Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من "ديمقراطي" مناهض للإجهاض إلى سلاح سري لبايدن

تحمل القضية التاريخية في الولايات المتحدة "مؤسّسة ’تنظيم الأسرة‘ ضدّ كيسي"، التي فرضت قيوداً على الإجهاض، اسم والد بوب كيسي. لكن السيناتور "الديمقراطي" الذي لطالما عُرف بتأييده للحق في الحياة، غيّر الآن موقفه

بوب كيسي (إلى يمين الصورة) هو صديق للرئيس بايدن منذ أعوام، فيما كان والده (إلى اليسار) أحد أقوى معارضي الإجهاض في الحزب "الديمقراطي" (غيتي)

ملخص

قد يضطلع بوب كيسي بدور محوري في الانتخابات الأميركية المرتقبة في نوفمبر المقبل بعدما كان مناهضاً بارزاً للإجهاض.

استخدم السيناتور الأميركي بوب كيسي شخصيته الكاريزمية وقدرته على الإقناع أثناء افتتاح مكتب حملته الانتخابية في ضاحية غلينسايد الراقية في مدينة فيلادلفيا الشهر الماضي.

قد لا يكون كيسي مشهوراً كغيره من السياسيّين، لكنه من الأعضاء المخضرمين في "مجلس الشيوخ" الأميركي منذ فترةٍ طويلة. اتّسم بسلوكه الودود وبكنزاته المميّزة، ما دفع بالناس إلى مقارنته بشخص آخر من ولاية بنسلفانيا هو "السيّد روجرز" Mister Rogers (فريد روجرز الكاتب ومقدّم برنامج تعليمي للأطفال على التلفزيون العام)، وإلى أن يطلق عليه زميله في الولاية السيناتور جون فيترمان لقب "رجل بنسلفانيا" Mr Pennsylvania.

إلا أنه خلف هذه الشخصية الشعبية والودودة لبوب كيسي، التي تشبه تلك التي يتمتّع بها جو بايدن، تكمن شخصيةٌ فولاذية وصارمة، من المتوقّع أن تشكّل رصيداً حاسماً يصبّ في مصلحة الرئيس الأميركي في السباق الانتخابي لعام 2024.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فقد أظهر استطلاعٌ للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع "كلية سيينا" للأبحاث، أن كيسي يتقدّم على "الجمهوري" ديف ماكورميك بـ 5 نقاط في ولاية بنسلفانيا، ما يعكس الشهرة القوية لكيسي وشعبيته. إلا أن طريقه إلى الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني) لن تكون معبّدةً بالورود أو مضمونةً على الإطلاق. ففي الشهر الماضي، أنفقت "لجنة العمل السياسي"  Political Action Committee (PAC)  الكبرى التي تدعم ديف ماكورميك - وهو مديرٌ تنفيذي سابق لصندوق تحوّط - 4 ملايين دولار على الإعلانات  الانتخابية، وتخطّط لإنفاق إجمالي مالي مقداره 30 مليون دولار. ويدرك "الجمهوريّون" تماماً أن هزيمة كيسي من شأنها أن تضع حدّاً للغالبية الضئيلة التي يتمتّع بها "الديمقراطيّون" في "مجلس الشيوخ"، بمقعدٍ واحد. ورهاناتهم عالية في هذا المجال.

قد يكون التحوّل الأخير في موقف بوب كيسي حيال موضوع الإجهاض محورياً ويمكن أن يغيّر مجرى الأمور. فلأعوام عدّة، ظلّ هذا السيناتور أحد السياسيّين "الديمقراطيّين" القلائل في الكونغرس، الذين يناهضون الإجهاض. لكنه يعزو التبدّل في موقفه إلى قرار "المحكمة العليا"  Supreme Court إلغاء "قضية رو ضدّ وايد" Roe v Wade (تشريع تاريخي كرّس حماية حقّ المرأة في الإجهاض) في عام 2022.

وقال كيسي في كلمةٍ ألقاها في الحملة الانتخابية في غلينسايد: "إذا تمكّنوا من تجريد النساء من حقّ عمره 49 عاماً، فيمكنهم بالمثل الاقتداء بهذه السابقة وانتزاع حقوق العمّال أمام المحكمة نفسها". وتعهّد بالتركيز في المقام الأول على حماية حقوق المرأة وحقوق الناخبين ككل.

وفي مقابلةٍ أجرتها "اندبندنت" مع كيسي، قال: "في رأيي أن معظم الأميركيّين ينظرون إلى قضية الإجهاض من خلال تناقضٍ صارخ يتمثّل في: إما تأييد حظر الإجهاض، أو لا. وهذا هو في الواقع موقف الحزب ’الجمهوري‘".

