ملخص
يعد الثلث الأخير من العام الحالي بالنسبة إلى الحكومة الجديدة التونسية التي تسلمت مهماتها في سبتمبر (أيلول) الجاري، وفق متابعين اختباراً قوياً في حسن إدارتها لما تبقى من هذا العام من استحقاقات مالية تتعلق بسداد الديون وتوفير المواد الاستهلاكية الأساسية التي تظهر وتغيب من حين لآخر
ينتظر اقتصاد تونس خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة المتبقية من عام 2024، حزمة من التحديات منها ما هو مالي، وما هو استحقاق استهلاكي وما له علاقة بحسن إنهاء تنفيذ موازنة العام الحالي، في ظل إعداد موازنة 2025.
ويعد الثلث الأخير من العام الحالي بالنسبة إلى الحكومة الجديدة التونسية التي تسلمت مهماتها في سبتمبر (أيلول) الجاري، وفق متابعين اختباراً قوياً في حسن إدارتها لما تبقى من هذا العام من استحقاقات مالية تتعلق بسداد الديون وتوفير المواد الاستهلاكية الأساسية التي تظهر وتغيب من حين لآخر.
وفي ظل نمو لا يزال هشاً بل يوصف بالضعيف لا يتخطى واحد في المئة في النصف الأول من العام الحالي، ونسبة بطالة لم تنخفض عن مستوى 16 في المئة مع تعطل الاستثمار الخاص وضعف استقطاب استثمارات خارجية ودولية كبيرة، وستكون أشهر أكتوبر(تشرين الأول) ونوفمبر(تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) حبلى بتحديات جسام.
حسن إعداد موازنة 2025
إلى ذلك، يتزامن الثلث الأخير من العام الحالي في تونس بإعداد مشروع قانون المالية ومشروع موازنة العام الجديد، إذ سيكون على عاتق وزيرة المالية إيجاد الموارد المالية الضرورية، وخصوصاً الخارجية منها لتمويل الموازنة في ظل القطع النهائي للمحادثات مع صندوق النقد الدولي وعدم الرضوخ إلى شروطه.
وفي الأعوام الأخيرة وجدت الحكومات التونسية صعوبات في البحث عن ممولين دوليين للاقتراض منهم لأجل إنهاء هيكلة الموازنة وتمويلها، لذلك لجأت إلى آلية إصدار القروض الرقاعية الوطنية (الاستدانة من البنوك المحلية عبر أذون سندات خزانة) وضغطها على البنك المركزي التونسي لاقتراض الأموال مباشرة منه الأمر المخالف لقانون المركزي التونسي.
وسيتعين على الحكومة أيضاً إحكام التصرف في سداد الديون الداخلية، خصوصاً الخارجية التي حل آجلها، علاوة على الحذر من مسألة أعباء خدمة الدين التي لا تزال في مستويات مقلقة.
أشهر حساسة
وتعليقاً على ذلك، أكد المتخصص المالي بسام النيفر، أن "الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024 ستكون مهمة وحساسة لاقتصاد تونس من الناحية المالية، إذ إن البلاد مقدمة على خلاص ديون خارجية عدة بالعملتين الأجنبية والمحلية".
وأضاف في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "تونس مطالبة بتسديد ما بين 7 و8 مليارات دينار (2.5 مليار دولار) قبل نهاية 2024"، مشيراً إلى أن البلاد وعلى رغم الصعوبات الاقتصادية الكلية وتراجع مؤشرات عدة تمكنت خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي من سداد 53.7 في المئة من ديونها الخارجية.
ولفت النيفر إلى أن "الدولة ستسدد مبالغ كبيرة خلال الثلاثة أشهر المقبلة من 2024"، موضحاً أن تلك الديون تتمثل في رقاع خزانة (أذون خزانة) قصيرة المدى يقدر بـ 4743 مليون دينار (1530 مليون دولار)، إضافة إلى قرض داخلي بالعملة الصعبة يقدر بـ 180 مليون يورو (160 مليون دولار)، و13 مليون دولار سيتم سداده أكتوبر المقبل لفائدة البنوك المحلية، فضلاً عن 500 مليون دينار (161 مليون دولار) قسط ستدفعه الدولة بعنوان لمصلحة البنك المركزي التونسي عن عام 2020.
وأشار المحلل المالي إلى أن الدولة التونسية ستسدد خلال أكتوبر المقبل قرضاً بضمان ياباني بقيمة 50 مليار ين (330 مليون دولار).
وشدد المتحدث في هذا السياق، على أنه لا مجال للحديث عن تخلف تونس في سداد ديونها الخارجية، مشيراً إلى أن عدم تحسن تصنيف تونس يعود إلى عوامل عدة، منها المالية العامة والمردودية الاقتصادية.
ومن جانب آخر تطرق النيفر إلى ارتفاع احتياط العملة الأجنبية لتونس نحو26 مليار دينار (8.3 مليار دولار) أول من أمس الخميس، مما يتيح للبلاد هامشاً مريحاً للتحرك يسهم في تغطية 117 يوماً من الواردات.
كلفة اقتصادية عالية
واعتبر النيفر أن "السياسة التي تعتمدها الدولة حالياً، من خلال سداد ديونها الخارجية في مقابل الاعتماد على السوق المحلية، والمحافظة على دورها الاجتماعي لها كلفة عالية".
وتابع أن "الاقتصاد التونسي تقريباً شبه متوقف ونموه القائم على الاستهلاك تضرر بنسبة كبيرة من التضخم الذي لا يزال في مستويات مرتفعة، عن سبعة في المئة على رغم تراجعه في الأشهر الثلاثة الأخيرة".
وأشار النيفر إلى أن "اختيار الدولة لتلك السياسة له تداعيات سلبية على الاستثمار في القطاعين العام والخاص، مما يقلل من فرص تحقيق نسب نمو جيدة".
وشدد النيفر على ضرورة العمل مستقبلاً أكثر على الطاقات المتجددة والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر والأزرق مع المحافظة على رأس المال البشري والكفاءات التونسية، والاستثمار فيها التي من خلالها يمكن الانتقال من وضعية اقتصادية إلى أخرى أفضل.
الحفاظ على السلم الاقتصادي والاجتماعي
في غضون ذلك، أقرت وزارة المالية ضمن وثيقة تنفيذ موازنة هذا العام بصعوبة المهمة، وأن الأشهر المتبقية من عام 2024 ستكون مليئة بالرهانات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية من أجل الحفاظ على التوازنات المالية والاقتصادية.
وتتوقع الوزارة التونسية تنفيذ موازنة الدولة لعام 2024 من حيث الموارد والنفقات، مع المحافظة على المستويات نفسها المقدرة بقانون المالية الأصلي، خصوصاً في ما يتعلق بعجز الموازنة المتوقع ألا يتجاوز 6.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى ضوء النتائج المسجلة في يونيو (حزيران) من هذا العام وعلى رغم تواصل التداعيات السلبية للاضطرابات الجيوسياسية في العالم وتأثير التغيرات المناخية وتداعياتها في عدد القطاعات الاقتصادية فقد اعتُمدت خطة للحفاظ على السلم الاقتصادي والاجتماعي تكرس التلازم بين البعدين الظرفي والهيكلي وذلك من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور لمختلف المهن في القطاعات غير الفلاحية (الزراعية) وزيادة المنحة المالية المسندة إلى الفئات الفقيرة التي من شأنها الزيادة في الحد الأدنى من الطبقات الدنيا من 180 إلى 240 ديناراً (من 58 إلى 77.4 دولار).
وأكدت أنها لن تقرر أية زيادات على أسعار المواد الأساسية المدعمة والمحروقات، وستواصل اتخاذ الإجراءات الضرورية للتحكم في توازنات المالية العامة، خصوصاً من خلال مواصلة العمل على دعم الموارد الذاتية للدولة.
في مقابل ذلك، ستواصل الحكومة ترشيد نفقات الدعم ومواصلة العمل على التحكم فيها للمحافظة على المبلغ نفسه المحدد بقانون المالية لعام 2024 أي 11.3 مليار دينار أو نحو سبعة في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي.
تدارك نسب النمو الهزيلة
من جانبه، أوضح أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية آرام بلحاج أن "أهم التحديات الاقتصادية المقبلة التي تواجه تونس تتعلق بمد الأسوق بالمواد الاستهلاكية الأساسية التي شهدت شحاً خلال الأعوام الأخيرة، إضافة إلى تفعيل مراقبة مسالك التوزيع وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن".
ولفت في هذا الصدد، إلى أن انخفاض نسب التضخم أمر إيجابي، مستدركاً "لكن لا تزال في مستويات كبيرة ولا يمكن أن يتحملها المواطن التونسي والشركات الاقتصادية".
وتابع أنه "من الضروري أن يتم تدارك نسب النمو الهزيلة في الأشهر المقبلة"، معتبراً أن تحقيق البلاد لنسبة نمو واحد في المئة خلال النصف الأول من هذا العام يظل ضعيفاً جداً ولا يمكن أن يسهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية الكلية، خصوصاً توفير فرص عمل.
وأكد بلحاج أنه "لا يمكن المواصلة وفق نسب النمو المسجلة، بل يجب العودة إلى نسب نمو جيدة، ونأمل أن يكون قانون المالية 2025 قانوناً للانطلاقة الحقيقية لتحقيق نسب النمو المستهدفة".
واعتبر أن النفقات الخاصة بالاستثمار ضمن موازنة 2024 كانت ضعيفة، مما يدل على أن مناخ الاستثمار في تونس تنقصه الإجراءات العاجلة لتكون هناك انطلاقة حقيقية، وهذه تعد أبرز التحديات الآنية التي يجب حلحلتها.
وأردف قائلاً "في ظل عدم وجود نسب نمو جيدة مع ارتفاع نسب التضخم، يجد الاقتصاد التونسي نفسه في وضعية الركود التضخمي وهي وضعية صعبة تستدعي إجراءات شجاعة من الحكومة".