ملخص
تحظر قوانين الحرب على إسرائيل القيام بأية عملية عسكرية في أية منطقة بصورة مفاجئة لأن ذلك يعرض حياة المدنيين للخطر.
للمرة الثالثة ينفذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في مخيم البريج التابع لمحافظة دير البلح وسط قطاع غزة، وللهدف نفسه يحرك قواته إذ تنوي القضاء على مطلقي الصواريخ من الفصائل الفلسطينية وتدمير بنية "حماس" إضافة إلى تحييد مقاتلي الحركة.
في يونيو (حزيران) الماضي كانت المرة الثانية التي ينفذ الجيش الإسرائيلي فيها عملية عسكرية في منطقة البريج وكان الهدف المعلن لها القضاء على ما تبقى من هيكلة لكتائب "حماس" في المنطقة.
أما المرة الأولى التي كانت في ديسمبر (كانون الأول) 2023 فإنها جاءت من أجل تفكيك قوة الحركة في البريج، لكن السؤال، لماذا لم تستطع إسرائيل القضاء على مقاتلي "حماس" في ثلاث عمليات عسكرية وفشلت في تدمير بنيتها التحتية في المنطقة؟.
إشعار علني
مع كل عملية عسكرية تنفذها إسرائيل في مخيم البريج أو في أي محافظات القطاع، يطلب الجيش من الموجودين في تلك المنطقة الإخلاء الفوري. وكما المرتين السابقتين أمر الجيش الإسرائيلي بصورة مفاجئة جميع الموجودين في مخيم البريج مغادرة البقعة والتوجه نحو منطقة المواصي الإنسانية.
بالعادة تأتي التعليمات العسكرية الإسرائيلية بالنزوح بصورة علنية، فكيف يضمن الجيش عدم مغادرة "مطلقي الصواريخ" مع قوافل المدنيين، ومن ثم الدخول في دائرة لا تنتهي من التهجير والمعارك، أو تغيير صورة الحرب إلى كر وفر وقتال استنزاف عسكري؟.
بحسب قوانين الحرب، فإنه يحظر على إسرائيل القيام بأية عملية عسكرية في أية منطقة بصورة مفاجئة، لأن ذلك يعرض حياة المدنيين للخطر. وفي مكان مثل قطاع غزة مكتظ بالسكان فإن أي اجتياح مباغت يعني ارتكاب مجازر مروعة، وهذا ما تخشى القوات الإسرائيلية تنفيذه، وبخاصة أنها دولة ملتزمة في القانون الدولي الإنساني.
تسلل بين المدنيين
إشعار الناس بضرورة الإخلاء من المناطق، قد يتيح الفرصة لمقاتلي الفصائل الفلسطينية بالتخفي بين قوافل النازحين ومغادرة المنطقة معهم، وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي لن ينجح في عمليته العسكرية ولن يحقق هدفها.
يقول الباحث في الشؤون العسكرية سعدي الآغا، "من ناحية عملية لا يمكن أن يضمن الجيش الإسرائيلي عدم مغادرة مقاتلي الفصائل مع قوافل النازحين، ولكن تستخدم إسرائيل تقنيات مختلفة لكشف تخفي عناصر ’حماس‘ بين المدنيين".
ذكاء اصطناعي
بصورة رئيسة تعتمد إسرائيل على طائرات الاستطلاع المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تحلق على مدار الساعة في سماء قطاع غزة وبخاصة مناطق الإخلاء. وهنا يؤكد الآغا "بواسطة هذه التكنولوجيا يمكن للجيش كشف تخفي مقاتلي ’حماس‘ بين صفوف المدنيين، ولكن نسبة نجاح هذه الآلية لا تزيد على 60 في المئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح الآغا أنه إذا ما تبين لإسرائيل أن أحداً من مقاتلي الحركة يهربون كما النازحين فإنها لن تتردد في قصفهم مباشرة، وهذا سيخلف عدداً كبيراً من الضحايا، لافتاً إلى أن ذلك لم يحدث إلا مرات قليلة جداً منذ بدء الحرب.