يُشار إلى أن الحقّ في الإجهاض برز كقضيةٍ محورية في انتخابات الولايات المتّحدة هذه السنة، وأثبت أنه ورقةٌ رابحة لـ "الديمقراطيّين"، كما بيّنت نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة. وفي ولاية بنسلفانيا - التي تُعدّ عنصراً حاسماً في الجدار الأزرق (18 ولاية أميركية إضافةً إلى واشنطن العاصمة، فاز بها الحزب "الديمقراطي" في كلّ انتخابات رئاسية من عام 1992 إلى عام 2012) الذي يجب على بايدن تأمينه لضمان ولايةٍ ثانية له في البيت الأبيض - يعتقد 56 في المئة من الناخبين أن الإجهاض يجب أن يكون قانونياً في جميع الحالات أو في معظمها.

إلا أن لدى ديفيد ماكورميك المنافس "الجمهوري" لكيسي، موقفاً مناهضاً للإجهاض، وإن كان ذلك يتضمّن استثناءات في حالاتٍ نادرة للغاية. ففي أعقاب "قضية دوبس ضدّ منظّمة جاكسون لصحّة المرأة" Dobbs v. Jackson Women's Health Organization وتداعياتها (نظرت "المحكمة العليا" في دستورية قانون "ولاية ميسيسيبي" الذي يحظر معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل)، حاول تغيير موقفه الثابت في هذا الإطار. لكن خلال حملته الانتخابية في عام 2022 للفوز بالمقعد الآخر في "مجلس الشيوخ" عن ولاية بنسلفانيا، قال: "أعتقد أنه في حالات نادرة جدّاً (يجب السماح بالإجهاض)، ويجب أن تكون هناك استثناءاتٌ تحمي حياة الأم".

وفي الوقت الراهن يؤكّد موقع ماكورميك على الإنترنت أنه "يعارض فرض حظرٍ وطني على الإجهاض، ويؤيّد وجود استثناءات في حالات الاغتصاب وسفاح القربى وإنقاذ حياة الأم". يُشار هنا إلى أن ماكورميك، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، متزوّج من دينا باول، النائبة السابقة لمستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

انطلاقاً من موقف ديف ماكورميك، يبدو واضحاً أن المدافعين عن حقوق الإنجاب ينظرون إلى بوب كيسي على أنه خيارهم المفضّل، على رغم أن كلا المرشّحَين لا ينسجم موقفهما من المسألة مع وجهات النظر الأكثر ليبراليةً للناخبين في "ولاية بنسلفانيا".

وفي حين أنه ليس من غير المألوف أن ينتقد أحد "الديمقراطيّين" قرار "المحكمة العليا" في شأن "قضية رو ضدّ وايد"، إلا أنه من الجدير بالملاحظة أنه عندما يقوم بذلك "ديمقراطيٌ" يحمل اسم كيسي، فإنه يُعدّ أمراً لافتاً. وذلك لأنه، إضافةً إلى الدور البارز في سياسة بنسلفانيا، فقد كانت عائلة كيسي تاريخياً من الجهات المعارضة بشدّة لحقوق الإجهاض داخل التحالف "الديمقراطي".

وعلى غرار عائلة كينيدي في "ولاية ماساتشوستس" وعائلة بايدن بعد انتقالها من بنسلفانيا إلى "ولاية ديلاوير"، كانت عائلة كيسي - وهي عائلة ذات حضور كبير في سياسات الدولة - تمثّل منذ فترةٍ طويلة قاعدة التصويت الكاثوليكية الإيرلندية من جانب الطبقة العاملة في الحزب "الديمقراطي". وكما الكثير من الكاثوليك المتديّنين، عارضت العائلة مسألة الإجهاض بشدّة. وفي عام 1989، وقّع والد السيناتور كيسي - حاكم الولاية بوب كيسي - على تشريع في ولاية بنسلفانيا، يلزم المريضات اللواتي يسعين إلى الإجهاض، بالانتظار لمدة 24 ساعة بعد اتّخاذ قرارهن الإقدام على هذه الخطوة، وإبلاغ أزواجهن أو الوالدَين إذا كنّ قاصرات.

وفي ردٍّ على ذلك، رفع فرع جنوب شرقي بنسلفانيا في مؤسّسة "تنظيم الأسرة" Planned Parenthood دعوى طعنٍ أمام القضاء.

في العام نفسه، مُنع الحاكم كيسي من الحديث أمام "المؤتمر الوطني الديمقراطي"Democratic National Convention، وهو ما عزاه إلى موقفه المناهض للإجهاض.

بعد نحو عقدٍ من الزمن، واصل نجله السير على التقليد ذاته. وفي عام 2006، ترشّح كيسي الأصغر لعضوية "مجلس الشيوخ" باعتباره "ديمقراطيّاً" من "مؤيدّي الحياة" و"مؤيّدى السلاح"، ليتقدّم في النتائج على "الجمهوري" الراهن ريك سانتوروم بفارقٍ كبير. ولاقت مواقفه صدى لدى الناخبين في المقاطعات الريفية ومقاطعات الطبقة العاملة، مثل بيركس وبيفر ولوزيرن، حيث واجه "الديمقراطيّون" تقليدياً بعض التحدّيات والمصاعب، وكذلك في مقاطعات الضواحي مثل باكس ومدن مثل فيلادلفيا وبيتسبرغ. بعد ذلك بعامين، ألقى كلمة أمام "اللجنة الوطنية الديمقراطية" Democratic National Committee (DNC)  أكّد فيها على الاحترام المتبادل بينه وبين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، على رغم الاختلاف في وجهات النظر بينهما في ما يتعلّق بحقوق الإجهاض.

