Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تراجع بريق كاريكاتير الصحافة السعودية؟

أدى الضعف المالي للصحافة الورقية إلى تراجع الاهتمام بهذا الفن بينما أتاحت المنصات الرقمية للرسامين نشر إبداعاتهم

 الصحافة السعودية تحول اليوم إلى ضيف ثانوي يحظى بمساحة متواضعة (اندبندنت عربية)

لطالما شكل فن الكاريكاتير نافذة للتعبير عن القضايا الاجتماعية الشائكة بطريقة مبتكرة تخترق الحواجز، مما جعله يحتل مكانة مهمة في البلدان العربية وفي مقدمها السعودية، فبعيداً من الأخبار والتقارير يجد القارئ نفسه منجذباً للوحات الحية والناطقة بالأفكار التي تجمع بين السخرية اللاذعة والرموز الجريئة، وتتخذ فيها الفرشاة والألوان دور المحرر والصحافي.

وقد شق فن الكاريكاتير طريقه في السعودية بخطوات مترددة عبر صحف المناطق، ففي عام 1964 وجد الكاريكاتير حاضنة ثابتة حين ظهر أول كاريكاتير سعودي منتظم على صفحات جريدة "الرياض" بريشة الفنان السعودي علي الخرجي.

ومثلت تلك اللحظة نقطة تحول في مسار هذا الفن التشكيلي الساخر الذي سرعان ما بدأ في التوسع والانتشار، مؤسساً لنفسه مكانة مرموقة على الخريطة الثقافية السعودية، إذ جاء بعد الخرجي مجموعة من الرواد البارزين في هذا المجال أمثال عبدالله الوهيبي ومحمد الخنيفر في  السبعينيات وعبدالسلام الهليل في الثمانينيات.

خفوت البطل الساخر

لكن كاريكاتير الصحافة السعودية تحول اليوم إلى ضيف ثانوي يحظى بمساحة متواضعة في أركان الصفحات الداخلية بعدما كان نجم الساحة الإعلامية وأيقونتها التي تزين الصفحات الأولى، مما يعكس التحولات الجذرية في المشهد الإعلامي السعودي نتيجة صعود المحتوى السريع والمقاطع المرئية على حساب المساحات المطبوعة

ويقول الرسام الكاريكاتيري المخضرم عبدالسلام الهليل في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن "الكاريكاتير كان جزءاً أساساً من الصحافة السعودية لعقود طويلة، إذ أسهم في تعزيز المشاركة المجتمعية ونقد الواقع بصورة ساخرة وذكية، لكن مع التحول إلى المنصات الرقمية بدأ هذا الفن التشكيلي يفقد مكانته بشكل تدريجي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعكس هذا التراجع التحول العام نحو الصحافة الإلكترونية وتنامي وسائل التواصل الاجتماعي، إذ باتت هناك منصات جديدة للتعبير الفني والسياسي

ويسترسل الهليل أن "من العوامل التي أسهمت في تراجع هذا الفن تخوف بعض المؤسسات الإعلامية من المساس بالقيم والثوابت الاجتماعية عبر الكاريكاتير، إضافة إلى انخفاض الاستثمارات في المحتوى الإبداعي والفني

ويشارك الفنان السعودي خلاصة 30 عاماً من رسم الكاريكاتير قائلاً إن مسؤولية التطور والتميز تقع على كاهل الفنان نفسه، مضيفاً أنه "في منطقة الخليج لا يزال فن الكاريكاتير يعتمد بصورة كبيرة على الموهبة والهواية والاجتهادات الشخصية".

تحديات أمام أول جمعية متخصصة

وعلى رغم الدخول الباكر للكاريكاتير إلى الإعلام السعودي إلا أن أول جمعية متخصصة بهذا الفن لم تتأسس إلا عام 2008 باسم "جمعية رسم الكاريكاتير والرسوم المتحركة"، ويروي يزيد الحارثي، وهو أحد مؤسسي الجمعية، قصتها قائلاً "كنا مجموعة من الفنانين الذين أسسنا هذه الجمعية بدعم من وزير الإعلام آنذاك الدكتورعبدالعزيز خوجة، ونظمنا عدداً من المسابقات للكاريكاتير على مستوى السعودية". 

 

لكن الجمعية "واجهت تحديات بسبب ندرة الدعم المالي وعدم وجود مقر أو موقع إلكتروني لها، وأصبحت مجرد اسم فقط، وصار روادها عاجزون عن فعل أي شيء"، وفق وصف الفنان السعودي.

وأعرب الحارثي كممثل للرسامين الكاريكاتوريين السعوديين وكعضو مؤسس في الجمعية عن أمله في أن "تقوم وزارة الإعلام بإنعاش الجمعية وإعادتها لمكانتها المناسبة، موضحاً "أن فن الكاريكاتير والرسوم المتحركة لهما إمكانات هائلة، ويمكننا استغلاله في تصميم شخصيات كرتونية لمدن ترفيهية وأفلام متحركة تعكس هويتنا الثقافية السعودية".