إسرائيل تتفهم
وفقاً للعلوم العسكرية، فإن المقاتلين لن يغادروا ساحة المعركة وعادة ما يبقون فيها لمواجهة الأعداء وتكبيدهم خسائر، لكن الآغا يؤكد أن ذلك لا ينطبق على غزة التي يعد القتال فيها كراً وفراً وحرب عصابات وليس قتالاً نظامياً.
من وجهة نظر إسرائيل نفسها، فإن المتحدث باسم الجيش بيتر ليرنر يقول "ندرك أنه يمكن أن يتخفى مقاتلو ’حماس‘ بين النازحين، ويهربون من منطقة إلى أخرى، ثم بعد انسحاب قواتنا يعودون إلى البقعة الأولى نفسها ويبدؤون في مقارعة الجيش".
ويضيف "لقد فعلت ’حماس‘ ذلك كثيراً، إنها تستخدم المدنيين دروعاً بشرية، وتقيم بين منازلهم وخيمهم بنية تحتية، ولهذا نعود للمنطقة نفسها لتدمير ما تبقى من جيوب للحركة".
يدرك ليرنر أن الجيش لا يزال بعيداً إلى حد ما من القضاء على "حماس"، لكن يؤكد أن الحركة فقدت نصف مقاتليها، ويقر بأن الفصيل بات يغير قواعد الهجوم ويتكيف الجيش مع التغير في أساليب الحركة.
وبوضوح يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، "لا يمكن القضاء على كل مقاتلي ’حماس‘ ولا تدمير كل أنفاقها، لا يوجد هدف على الإطلاق لقتل جميع عناصرها على الأرض، فهذا ليس هدفاً واقعياً، ولكن تدمير الحركة بوصفها سلطة حاكمة هدف عسكري قابل للتحقيق وسهل المنال".
تغيير قواعد الحرب
ما يتحدث عنه الجيش الإسرائيلي يمكن اختصاره، بأن "حماس" غيرت قواعد الحرب إلى الكر والفر أو ما يسمى حرب العصابات، مما يجعل دوامة التهجير والمعارك مستمرة طيلة فترة القتال. ويقول أستاذ العلوم الأمنية محارب نوفل "إسرائيل تورطت في معركة طويلة مع حركة ’حماس‘ بعدما غيرت أسلوبها في القتال".
وبالفعل تحولت كثير من المناطق التي كانت هادئة نسبياً بعد إنهاء الجيش الإسرائيلي القتال فيها إلى ساحات حرب من جديد وهذا ما حصل في خان يونس جنوب القطاع والشجاعية وجباليا شمالاً وحالياً في البريج وسط غزة.
يوضح نوفل أن "حماس" استخدمت تكتيكات الكر والفر والعمل في مجموعات أصغر من المقاتلين، وباتت تعتمد على الأكمنة والقنابل بدائية الصنع، بدلاً من مواجهة الدبابات والقوات الإسرائيلية فور توغلها في أية منطقة.
ويمضي في حديثه، "باختصار يمكن القول إن إسرائيل وحدها لن تستطيع القضاء على ’حماس‘، بل تحتاج إلى شريك قوي على أرض الواقع وهو جهة حكومية تتولى إدارة حياة الناس وتكون على تنسيق أمني معها، دون ذلك سنبقى في دوامة التهجير والمعارك".
’حماس‘ تؤهل قدراتها
في إسرائيل يقر الجيش بأن "حماس" التي دمرتها القوات وسحقتها في كثير من المناطق عادت إلى تأهيل نفسها، ولهذا مضطر إلى العودة للقتال في المناطق نفسها وفق هدف معلن يتمثل في منع الحركة من إعادة بناء قدراتها العسكرية.
يؤكد ليرنر أن مقاتلي الحركة عادوا إلى الظهور، مما يدل على أن الهدف الحربي الرئيس لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الاستئصال الكامل لـ"حماس" بعيد المنال. ويقول "أمامنا معركة طويلة للتغلب على ’حماس‘، لا يوجد حل سريع، بعد 17 عاماً تمكنوا خلالها من بناء قدراتهم".
تعترف "حماس" بوضوح بأنها اعتمدت أسلوب الكر والفر والعودة إلى مناطق كان الجيش أنهى القتال فيها. ويقول أبو عبيدة المتحدث العسكري للحركة "مستعدون لخوض حرب استنزاف طويلة ضد القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة".