مصراعيها، حرفياً، فأُعلنت الحرب وأعيدت السيادة على الأراضي، إنما على حساب أرواح وجراح.
ومع ذلك دُونت حرب الفوكلاند في سجلات "المحافظين" باعتبارها إحدى أعظم إنجازات السيدة تاتشر، وجهداً بطولياً أنقذها من هاوية شعبيتها المتذبذبة.
وفجأة في خضم منافسة على منصب القيادة لا يمكن حتى اختصارها بكلمة "باهتة" (انظروا إلى تشكيلة أول حكومة لتاتشر ثم إلى التشكيلة الحالية وانتحبوا) برز إلى الواجهة مستقبل بؤرة استيطانية إمبراطورية غير معروفة.
إن الحكومة بصدد إعادة جزر تشاغوس لموريشيوس، فيما يحاول من يدعون أنهم جبابرة "المحافظين" (هذه دعابة ليس إلا) أن يغتنموا الفرصة.
إنها فرصة لمخاطبة قلب الوطن والشعب ودفع قدامى الجنرالات للتذمر والاحتجاج وملء صفحة الرسائل في صحيفة "تلغراف" إلى الأبد، والأهم أنها فرصة لإعادة إحياء المرأة الحديدية نفسها والخروج للقتال مرة جديدة من أجل بريطانيا والملك تشارلز الثالث.
لذلك سارع توم توغيندات، الذي يملك خلفية في الجيش (وهو ما أصبحنا نعرفه جيداً)، وروبرت جنريك، المعروف بقَصة شعره القصير التي يُرجى منها أن تجعله يبدو قوياً وتضفي عليه هالة من الهيبة، كما في الجيش (لكن وجهه أكثر شحوباً وامتلاء من أن يوقع الخوف في النفوس) إلى القفز على متن الزورق الحربي... "أنقذوا تشاغوس".
إنما ليس من الممكن أن يكون زورقاً من زوارقنا نحن لأن حكومتنا نفسها هي المسؤولة عن هذا الاتفاق، لكن ما نقرأه بين السطور هو أن المطلوب وجود معارضة يقودها شخص يهمه أمر بريطانيا وماضيها المجيد، ولا ضير من أن يكون إما العريف توم أو النقيب روبرت [شخصيتين خياليتين]
لكن تمهلوا فلدينا مشكلة أخرى، إذ إن الجهة التي استهلت محادثات تسليم جزرنا المباركة كانت الإدارة السابقة وهي من "المحافظين".
ثم، يا للفرح، يتبين أن جيمس كليفرلي غير الذكي جداً كان الشخص المسؤول عن الموضوع عندما كان وزيراً للخارجية، نعم صحيح، ليس الرجل سوى المرشح صاحب اللحية الشبيهة باللباد الذي يحاول هزيمة توم وروبرت.
ووفقاً للثنائي اليائس تريد الحكومة ذات الميول اليسارية، بدعم من أصدقائها المحامين الليبراليين من شمال لندن، إضافة إلى جيمس كليفرلي على ما يبدو، أن تعطي تشاغوس إلى دولة مقربة من الصين.
ولكي لا يتفوق عليه أحد، انتقد كليفرلي، الذي يخفي مشاعره الحقيقية وراء لحيته البارزة، الاتفاق ــ الاتفاق الذي بدأه في عام 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ربما ارتسمت على وجهه ابتسامة باهتة محرجة، ويا ليتنا قادرون على رؤيتها، لكن ذلك غير ممكن بسبب قناع الشعر الكثيف الذي على وجهه.
هكذا إذاً يستطيع كليفرلي هو الآخر أن يلوّح بعلم البلاد تماماً كغيره، ويبدو أنه يرى بأن الاتفاق يشمل نقاطاً أكثر من اللازم، وهو لم يكن ليوقّعه أبداً، طبعاً.
وبعد إحساسهم بأن هذه الحجة غير مقنعة تماماً، يشرح حلفاؤه أيضاً بأن الموضوع لم يكن مسؤولية كليفرلي أبداً، بل هو صنيعة ليز تراس، فقد كانت السيدة تراس رئيسة للوزراء ذلك الحين وهي المُلامة، إنما تمهلوا قليلاً، أليست ليز أشرس خصوم الصين؟ لذلك فإن فكرة خضوعها لبكين في أي موضوع على الإطلاق يبدو غير مرجح، لكن من يهتم لذلك. يمكن للجميع أن يتكالبوا على تراس (وربما يكون هذا بيت القصيد).
لكن المشكلة بالنسبة إلى الثلاثي المتعنت هي الواقع، والواقع هو أن عملية التسليم تحظى بمباركة الولايات المتحدة، صديقتنا المميزة (والوحيدة)، وهذا يجعل من مزاعم وقوف الصين وراء الموضوع صعبة التصديق، ولا شك في أن زوايا نادي كارلتون الغارقة في الظلمة تشهد اعترافات تأتي بعد ثالث كأس من نبيذ بورتو، بأن الولايات المتحدة ليست صديقة الصين.
وعلاوة على ذلك لم تدخل موريشيوس في "مبادرة الحزام والطريق الصينية"، فهي خارج سياسة بكين القاضية باجتياح الأراضي المتنكر على هيئة المساعدات والاستثمارات، وطالما تواصل المملكة المتحدة الدفع لموريشيوس من أجل استخدام القاعدة العسكرية في تشاغوس، فمن غير المرجح أن تقع الدولة - الجزيرة تحت نفوذ الصين.
آه، ألسنا في الواقع نفي بعهد مر عليه نصف قرن من أجل تسليم الجزر على أي حال؟ أليس الموضوع مشابهاً للأراضي الأخرى التي تخلينا عنها والهُدنات الأخرى التي توصلنا إليها، ومنها كثير في ظل حكومات "المحافظين"، كما ترون وتتحسرون، لقد غربت الشمس عن عظمتنا الإمبريالية؟
لكن هذا هو حزب المحافظين، المنظمة السياسية التي تقبع في السلطة منذ زمن أطول من أية منظمة أخرى في العالم، وبهذه الطريقة تحققون هذا الإنجاز.
هكذا تنجحون، فمن يكترث للحقيقة والواقع والقيام بالأمر الصائب؟ إن التفوق على الآخرين هو الأهم. تأهبي يا جزر تشاغوس فنحن قادمون.
© The Independent