وكان كيسي قد دعم كلاً من مرشّحتي الرئيس أوباما لـ "المحكمة العليا" - صونيا سوتومايور وإيلينا كاجان - اللتين كانت لهما وجهات نظر تقدّمية في ما يتعلّق بحقوق الإجهاض، وصوّت ضدّ المرشّحين الثلاثة لترمب. وفي العام 2022، صوّت لمصلحة تثبيت كيتانغي براون جاكسون في المحكمة.

وفي العام نفسه، ذهب إلى أبعد من ذلك واتّخذ المزيد من الإجراءات بعد إلغاء "قضية رو ضدّ وايد"، معلناً دعمه للتشريع "الديمقراطي" الذي يهدف إلى سنّ بنودٍ تشريعية واضحة تضمن حقوق الإجهاض في القانون.

سو آن ديفيتو وهي ناشطةٌ في الحزب "الديمقراطي" من فيلادلفيا تعمل في مجال سمسرة العقارات، أكّدت دعمها لتغيير السيناتور بوب كيسي موقفه في التجمّع الانتخابي في غلينسايد. وقالت لصحيفة "اندبندنت": "يسرّني للغاية أنه بات يدعم حقوق المرأة. أعتقد أن بعض الأفراد لديهم القدرة على تغيير وجهات نظرهم مع مرور الوقت، وينبغي أن نرحّب بذلك".

في المقابل، تقدّم حملة ديف ماكورميك - كما هو متوقّع - منظوراً متناقضاً للموضوع. وفي هذا الإطار قالت إليزابيث غريغوري مديرة الاتصالات في الحزب "الجمهوري" في رسالةٍ عبر البريد الإلكتروني بعثت بها إلى "اندبندنت": "إن أي عضوٍ في ’مجلس الشيوخ‘ لم يمرّ بتغييرٍ جذري في موقفه المتعلّق بالإجهاض، أكثر من بوب كيسي جونيور. إن موقفه المتطرّف لا يتماشى مع مبادئ ’ولاية بنسلفانيا‘، والولايات المتحدة، أو والده الراحل".

ولدى طرح صحيفة "اندبندنت" السؤال على جون فيترمان في ما يتعلّق برأيه في تبدّل موقف كيسي من مسألة الإجهاض، أعرب عن اعتقاده بأن زميله بات الآن "يقف بقوة إلى جانب الحقّ في الاختيار"، وحاول تصوير ماكورميك على أنه أصبح منفصلاً عن اهتمامات الناخبين في ولاية "بنسلفانيا" وقيمهم، لأن هذا السياسي "الجمهوري" ينحدر من "ولاية كونيتيكت"، كما قال.

فيترمان - الذي انتزع أخيراً مقعداً من "الجمهوريّين" في ولاية بنسلفانيا - ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى غضب الناخبات من انقلاب الحزب على ’قضية رو ضدّ وايد‘ - أضاف يقول: "إن ماكورميك يعارض ذلك بالطبع".

يُشار إلى أن للشخصين تاريخاً طويلاً في التعاون، فعندما شكّك بعض الناخبين في قدرة فيترمان على مواصلة أدائه السياسي بعد إصابته بسكتةٍ دماغية، جال كيسي في مختلف أنحاء الولاية لحشد الدعم له. ويكمّل سحر كيسي البسيط وخلفيته العائلية شخصية فيترمان الأكثر صراحةً وواقعيةً والأقلّ تكلّفاً. وليس من المستغرب أن ينظر جو بايدن إلى كيسي باعتباره حليفاً له وسلاحاً سرّياً إلى حدٍّ ما: وهو يشير بمودّة إلى والد بوب كيسي جونيور بـ "بوب"، بينما يسمّي السيناتور الراهن: "بوبي".

تتمثّل وجهة النظر السائدة بين "الديمقراطيّين" في أن الفوز بالولاية في مرحلة ما بعد قرار "رو ضدّ وايد"، يتوقّف على التوفيق بين شخصيّاتٍ من عائلتي فيترمان وكيسي، وصياغة سرديةٍ حول الحقوق الإنجابية تبدو عمليةً ودقيقة، ولا تكون أيديولوجيةً بشكلٍ مفرط.

ومن المفيد أيضاً أن تكون لفيترمان وكيسي علاقاتٌ عميقة في المقاطعات التي يعتزمان تمثيلها. وقد قال فيترمان في هذا الإطار: "سأظلّ دائماً داعماً بنسبة 100 في المئة لصديقي و’سيّد بنسلفانيا‘، تحديداً في وجه ذلك الرجل الوافد من غرينتش (في إشارةٍ إلى ديف ماكورميك ’الجمهوري‘ المتحدّر من كونيتيكت)".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير