فتحت مراكز الاقتراع اليوم السّبت أبوابها في كلّ أنحاء أفغانستان لاختيار رئيس للبلاد، على وقع انفجارات في مدن كابول وغزنة وجلال اباد.
وقال مسؤول كبير بوزارة الداخلية في كابول إن ما لا يقل عن 21 مدنيا واثنين من أفراد القوات الأفغانية أصيبوا في أكثر من عشر هجمات صغيرة نفذتها حركة طالبان خلال أول خمس ساعات من التصويت.
وأوضح عبد المقيم عبد الرحيم زاي المدير العام للعمليات والتخطيط في وزارة الداخلية "يبدو أن الخطة الأمنية المتبعة لمنع الهجمات تبلي بلاء حسنا حتى الآن... أحبطنا هجمات للمتشددين".
وحدثت الانفجارات بعد قليل من فتح المراكز، وسط مخاوف من أعمال العنف والتزوير.
وخاض 18 مرشحا هذه الانتخابات للفوز بولاية رئاسية من خمس سنوات، وتشتد المنافسة بصورة خاصة بين المرشحين الأوفر حظا الرئيس الحالي أشرف غني ورئيس الحكومة عبدالله عبدالله.
عملية الاقتراع حصلت، في وقت وصلت محادثات السلام بين الأميركيين وحركة طالبان إلى طريق مسدود، مبددة الأمل في قيام حوار بين الحكومة الأفغانية والمتمردين يفضي إلى إحلال السلام في البلد.
في المقابل، قطعت حركة طالبان الإصبع السبابة لناخب أفغاني يدعى صفي الله صفي لأنه أدلى بصوته عام 2014 إلا أن هذا لم يمنعه من التصويت مرة أخرى اليوم السبت.
وأثار تصرف صفي، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 38 عاما، في انتخابات الرئاسة، حالة من الإعجاب بعد نشر صورة له على تويتر تبين إصبعه المفقود وإصبع السبابة في يده اليسرى وعليه آثار الحبر الفوسفوري مما يشير إلى أنه أدلى بصوته.
موقف طالبان
وقال المتحدّث باسم لجنة الانتخابات ذبيح الله سعدات إنّ "التّصويت بدأ في كلّ أرجاء البلاد"، في وقت كانت حركة طالبان حذّرت زهاء 9,6 ملايين ناخب بضرورة الابتعاد عن مراكز الاقتراع.
وعرض التلفزيون مشاهد لمدخل مركز اقتراع في هيرات (غرب)، حيث اصطفّ طابور طويل من الناخبين الذين كانوا ينتظرون تحت أشعة الشمس، بينما كان مراسل التلفزيون يُعلّق على الصور مرتدياً سترة واقية من الرّصاص.
وقال ناخب في منطقة تيماناي بكابول لوكالة الصحافة الفرنسية "أنا هنا للتصويت. أعلم أنّ هناك تهديدات، لكنّ القنابل والهجمات جزءٌ من يوميّاتنا".
وهي رابع انتخابات رئاسية في تاريخ أفغانستان، وجرت الأولى عام 2004. وصرح الرئيس الافغاني بعد الإدلاء بصوته أن "هذه الانتخابات ستمهد الطريق حتى نسير في اتجاه السلام بشرعية حقيقية".
ويأمل غني في الفوز بولاية ثانية، ما سيفرضه في موقع محاور لا يمكن تجاوزه للتفاوض مع طالبان. غير أن المتمردين يعتبرونه "دمية" وينكرون له أي صفة شرعية.
في المقابل، أعلنت وزارة الداخليّة نشر 72 ألف عنصر لتأمين حراسة نحو خمسة آلاف مركز اقتراع في أنحاء البلاد يُفترض أن تُغلق أبوابها حوالى السّاعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلّي (10,30 بتوقيت غرينتش).
وواجهت الانتخابات خطر وقوع أعمال عنف، خصوصاً أنّ طالبان شنّت في الآونة الأخيرة سلسلة هجمات انتحاريّة استهدفت مقارّ الحملات والتجمّعات الانتخابيّة وأهدافًا أخرى مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي.
وفي 5 سبتمبر (أيلول) الحالي، أسفر تفجير شاحنة في كابول عن مقتل 12 شخصاً على الأقلّ. وفي وقت سابق، أصدرت طالبان بياناً كرّرت فيه تهديداتها السّابقة بأنّ حياة كلّ مقترع مهدّدة.
وورد في بيان طالبان أنّ الحركة "تنوي عرقلة هذه العمليّة المزوّرة للغزاة الأميركيّين وبعض أتباعهم عبر مهاجمة كلّ عناصر الأمن... واستهداف مكاتب (الاقتراع) ومراكزه".
ونبّه البيان الأفغان إلى "ضرورة البقاء بعيدين من مراكز الاقتراع في اليوم الانتخابي وعدم تعريض أنفسهم للخطر".
وتُعتبر الشّاحنات المفخّخة تهديداً قائماً في أفغانستان، لقدرتها على استيعاب شحنات متفجّرة أكبر مقارنةً بالسيّارات.
وفي مايو (أيّار) 2017 أسفر انفجار شاحنة مفخّخة قرب السفارة الألمانيّة عن مقتل أكثر من 150 شخصاً وجرح المئات.
18 مرشحاً رسمياً
ستتضمن بطاقات الاقتراع 18 مرشحاً رسمياً، على الرغم من أن ثلاثة منهم قد انسحبوا، في حين يقول مسؤولون إنه لا يوجد وقت كاف لتحديث أوراق الاقتراع.
في ما يلي أبرز المرشحين الرئيسيين:
يصف كثيرون الرئيس أشرف غني بأنه صاحب رؤية وطبع حاد وأكاديمي ومتطلب أكثر من اللازم. إذ لطالما كان خبير الاقتصاد في البنك الدولي ووزير المالية السابق يحلم بإعادة إعمار أفغانستان. كما أن لديه اعتقاد راسخ بأنه أحد الأشخاص القلائل- ربما الوحيد- القادر على تحمل المسؤولية.
وفي ظل عدم وجود استطلاعات ذات مصداقية، يعتبر غني على نطاق واسع أنه المرشح الأوفر حظاً، على الرغم من عدم إحرازه أي تقدم باهر ضد طالبان أو في مكافحة الفساد الحكومي المستشري.
وعلى الرغم من اتخاذه مبادرات متكررة تجاه طالبان من أجل السلام، إلا أن الحركة ترفض ذلك، معتبرة إياه "دمية" تسيطر عليها الولايات المتحدة، في حين استبعده الأميركيون من المحادثات التي تم تعليقها مع المسلحين.
وفي حال إعادة انتخابه، فسيكون لدى غني التفويض الكامل في أي عملية سلام بقيادة أفغانية في المستقبل مع طالبان، إذا وافقت الحركة على مثل هذه المفاوضات.
وكان غني تعهد سابقاً محاربة المسلحين "لأجيال" إذا لزم الأمر، إذا فشلت المفاوضات مع طالبان.
المرشح الآخر هو عبد الله عبد الله، طبيب العيون والمقاتل السابق، الذي يعود إلى حلبة التنافس على رئاسة أفغانستان بعد هزيمته مرتين في انتخابات سابقة شابتها اتهامات واسعة النطاق بالتزوير.
كان عبد الله طبيباً للعيون في كابول، ووزيراً في حكومة برهان الدين رباني خلال الحرب الأهلية في أفغانستان بين العامين 1992 و1996 وصنع لنفسه سمعة في الخارج بسبب تحدثه الإنجليزية بطلاقة ونظراً إلى لياقته وأسلوبه.
ومجمل خبرته السياسية مستمدة من واقع أنه كان اليد اليمنى لأحمد شاه مسعود، القائد الطاجيكي الشهير الذي قاوم الاحتلال السوفياتي إبان الثمانينيات، وحارب نظام طالبان بين عامي 1996-2001.
وتعرض مسعود للاغتيال على يد تنظيم القاعدة قبل يومين فقط من اعتداءات 11 سبتمبر.
تنافس عبد الله وغني في عام 2014، وادعى كلاهما الفوز.
وتجنباً لاندلاع نزاع، توسط وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في اتفاق لتقاسم السلطة بين الاثنين أدى إلى تعيين عبد الله رئيساً تنفيذياً للبلاد.
ومذاك، يخوض عبد الله معارك لا تنتهي مع غني مثل الاقتتال المرير في الإدارة ومنع المحاولات الكبرى للإصلاحات والتشريعات، بينما يتجنب الاثنان الظهور العلني معاً بسبب العداوة العميقة.
وفي حال انتخابه، تعهد عبد الله بمنح الأولوية للسلام، بالإضافة إلى وعود غامضة لتحسين الاقتصاد.
المرشح الثالث، هو قلب الدين حكمتيار، الذي أمضى حياته ضمن بيئة تشكلت في بوتقة حرب أفغانستان التي استمرت لعقود. يعتبر على نطاق واسع أحد أكثر أمراء الحرب شهرة في تاريخ أفغانستان الدامي، كما أنه كان معادياً للسوفيات ورئيساً للوزراء ومنافساً في الرئاسة.
وقد اتهم بقتل الآلاف خلال الحرب الأهلية (1992-1996)، بحيث بات لقبه "جزار كابول" لقصفه العاصمة بشكل وحشي.
بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001، صنفته واشنطن في خانة الارهابيين، متهمة إياه بالتواطؤ مع القاعدة وطالبان.
حقق حكمتيار عودة مفاجئة إلى الحياة السياسية عام 2017 في أعقاب اتفاق سلام بين مجموعته المتشددة من "الحزب الإسلامي" والرئيس غني.
في حال انتخابه، تعهد حكمتيار الإشراف على انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان مرة واحدة وإلى الأبد.
في المقابل، يأمل أحمد والي مسعود أن يستفيد من شهرة شقيقه الأكبر أحمد شاه مسعود، ولقبه "أسد بانشير" الذي عمل من كثب مع عبد الله.
وباستثناء تعيينه سفيراً لدى المملكة المتحدة، ليس لدى مسعود سوى القليل من الخبرة السياسية. كما أنه أمضى إلى حد كبير العقدين الأخيرين كحارس لارث شقيقه، ويدير مؤسسة باسمه.
لكنه لا يزال يحظى بشعبية لدى المجموعة الطاجيكية في البلاد، خصوصاً من اللاعبين الرئيسيين في مقاطعة بانشير مسقط رأسه التي تتمتع بدور كبير في الحكومة منذ عام 2001.
ومع ذلك، يسود اعتقاد أن مسعود يحظى بفرصة ضئيلة للفوز ويمكنه في أفضل الأحوال أن يأمل في الحصول على منصب في أي حكومة مستقبلاً.
أما المرشحون الـ12 الآخرون فهم كوكبة من الشخصيات، بما في ذلك شيوعيون سابقون ورئيس جهاز الاستخبارات.
يأمل رحمة الله نبيل أن تجذب أوراق اعتماده الأمنية الناخبين بعدما عمل مرتين رئيساً لجهاز الاستخبارات الأفغانية.
كما يخوض السباق الشيوعي السابق نور الحق علومي، الذي شغل أيضاً منصب وزير الداخلية لفترة قصيرة عام 2015، لكن فرصه تبقى ضئيلة.
موعد النتائج
ويتوقع صدور النتائج الأولية في 19 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، على أن تعلن النتائج النهائية في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وستكون نسبة المقاطعة في هذه الانتخابات تحت المجهر، إذ يتوقع بمعزل عن الخوف من الاعتداءات أو من عمليات التزوير، أن يلزم العديد من الناخبين منازلهم بعدما فقدوا الأمل في أن يعمل قادتهم على تحسين ظروفهم المعيشية.
وسيتولى الرئيس المقبل مقاليد السلطة في بلد يعاني حربا، وكان 55 في المئة من سكانه يعيشون بأقل من دولارين في اليوم عام 2017، وبلغت فيه حصيلة النزاع مع طالبان في النصف الأول من 2019 أكثر من 1300 قتيل من المدنيين بحسب ارقام الأمم المتحدة.
وإن كانت الانتخابات مقررة منذ وقت طويل، الا أنها بدت مرهونة بنتائج المحادثات الأخيرة بين الولايات المتحدة وطالبان، حول تسوية سلمية تشهد انسحاب القوات الأميركية مقابل ضمانات أمنية من المتمردين.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن بشكل مفاجئ في مطلع الشهر الجاري، وقف المفاوضات في وقت بدا الاتفاق وشيكا، فيما توقع العديد من المراقبين تعليق الانتخابات من أجل تطبيق خطة الانسحاب.