منذ زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الرياض في مايو (أيار) 2017 وإعلان دعمه قيام التحالف العربي لمواجهة محور الإرهاب بشطرَيْه الإيراني من ناحية والإخواني التكفيري من ناحية ثانية، يعمل هذا المحور جاهداً على إضعاف التحالف وكسر شوكته.
ويضم الجناح الأول لمحور الإرهاب هذا، إيران وجماعاتها في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، أما الجناح الثاني، فيتألّف من الشبكة الإخوانية والتنظيمات الجهادية، مدعومة من قطر وتركيا.
بزوغ نجم ترمب وأجندته المواجهة للإرهاب، أدى إلى عمل محور الإرهاب كل ضمن مناطق نفوذه للقضاء على التحالف العربي الذي يرتكز على قوة مصر والسعودية والإمارات، فتمددت جماعات إيران في العراق وسوريا ولبنان، ووسّعت الميليشيات الحوثية نشاطاتها وعملت طهران على تعزيز وضعها وتزويدها بأسلحة لتمكينها من فتح جبهة جنوبية ضد الرياض.
ويهدف العمل الإيراني إلى بناء مساحة استعمارية تمتد من الحدود الأفغانية إلى البحر المتوسط، واستفاد من مجموعة عوامل، فبينما كانت أميركا والغرب يساعدون العراقيين والسوريين في التخلص من تنظيم داعش عبر كسر شوكة الأخير وتحرير الأراضي في البلدين، تمدّدت ميليشيات إيران وسيطرت على بعض المناطق المحررة من التنظم، فاستفادت طهران من القوة الأميركية في عهدَيْ أوباما وترمب لترميم جسرها الاستراتيجي بين طهران والضاحية الجنوبية، وتمكنت من استرجاع "الهلال الخصيب" وإقفاله بوجه تحرك التحالف العربي، واستطاعت بحركة ثانية عبر اليمن من تهديد العمق الاستراتيجي للسعودية.
على المقلب الآخر للمنطقة، كثّف الإخوان، بدعم قطري تركي، التدخل ضد الجيش الوطني الليبي، والضغط في سيناء ومصر عبر الجماعات التكفيرية لاستنزاف الجيش المصري وإلهائه عن التدخل إلى جانب التحالف العربي في اليمن وسوريا والعراق، وضغطوا أيضاً في تونس، وحاولوا الحفاظ على نفوذهم في السودان، والتمدد إلى الصومال. ودعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الميليشيات الإخوانية في شمال سوريا على حساب المعارضة المعتدلة، وهدّد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً، ما جعل الأمور واضحة أن المحور الإسلاموي بجميع أطرافه، وزّع أدواره شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً.
في اليمن، وُزّعت الجبهات بين الحوثيين العاملين في الشمال، والإخوان المتمثلين في الإصلاح للانقضاض على اليمن الجنوبي. لكن أميركا في عهد ترمب ومنذ صيف 2018، أصبحت في موقف أقوى بدليل انسحابها من الاتفاق النووي ووضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، وصولاً إلى فرض عقوبات جبارة ضد مصالح وشخصيات إيران، ومنعها من تصدير نفطها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الهجوم الأميركي خلال هذه الفترة، دفع إيران إلى شنّ هجوم معاكس وبدأ استهداف مواقع سعودية نفطية انطلاقاً من اليمن، وتخريب سفن تابعة لدولة الإمارات، وصعّدت في العراق عبر حشد ميليشياتها، وتعمل على بناء قواعد صاروخية في سوريا. وفي ظلّ هذه الظروف، لم تقف أميركا مكتوفة اليدين، بل تصدت عبر حملة تعبئة عسكرية، وحرّكت قطعاً في أساطيلها وقاذفاتها إلى المنطقة، فلاحظت إيران أن أي عمل مباشر ضد أميركا سيشعل المنطقة ويسبّب بإرسال جيوش أميركية تعيد التذكير بحرب تحرير الكويت، وهذا أمر يعلم خامنئي أنه لن ينتهي حتى بإسقاطه. فركزت على استهداف حلفاء واشنطن، خصوصاً السعودية وضرب اقتصادها للتأثير في اقتصاد العالم، وذلك لوضع أميركا أمام خيارين، الفوضى في صفوف الدول الحليفة أو التراجع عن العقوبات.
الإخوان استفادوا من جهتهم من هذه الظروف، فقاموا بهجومهم العسكري أولاً في لبيبا عبر الحصول على دعم عسكري تركي إلى طرابلس ومصراتة لمواجهة تقدم الجيش الوطني الليبي، وفي الوقت ذاته، هددت أنقرة باجتياح مناطق سوريا الديمقراطية حليفة واشنطن، واجتمع أردوغان مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في خطوة تهيّىء لإزاحة تركيا من المحور الغربي وإلحاقها بالمحور الإيراني، ورأينا في الأشهر الماضية كيف حاولت الميليشيات الإخوانية السيطرة على مناطق في اليمن الجنوبي لمنع الجنوبيين من الاستمرار في دعمهم للحكومة الشرعية في الشمال، وإرغامهم على العودة الى الجنوب لمواجهة الأمر الواقع الإخواني، وأخيراً، رأينا المحاولة الإخوانية التنظيمية خلال بضع ساعات في مصر أخيراً، في مدن عدة لإثارة البلبلة وضرب صورة الجيش والحكومة والرئيس على مسافة أيام قليلة من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
وسط هذه المعطيات، فإن التنسيق بين قوى محور الإرهاب هو تنسيق مبرمج وواضح نراه في المنطقة وفي واشنطن، حيث اللوبيات الإيرانية الإخوانية. وبظل هذا الهجوم في المنطقة ضد التحالف العربي، يبقى السؤال ماذا ستفعل أميركا، وهل ستسمح بإضعاف التحالف إلى أبعد حدود، وتفتح حواراً جديداً مع القوى الراديكالية ممثلةً بإيران والدول الداعمة للإخوان.
ما يبدو حتى الآن أن إدارة ترمب ليست مستعدة للقيام بحرب هجومية ضد الامبراطورية الخمينية، ولكنها في الوقت ذاته، لن تسمح بسقوط دول إضافية بين يديها، وأيضاً لن تقبل باستضعاف مصر أو القوى التي تواجه داعش والقاعدة والميليشيات المتطرفة، ولذلك فإننا نشهد استراتيجية أميركية مرحلية تتراوح بين عدم شنّ هجوم مباشر على هذا المحور، وعدم السماح له بالتقدم إلى أن تتوفّر الظروف أمام ترمب في الداخل ليقود أميركا والتحالف الدولي لمساعدة التحالف العربي في إلحاق الهزيمة بالمتطرفين في شرق العالم العربي وغربه.