وفي ما يتعلق بالتحول إلى الإعلام الرقمي، يشير الفنان السعودي إلى أن "فن الكاريكاتير لم يفقد بريقه على رغم اختفاء الصحف الورقية، فهناك كثير من المواقع الإلكترونية التي تنشر الأعمال الكاريكاتورية اليومية وتوفرها للمهتمين بهذا الفن".

رواد فن الكاريكاتير السعوديين

من علي الخرجي الرائد إلى محمد الخنيفر وعبدالسلام الهليل، تشكلت على مدى عقود لوحة فنية ساخرة تعكس طموحات المجتمع وهمومه، فقد أسس هؤلاء الفنانون لمدرسة فنية سعودية أسهمت في تعزيز النقد الاجتماعي والسياسي بأسلوب لاذع وذكي، مما منح الكاريكاتير مكانة مرموقة في الصحافة السعودية.

واعتبر الحارثي أن الفنان الراحل علي الخرجي "هو المؤسس الحقيقي لفن الكاريكاتير في السعودية"، مضيفاً أن "محمد الخنيفر برع في تجسيد شخصية 'سلطانة' الساخرة التي أحبها الجمهور، والهليل طور أسلوبه الفريد ليترك بصمة متميزة في عالم الكاريكاتير السياسي والاجتماعي، وهو فنان مفعم بالحيوية والدعابة كما في رسوماته".

المرأة أثبتت نفسها في المجال

ينظر إلى الكاريكاتير بأنه فن يهيمن عليه الذكور مما يطرح تساؤلات عن إبداع المرأة في هذا الفن، والتحديات التي تواجه النساء في استغلال هذه النافذة للتعبير عن آرائهن، وتقول رسامة الكاريكاتير السعودية منال الرسيني لـ "اندبندنت عربية" إن "عمل المرأة أثبت نجاحاً باهراً وملاحظاً في جميع المجالات بفضل الثقة والتمكين الممنوحين لها، بما في ذلك مجال الفنون، مشيرة إلى أن "الصورة النمطية عن المرأة قديماً تغيرت بالكامل".

أما عن التحديات فتوضح أن "عدم وجود دعم مادي لرسام الكاريكاتير يعتبر من التحديات الكبيرة، ولا سيما في ظل تراجع الصحف الورقية مالياً وعدم توافر مواقع إلكترونية تدعم رسم الكاريكاتير مادياً ومعنوياً، على رغم أن الكاريكاتير أحد أقوى الفنون في التأثير وإيصال الرسالة". 

 

وأضافت الرسيني أن "من التحديات أيضاً عدم وجود جهة مسؤولة مثل الصحف تجيز الرسوم قبل نشرها في الحساب الشخصي للرسام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وفي ما يخص تجربتها الشخصية قالت إنها تلقت دعماً كبيراً من الصحف الورقية خلال فترة انتشارها، بدءاً من صحيفة "عكاظ" ثم "الوطن" ووصولاً إلى "الجزيرة"، حيث كانت لها زاوية يومية بين عامي 2010 و 2018، مشيرة إلى أن "التغيير الأبرز الذي واجهته هو التراجع المادي الذي شهدته الصحف الورقية، باعتبارها المصدر الرئيس للدعم المادي للرسامين".

ومن جهته أوضح الرسام الكاريكاتيري علاء رستم أنه "غالباً ما يُنظر إلى الكاريكاتير على أنه مجال ذكوري يتطلب جرأة وصراحة يُفترض أنها أقل شيوعاً لدى النساء، لكن جمهور الكاريكاتير يبحث عن الفكرة والمتعة من دون الاهتمام بجنس الفنان، ورسامو الكاريكاتير، سواء كانوا رجالاً أم نساء، هم في الواقع عملة نادرة".

وأضاف، "طبيعة هذه المهنة مرتبطة بالتعليق على القضايا السياسية والاجتماعية الحساسة، إذ قد تُشكل عبئاً إضافيا على المرأة نظراً إلى تداعيات ذلك على سلامتها الشخصية، كما حدث مع الفنان الراحل ناجي العلي، مما يدفع بعض النساء إلى تجنب هذا التخصص".

ورسام الكاريكاتير الناجح هو "شخص يمتلك ثقافة فنية واجتماعية واقتصادية وسياسية واسعة، ويستطيع تفكيك الحدث الراهن وتحليله بعمق مع الغوص في خلفياته التاريخية، قبل إعادة تركيب المشهد بطرق فنية مبتكرة تعكس هويته الفنية الخاصة"، وفق رستم.

وأشار الفنان الكاريكاتيري إلى عدم وجود مدارس متخصصة في تعليم فن الكاريكاتير حتى في أوروبا، إذ يقتصر الأمر على وجود معاهد للرسوم المصورة أو "الكوميكس"، على رغم أهمية هذا الفن باعتباره "الشكل الشرعي للصحافة اليومية الورقية أو الإلكترونية، نظراً إلى التطور التقني الحاصل، والأمر متروك لرسامي الكاريكاتير وأولوياتهم واهتماماتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ توفر لهم هذه المنصات منبراً لا محدوداً للانتشار والشهرة، مما يمكنهم من إيصال صوتهم إلى أرجاء العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير