ملخص
هل ينظر إعلاميو التلفزيون إلى نظائرهم في الـ "سوشيال ميديا" على أنهم إعلاميو درجة ثانية، وأنهم أكثر صدقية واحترافية منهم، لجهة إعداد المحتوى وتقديم الأخبار والبرامج ذات الجودة الإنتاجية العالية؟
أصبحت المنافسة بين الإعلام التلفزيوني ووسائل الإعلام الاجتماعية أكثر وضوحاً خلال الأعوام الأخيرة، ولكن يبقى لكل منهما مميزاته وعيوبه ويستهدف جمهوراً مختلفاً بطرق مختلفة، وفي النهاية تتكامل كلا الوسيلتين لتقديم تجربة إعلامية شاملة.
وتعتبر الصدقية أهم مميزات الإعلام التلفزيوني، فضلاً عن التأثير الواسع لدى الفئات العمرية التي لا تستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية بكثرة، كما يوفر مساحة أكبر لتقديم تقارير مفصلة مبنية على الأبحاث، أما عيوبه فهي محدودية الوقت الذي يمكن أن يقيد مدى التغطية، والكلفة الإنتاجية العالية والتفاعل مع جمهور محدود مقارنة بوسائل الإعلام الاجتماعية.
وفي المقابل تبرز مميزات الـ "سوشيال ميديا" كوسيلة للتفاعل الفوري مع الجمهور ونشر المحتوى بصورة أسرع وأقل ثمناً، إضافة إلى ما تتيحه من تنوع كبير في نوعية المحتوى مع أنها تفتقد الصدقية حين يكون من الصعب التحقق من دقة المعلومات وانتشار الأخبار الزائفة، كما أن ثورة المعلومات فيها نتيجة نشر كمّ كبير منها يؤدي إلى صعوبة في التركيز على المصادر ذات الجودة العالية، فكيف ينظر إعلاميو التلفزيون إلى إعلاميي الـ "سوشيال ميديا"؟ وهل يرون فيهم تهديداً لهم أم يعتبرون أنهم كسبوا شهرة من دون بذل أي جهد، بينما هم تعبوا واجتهدوا وثابروا؟ وهل يتعاملون معهم على أنهم إعلاميو درجة ثانية وبأنهم أكثر صدقية واحترافية منهم من حيث إعداد المحتوى وتقديم الأخبار وبرامج ذات جودة إنتاج عالية؟
ضرة شابة وشرسة
داوود الشريان إعلامي مخضرم يتمتع بحضور تلفزيوني عريض وهو يبدو واقعياَ في التعامل مع سطوة إعلام الـ "سوشيال ميديا"، ويقول لـ "اندبندنت عربية"، "نحن نعيش في زمن إعلام الفرد الـ 'سوشيال ميديا' اليوم هي الاتجاه و'الترند' وربما لأعوام طويلة مقبلة، والمواطن الصحافي ليس ظاهرة جديدة لكنه جلس اليوم وراء المنصة وأصبح المراسل والنجم والصحافي والمذيع ويعيش مرحلة ذهبية، ودوره بات مؤثراً في الأزمات والقضايا التي مر بها العالم خلال الأعوام القليلة الماضية، إذ كان صوته أول من يصل ويؤثر".
ويضيف، "على رغم كثرة الرداءة بل حتى التفاهة بقي تأثيره شاهداً على أن هذا هو عصره، وأن الصحافة التقليدية على رغم تطور وسائلها تواجه ضرة شابة وشرسة يصعب توقع تصرفاتها، لكن من الصعب اليوم تكوين رأي نهائي في كيفية تأثير الـ 'سوشيال ميديا' في حرية التعبير والمحافظة على فنون الصحافة ومحتواها المهني من موضوعية واستقصاء، فضلاً عن مستوى اللغة المستخدمة".
وبطريقة كاريكاتورية متهكمة لا يتردد الشريان بالاعتراف بأن إعلاميي الـ "سوشيال ميديا" تمكنوا من منافسة مذيعي التلفزيون إلى درجة أن الأخير بات يبحث عن صورة إلى جانبهم.
ويتابع، "هذا الجيل لا يشاهد التلفزيون وإن شاهده فمن خلال الـ 'سوشيال ميديا' التي غيرت مفاهيم النجم والنجومية، فضلاً عن أنها أعادت رسم خريطة التأثير ومصادره وكيفية صناعة الصحافة واستخداماتها وأساليب إنتاج الأخبار والقصص وطرق نشرها".
وبالمقارنة بين الصعوبات التي واجهت الإعلامي التلفزيوني لكي يثبت نفسه وبين إعلامي الـ "سوشيال ميديا "الذين خطفوا الأضواء من بذل جهد يذكر، يشير الشريان إلى أن مهمته كانت أسهل من الأخرين، بحكم أنه جاء إلى التلفزيون من مطبخ الصحافة.
ويضيف، "في البداية كان ينقصني تعلم مهارة الوقوف أمام الكاميرا وإتقان اللقطة وما يعرف في لغة الإخراج بـ(تمهيد المسرح) والتلفزيون في محتواه ولد من رحم الصحافة، وأنا جئت من الرحم ذاته وهذا ساعدني كثيرًا، ومن يتابع مقدمي البرامج التلفزيونية في العالم سيجد أن الأكثر بقاء ونجومية وتأثيراً هم المصابون بعدوى الصحافة، فضلاً عن أن التقديم على شاشة التلفزيون أو (البود كاست) و (يوتيوب) لا يكتفي بهذه التقنية، بل يحتاج إلى ثقافة وبناء معرفي متنوع وغزير، إضافة إلى القدرة على إتقان السؤال لأن الصحافة في المحصلة هي سؤال، والسؤال يجب أن يكون برقية تحرض على سردية طويلة وثرية".
ويصف الشريان إعلاميي الـ "سوشيال ميديا" بأنهم الجيل الجديد للإعلام الجماهيري، ويردف "أبناء جيلي يرغبون في مجاراتهم والسعي إلى التفوق عليهم، فضلاً عن تقبلهم والاستفادة منهم، ونحن على نحو ما أصبحنا جزءاً منهم، والمثير أن بعض المحسوبين على الإعلام التقليدي أصبحوا اليوم قادة الـ "سوشيال ميديا" ونجومها، والأمثلة كثيرة وبينهم جو روغن وتاكر كارلسون وبيرس مورغن وباتريك بيت ديفيد".
زمن الوجبة السريعة
أما الإعلامي جورج صليبي، وهو مستشار إعلامي ومحاضر في الجامعة الأنطونية ومذيع إخباري، فيقول إن "فكرة اعتبار أن كل شيء جديد أو عصري سيئ ولا يتوافق مع المعايير ليس منطقياً، وأنا مع مقولة أن لكل دولة زمان ورجال، ونحن في زمن الـ 'سوشيال ميديا' ولكن هل إعلامه يراعي الأصول؟ هذا كلام آخر".
ويتابع، "نحن في زمن الوجبة السريعة والمادة التي لا تحتاج إلى عمق وتفكير وكثير من التحليل بل المعلومة السريعة التي تتضمن كثيراً من الإثارة والغرابة، وليس بالضرورة أن يكون فيها كثير من الدقة، بصرف النظر ما إذا كان الأمر جيداً أم لا، وهذه الظاهرة متفشية وليست سليمة تماماً لأنها تفتقد الدقة والمهنية والعمق، ونتيجتها ليست سليمة على الواقع الإعلامي، لكنه واقع قائم لا يمكن أن ننكره أو نقف ضده أو نرفض التعامل معه، بل مجبرون على التعامل معه بأقل أضرار ممكنة".
ولا يتردد صليبي بالجزم أنه يتقبل هذا الإعلام، مردفاً "لا أستطيع الوقوف في وجه الزمن والواقع القائم، ولكنني أتعامل معه بطريقة حذرة تراعي معايير الدقة والمهنية والاحتراف، ولكن لا يمكن التعميم والقول إن جميع إعلاميي الـ 'سوشيال ميديا' درجة ثانية، بل إن بعضهم درجة أولى يحافظون على الرقي وآخرون درجة 10 وما دونها، وهناك من حصلوا على شهرة بصورة سريعة ومن دون معرفة حتى أننا نتساءل لماذا؟ لكنه زمن الـ 'سوشيال ميديا' وكل زمان له معاييره ومقاييسه وظروفه، وهذه هي ظروف هذا الزمن".
وفي المقابل فهو لا يبدي أي تحفظ في السير على خطة إعلامي التلفزيون الذين انتقلوا إلى الـ "سوشيال ميديا"، فكل واحد منهم لديه ظروفه، "ومن الوارد أن أفعل مثلهم لكن بمحتوى يشبهني ويراعي متطلبات الـ 'سوشيال ميديا' من محتوى سريع ومكثف ومباشر ورشة بهارات، حتى لو اقتضى الأمر التخلي عن التلفزيون لأنه ليس التزاماً أبدياً، وأنا أتوقع الاستمرارية لإعلام الـ 'سوشيال ميديا' على المدى المنظور".
وأرجع صليبي السبب إلى أنه "يخاطب الجيل الجديد الذي قطع علاقته تماماً بالتلفزيون وينشئ علاقته معه من خلال الـ(سوشيال ميديا)، خصوصاً أن التلفزيون يستعين بمواقع التواصل للترويج لمحتواه، وأصبحت تصل المادة التلفزيونية لشرائح لا علاقة لها به، ولكن لا يمكن القول إن عصر الإعلام التلفزيوني انتهي، بل ركب الموجة لكي يحافظ على استمراريته وأصبح لكل محطة مواقع التواصل الخاصة بها".
