ملخص
العجز الطاقي لتونس إلى أواخر أغسطس من هذا العام بلغ 2.4 مليار دولار
يرغب رياض بن غربال في اقتناء سيارة كهربائية للتقليص من كلفة تعريفة البنزين الباهظة في تونس، والابتعاد عن أزمات التزويد وحسن استغلال اللاقطات الشمسية التي جهزها بمنزله لشحن السيارة الكهربائية.
لكن بالمقابل أبدى الخمسيني وصاحب شركة تأمين، نوعاً من التحفظ ويفضل التريث قبل الإقدام على شراء سيارة كهربائية لسببين بارزين، الأول السعر المترفع لهذا الصنف من السيارات، والثاني تواضع البنى التحتية من توافر شاحن السيارات الكهربائية بالعدد الكافي.
ويعزف عدد من التونسيين عن اقتناء السيارات الكهربائية بسبب شبه غياب أجهزة الشحن سواء في محطات بيع البنزين أو توافرها في الأماكن العامة في البلاد أو خارج مناطق العمران لأصحاب السيارات الذين يتنقلون لمسافات بعيدة.
وبحسب بيانات الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة يبلغ عدد نقاط الشحن العمومية المتوافرة الآن في تونس زهاء 100، فيما التوزيع الجغرافي لنقاط الشحن غير متكافئ بين جميع الجهات.
ولئن أقدمت الحكومة التونسية منذ عامين على إقرار إجراءات ضريبية هامة بالضغط على أسعار السيارات الكهربائية التي لا تزال في غير متناول الطبقات المتوسطة والموظفين، فإن البنى التحتية لهذا النوع من السيارات من توافر الشحن وورشات الإصلاح تظل مشغلاً كبيراً لوكلاء بيع السيارات من جهة، وبخاصة للمواطنين الطامحين إلى شراء سيارة كهربائية من جهة أخرى.
ومنذ عام 2022 أقرت الحكومة في قانون المالية إجراءات ضريبية من بينها إعفاء كلي للسيارة الكهربائية من المعاليم الجمركية عند التوريد، وسداد 7 في المئة بعنوان الأداء عن القيمة المضافة عوضاً عن 19 في المئة، وسداد 50 في المئة من معلوم التسجيل الأولي لاستخراج البطاقة الرمادية، و50 في المئة من قيمة معلوم الجولان السنوي.
ويرى رياض بن غربال في حديث مع "اندبندنت عربية" أنه من الضروري مواكبة التحولات الطاقية، والإقدام على شراء السيارات الكهربائية في ظل تذبذب أسعار المواد النفطية خارجياً وداخلياً، غير أنه قال إن أرجأ قرار شراء سيارة كهربائية إلى حين، بخاصة توافر البنى التحتية اللازمة لتفادي أي مشكلات لاحقاً.
كلفة طاقية
تعاني تونس منذ أكثر عقد ونصف من عجز طاقي فادح تعمَق في السنوات الخمس الأخيرة أثر سلباً في توازناتها المالية وجعلها في حالة من التبعية الخارجية والدخول في دوامة توريد المواد النفطية.
وبلغت قيمة العجز الطاقي لتونس إلى أواخر أغسطس (آب) من هذا العام 7.5 مليار دينار (2.4 مليار دولار) ما يعادل أكثر من 80 في المئة من إجمالي العجز التجاري لتونس.
وترى الحكومات المتعاقبة أن التعويل على الطاقات المتجددة يظل ضرورة اقتصادية قصوى للتقليص من العجز الطاقي الآخذ في الارتفاع، في ظل أن قطاع النقل يحتل في تونس المرتبة الأولى على مستوى استهلاك الطاقة باستحواذه على نحو ثلث الاستهلاك الطاقي النهائي وأكثر من 50 في المئة من استهلاك المواد النفطية، كما يحتل القطاع المرتبة الثانية على مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة بأكثر من 25 في المئة من الانبعاثات إجمالاً.
إجراءات جديدة
حرصاً على إعطاء دفع جديد للسيارات الكهربائية وإرساء حلول لمعضلة البنى التحتية، شرعت تونس في اتخاذ إجراءات تشريعية وتقنية ومؤسساتية وأخرى ذات صلة بالتعريفة، لدعم إدراج السيارات الكهربائية ضمن وسائل التنقل في البلاد، وفق ما أعلن عنه كاتب الدولة للتحوّل الطاقي، وائل شوشان، مؤكداً أنه تقرر، على المستوى التشريعي، اعتبار شحن بطاريات السيارات الكهربائية كخدمة، إذ تكون الكهرباء جزءاً من مختلف المدخلات.
وأوضح أن مشروع أمر حكومي جرى إعداده في هذا السياق لتنظيم كل الجوانب المرتبطة بخدمة الشحن بواسطة كراس شروط.
يشار إلى أن شركة الكهرباء الحكومية لها حصرية إنتاج وبيع الكهرباء بأسعار محددة، لكن بفضل القرار الجديد سيسمح لمحطات بيع البنزين أو المحطات الخاصة بيع خدمة شحن السيارات الكهربائية بسعر قد يكون مغايراً عن سعر شركة الكهرباء الحكومية.
تجاوز العقبات اللوجستية
يعمل وكلاء بيع السيارات في تونس على تجاوز العقبات اللوجستية التي قد تحول دون التوسع في مبيعات السيارات الكهربائية وتنفيذ خطة لترويج نحو 5 آلاف سيارة بحلول عام 2025.
للغرض يطالب الوكلاء بإقناع السلطات بتكثيف الحوافز الضريبية وتشجيع استراتيجية الانتقال نحو الطاقة النظيفة، عبر إقرار حزم جديدة من الإجراءات تساعد على تعزيز شبكة محطات شحن المركبات الكهربائية.
ويعرقل ضعف البنى التحتية الخاصة بشبكة شحن المركبات الإقبال على شراء السيارات الكهربائية وتوسع هذه السوق. ويقول المتحدث باسم غرفة وكلاء بيع السيارات مهدي محجوب إن الإقبال على السيارات الكهربائية في تونس لا يزال ضعيفاً جداً مقارنة بدول أخرى، معتبراً أن ضعف البنى التحتية الخاصة بمحطات ومعدات الشحن تقف حاجزاً دون تنمية المبيعات وتنفيذ الخطة المستهدفة لعام 2025.
ويؤكد مهدي محجوب أن وكلاء بيع السيارات تمكنوا إلى حد الآن من تسويق 500 سيارة فقط، مشيراً إلى ضرورة إقرار حوافز ضريبية جديدة لتحسين شبكة معدات الشحن.
ويقترح في هذا الصدد إعفاء توريد السيارات الكهربائية من مجموع الحصة العامة لتوريد السيارات في تونس (نحو 50 ألف سيارة سنوياً)، لا سيما وأن هذا الصنف من السيارات يمثل 10 في المئة فقط من إجمالي الواردات.
وطالب بإقرار إعفاءات ضريبية جديدة لفائدة المستثمرين في تركيز محطات الشحن بهدف توفير الظروف الملائمة لمرحلة الانتقال نحو العربات الصديقة للبيئة.
ويرى المتحدث أن سرعة التحول نحو استخدام السيارات الكهربائية مرتبطة بمدى قدرة المستثمرين على إنشاء شبكة قوية من محطات شحن المركبات الكهربائية، مشيراً إلى أن كل تأخير في تجهيز البنى التحتية يساوي عرقلة لمبيعات السيارات الصديقة للبيئة.
أسعار الشحن ستكون مُحرَرة
من جانبه، أبرز المدير العام للوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة فتحي الحنشي، أن الإجراءات الجديدة المتخذة ذات الطابع المؤسساتي، والتّي تشمل تركيز البنية التحتية المتعلقة بمحطات الشحن وتعميمها على كامل تراب الجمهورية في إطار الأهداف التي رسمتها تونس حتى أفق 2030.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولاحظ أنه عند إنجاز محطات الشحن الخاصة بالسيارات الكهربائية والتي جرى تصنيفها خدمة، فإن الدولة لن تتدخل في تحديد أسعار الشحن بل ستكون محررة تقريباً، وأن سعر الشحن سيحدده المستثمر بحسب معطيات تقنية.
وشدد على أن الدولة ملتزمة بخيار الانتقال الطاقي، كاشفاً أن سيارة كهربائية ثمنها يبلغ 20 ألف دولار عند توريدها فإن الدولة تمنح امتيازات ضريبية تصل إلى 30 ألف دينار (نحو 10 آلاف دولار).
ومن بين الأهداف التي ترسمها تونس للغرض، بلوغ 50 ألف سيارة كهربائية و5 آلاف نقطة شحن كهربائي بحلول 2030 مقابل 500 سيارة و500 نقطة شحن في 2025.