Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صحافة" السودان الورقية مستمرة... والتوزيع يتضاعف

تصدر في الخرطوم 15 صحيفة سياسية يومية تطبع 115 ألف نسخة

صحفيون متضامنون مع قرار توقف جريدة التيار عن الصدور في عهد البشير (أ.ف.ب)

يرى كاتب وصحافي سوداني وضع الصحافة السودانية خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في 11 أبريل (نيسان) الماضي، بأنها الأسوأ في تاريخ البلاد، لما شهدته من تضييق في الحريات واعتقالات وإغلاق للصحف ومصادرة العديد من النسخ يومياً.

 لكنه يبدي تفاؤلاً بمستقبل الصحافة الورقية واستمراريتها لعقد من الزمن، نظراً إلى ارتباط القارئ السوداني بها ارتباطاً قوياً لمصداقيتها العالية، على الرغم من ارتفاع أسعارها.

ويتوقع رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني الذي التقته "اندبندنت عربية" في حوار تناول مجمل القضايا المتعلقة بالصحافة السودانية سابقاً وحاضراً ومستقبلاً، توقف عدد كبير من الصحف اليومية التي بدأت تتساقط بالفعل، خصوصاً تلك التي عُرفت بصحف النظام السابق بسبب انقطاع التمويل المباشر عنها ومقاطعة القراء لها، حالياً.

رقابة ومصادرة

ويشرح ميرغني معاناة الصحافة والصحافيين خلال فترة النظام السابق، قائلاً "عانت الصحافة في السودان في العهد السابق من اللاقانون، وتعرضت صحيفتنا للإيقاف أكثر من مرة لفترات طويلة، الأولى لمدة عامين، ومن ثم ستة أشهر، إضافةً إلى المصادرة من المطبعة أكثر من 80 مرة، كما تعرضتُ شخصياً لهجوم عسكري بواسطة كتائب أمنية من 20 مسلحاً، اقتحموا مقر الجريدة وانهالوا علي بالضرب المبرح".

ويضيف "الحريات كانت تُقمع، بخاصة في الأشهر الأخيرة للنظام السابق قبل التغيير، ومُنعت الصحيفة من الصدور لـ 40 يوماً، وتعرّضت لرقابة منفردة ظالمة لدرجة لم تعد تصدر بشكل منتظم، إلى جانب الاعتقالات وتوجيه التهم الملفقة. كانت ظروف العمل صعبة جداً، عدا عن حالات التهديد والأذى الجسدي المباشر".

 لكن بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، يرى ميرغني أن الصحافة الآن تتمتع بتوفر الحريات العامة بصورة كبيرة وسقطت دولة اللاقانون "ولم يعد للجهاز الأمني سلطة علينا، واختفى التهديد الذي كان يُمارس بحق الصحافة والصحافيين بصورة مستمرة، فالبيئة مواكبة، إلاّ أنّها تعاني من المشكلة الاقتصادية المتمثلة في ارتفاع تكاليف الصناعة عموماً".

ويوضح أنّ "تكلفة النسخة المباشرة كطباعة تبلغ نحو عشرة جنيهات سودانية وتباع بـ 15 جنيهاً (30 سنتاً)، وهناك تكاليف أخرى تتعلق بأجور العاملين وبدل الإيجار والمصاريف اليومية. فالتكاليف عالية جداً، وفي حال بقاء نسخة واحدة، تلغي قرابة 30 نسخة مُباعة، وبالتالي الخسارة موجودة وبشكل كبير".

أما الإعلان، فقيمته متدنية جداً على الرغم من أنه يتحمل كامل التكاليف، لكن في العادة لا يدفع فوراً ولا يسهم بصورة سريعة في سد النقص ولذلك دائماً يكون لدينا عجز في الطباعة.

 ويتابع ميرغني "في العهد السابق، كانت صحيفتنا محرومة من الإعلانات الحكومية التي كانت تسيطر عليها وكالة تخصّص الإعلان للصحف الموالية للنظام، كما كان يتعرض المعلنون في صحيفتنا من القطاع الخاص والأفراد للمضايقات والتهديد، ولكن الآن رُفع عنا الحظر وبدأت المؤسسات الحكومية تعلن في صحيفتنا بشكل كبير، نظراً إلى مصداقيتها وانتشارها الواسع".

تفوق وتأثير

ورد ميرغني على عدم انتشار الصحافة السودانية إقليمياً مقارنة بالصحافة العربية كالمصرية والخليجية وغيرها، وأرجع السبب إلى "كون الصحافة السودانية مهتمة بالقضايا والمواضيع المحلية، ولا تتناول الأحداث الإقليمية والعالمية بشكل كبير، لاعتقادها بأنّ الإعلام الفضائي والإلكتروني يغطيانها بشكل أفضل".

 لكن من زاوية أخرى، فإن الصحافة السودانية تتفوق على الصحافة الإقليمية في قدرتها وتأثيرها في الشارع والرأي العام، حتى في ظل قمع الحريات أيام فترة النظام السابق، فخلال أكثر من مناسبة، أثبتت أنها تستطيع أن تدير الشارع وتغير مساره، وسبق أن تعرضنا لصفعة قوية جداً أيام الرئيس السابق عندما قدنا حملة مؤثرة جداً ضد ميزانية 2016، مما اضطُر الحكومة إلى إعادة الميزانية مرة أخرى للبرلمان وإجراء تعديلات جوهرية عليها. وبعدها، أمر البشير بمعاقبة صحيفتنا وأُغلقت ستة أشهر.

المصداقية العالية

لا يزال القارئ السوداني مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالصحافة الورقية، إذ تصدر في الخرطوم 15 صحيفة سياسية يومية تطبع 115 ألف نسخة من دون أن يكون هناك رجيع يُذكر. ويضيف عثمان ميرغني "هذا الارتباط يعود إلى مصداقية الصحف، فالقارئ السوداني يعتقد أن مصداقية ما يُكتب في هذه الصحف عالية جداً، والعكس تماماً بالنسبة إلى الوسائط الإلكترونية، التي تعتمد كلياً على الصحف وتنقل كل ما يُكتب في الصحف الورقية منها. لذلك، أعتقد أنه ما زالت هناك فرصة لهذه الصحف كي تستمر على الأقل إلى عقد من الزمن على أن تتكامل مع الصحف الإلكترونية والفضائيات، وستستمر بالقوة ذاتها، والدليل على ذلك أنه على الرغم من زيادة أسعارها، التي تُعتبر عالية جداً وغير منطقية، سُجّلت زيادة في التوزيع بنسبة 100 في المئة".

 وفي ما يتعلق بمصير الصحف التي كانت معروفة بميولها الصارخ لنظام البشير، يقول "لا أعتقد أن هذه الصحف ستستمر، لأنها كانت تعتمد على النظام السابق في التمويل والآن بدأت تتوقف عن الصدور وما تبقّى منها، سيتساقط في الطريق لأسباب اقتصادية مرتبطة بضعف المقروئية".

تردي الأوضاع

وينظر ميرغني الى المجتمع الصحافي في السودان بإعجاب شديد، مؤكداً أن أداء الصحافيين الشباب تحريرياً ومهنياً جيد جداً، ولديهم قدرات وفهم عالٍ جداً.

 ويوضح "المجتمع بخير، لكن للأسف العائد المادي قليل وهذا أمر يتعلق بجوهر الصحافة وأوضاعها المتردية اقتصادياً". وفي ما يختص بالحصول على المعلومة من مؤسسات الدولة المختلفة، يشير إلى أن "الوضع لم يتغير كثيراً عن السابق، فما زالت المعلومة محرّمة في المؤسسات الحكومية، لذلك نلجأ إلى الطرق الاستثنائية على الرغم من وجود قانون حق الحصول على المعلومات، لكنه للأسف لم يُفعّل. وهذه واحدة من المشاكل التي لم تتغير حتى هذه اللحظة، وأعتقد أن الفرصة مؤاتية للصحافيين كي يبرزوا مواهبهم ويقودوا الدولة وليس العكس وكي يعتدّوا بموقعهم ويدركوا أنهم غير موظفين، فهم يؤدون رسالة تجاه المجتمع. وإذا استطاعوا فعل ذلك، فستكون الصحافة منبع النهضة في البلد، وهذا يعتمد على الصحافيين ومدى استعدادهم للعب هذا الدور".

في الوقت ذاته، دعا المجتمع الصحافي إلى ممارسة النقد البنّاء والابتعاد عن إثارة الكراهية ضد الدولة، وأن يكون الصحافي ملتزماً بهذا النهج حتى في نقاشاته مع أقرانه في مواقع التواصل الاجتماعي.

وبين الصحافة في السابق واليوم، يوضح أنّها "متقدّمة عمّا كانت عليه من ناحية التكتيك والأداء، لكنّ الصحافة من قبل كانت في وضع أفضل من ناحية المفهومية والاعتداد بالرسالة، إضافةً إلى أنّ الصحافي في السابق كان يتمتّع بقيمة وشخصية ومرتبة أعلى من السياسي".

المزيد من العالم العربي