نوع مختلف
الإعلامية اليسار المعلا، وهي مذيعة أخبار ومحاورة ومعدة برامج في التلفزيون السوري منذ عام 2010، تقارن بين تجربتها جيلها وتجربة إعلاميي الـ "سوشيال ميديا" فتقول "مررنا بأعوام تدريب ودورات، وكنا نحلم بالوصول إلى الشاشة، وأول نشرة ظهرت فيها انتظرتها عامين، وأنا أعرف التعب الإعلامي ولكنها أصول المهنة، ومن يرغب بالوصول إلى التلفزيون لا بد من أن يمر بها، ولكن ليس إعلاميو الـ 'سوشيال ميديا'، وفي الأساس هم ليسوا مجبرين على ذلك لأنه نوع مختلف من الإعلام لا أرفضه لأنه موجود وفرض نفسه وله جمهوره، وكثيرون ممن يعملون في المهنة يفكرون بتأسيس منصات خاصة بهم لأنه أصبح حاجة".
وتضيف، "لكن إعلام الـ 'سوشيال ميديا' لن يلغي الإعلام التلفزيوني أو الإذاعي أو الورقي، والمشكلة أن بعض من دخلوه لم يخضعوا للتدريب، ومع الأيام يمكن أن تصبح له أصوله وقواعده ويفرض نفسه كإعلام حقيقي يدخله إعلاميون محترفون يثبتون أنفسهم كما حصل معنا".
وترفض المعلا التعامل مع إعلاميي الـ "سوشيال ميديا" على أنهم درجة ثانية وتوضح أن "جزءاً منهم يعرف ماذا يفعل، وهناك من تدربوا قبل أن يظهروا، وآخرون دخلوه بسهولة مستغلين وجود التليفون أو الـ 'آيباد' بين أيديهم، وهم في الأساس ليسوا إعلاميين بل أشخاص وجدوا النافذة التي ساعدتهم في حجز مكان لهم فيها".
واستدركت بالقول "أفضل أن يدخل عالم الـ 'سوشيال ميديا' من يملكون تجربة تلفزيونية أو إذاعية لأنهم يكسبون نقاطاً إضافية، ولا شك في أن إعلامي الـ (سوشيال ميديا) تمكنوا من منافستنا وسرقة الضوء منّا بدرجة كبيرة جداً ولكنهم لم يحجبوه، ولست مع من يقولون إننا انتهينا، بل لكل مجال جمهوره والإعلام التلفزيوني له هيبته وحضوره، ويفترض أن يكون لكل إعلامي حضور على الـ (سوشيال ميديا) لأن الإعلام التلفزيوني لم يعد كافياً".
العرافة والـ "سوشيال ميديا"
الإعلامية بسمة وهبة صاحبة باع طويل في العمل التلفزيوني، ومن أبرز الوجوه الإعلامية في مصر والعالم العربي، ومع أنها تعترف بأهمية إعلام الـ "سوشيال ميديا" لكنها تؤكد ضرورة أن تحكمه الضوابط.
تقول، "لا يجوز لأي أحد التكلم في أي موضوع وأن يقول أي كلام وأن يستخدم وجهة نظره غير المنطقية وغير المنهجية وغير التعليمية، لأنه من غير المقبول بعد كل دراستي وأعوام عمري أن يتكلم شخص غير متعلم في الموضوع الذي أتكلم فيه نفسه، بموضوعية ومنطق وقراءة ودراسة ومسؤولية اجتماعية، ويوجد في مصر ضوابط يقرها المجلس الأعلى للإعلام، ونحن كإعلاميين تابعون له".
وعبرت وهبة عن احترامها لزملائها من إعلاميي الـ "سوشيال ميديا" رافضة التعامل معهم كدرجة ثانية، مؤكدة "أحترم كل الزملاء ولا يمكن أن أعطي رأيي فيهم، وأي إعلامي منّا يمكن أن تفرض عليه الظروف أن يبتعد من الشاشة وأن يطلّ عبر برنامجه في الـ 'سوشيال ميديا' وأنا أحترم كل إعلامي يتحدث بمنطق ودراسة ويقدم الفائدة للناس عبرها، وأي شخص يعمل باحترام يصنف درجة أولى في أي مجال".
وفي المقابل ترفض وهبة أن يقال إن إعلاميي الـ 'سوشيال ميديا' أكثر شهرة من إعلامي التلفزيون، مشيرة إلى أن "هذا مستحيل، بدليل أننا بعد ظهورنا على الشاشة تنتشر مقاطع فيديوهات من برامجنا على الـ 'سوشيال ميديا' نتيجة تداول الجمهور لها، ولدي كمّ مرعب من المشاهدات على الـ 'سوشيال ميديا' مصدرها التلفزيون".