ملخص
"انتظار الولايات المتحدة لتأخذ الدور القيادي في تدبير غزة وتقديم سلام في الشرق الأوسط يشبه انتظار غودو"، بحسب داليا داسا وسنام وكيل في مقال تحت عنوان "الطريق إلى ما بعد النظام الإقليمي الأميركي، والشرق الأوسط وحده يمكن أن يعالج الشرق الأوسط"، وهذا رهان خاسر أيضاً ولا مجال لنظام إقليمي تهيمن عليه إسرائيل وتركيا وإيران في غياب العرب.
يجول وفد من وزراء الخارجية العرب في عواصم العالم بالتقسيط، تنفيذاً لقرارات القمة العربية الـ33 في البحرين، وقبلها القمة العربية الإسلامية في الرياض. ويتركز البحث على موضوعين مترابطين هما وقف الحرب على غزة، وفتح الطريق إلى دولة فلسطينية عبر مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة. وليس قليلاً ما دفعه ولا يزال يدفعه الفلسطينيون والعرب من أثمان على مدى 77 عاماً للعودة إلى نقطة البداية. عام 1947 صدر عن الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية. ديفيد بن غوريون، كما كتب توم سيغف مؤلف سيرته، قبل المشروع وقال لرفاقه "حقيقة امتلاك دولة أهم من حدودها، لأن الحدود ليست دائمة". ورفض العرب المشروع واعتبروا قبوله "خيانة" وهاجموا الاتحاد السوفياتي الذي كان مع الغرب في دعم المشروع. واليوم تطالب الأكثرية الفلسطينية والعربية والإسلامية بدولة فلسطينية ضمن حدود أصغر كثيراً من حدود مشروع التقسيم، ويستمر "محور المقاومة" في اعتبار حل الدولتين "خيانة للحق التاريخي".
وحرب غزة محكومة بأن تنتهي في وقت ما بعدما طالت أكثر من المتوقع. لكن السؤال هو عن مستوى المتغيرات الجيوسياسية التي تحدثها، وإن كانت تكفي لعقد مؤتمر دولي. فكل مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط جاء بعد حرب واسعة. مؤتمر جنيف بعد حرب 1973 بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا، ومؤتمر مدريد جاء بعد حرب "عاصفة الصحراء" التي قادت فيها أميركا تحالفاً دولياً لإخراج الجيش العراقي من الكويت، والشعور في إدارة الرئيس جورج بوش الأب بالحاجة إلى تقديم شيء للعرب في الصراع مع إسرائيل، حتى حرب أوكرانيا، وهي مرشحة لأن تكون نواة متغيرات أوسع من متغيرات حرب غزة، فإن المؤتمر الدولي الذي دعت إليه كييف في سويسرا ليس ضماناً لنجاح مشروع السلام، وخصوصاً في غياب روسيا غير المدعوة.
وأوراق التفاوض في يد العرب بعضها قوي، وبعضها الآخر ضعيف. الورقة القوية هي الوزن العربي والإسلامي ومعه تركيز إدارة الرئيس جو بايدن على العمل لحل الدولتين، والأوراق الضعيفة هي الوضع الصعب للسلطة الفلسطينية في رام الله، التي تحتاج إلى "تجدد" بحسب واشنطن، ورفض "حماس" وحكومة بنيامين نتنياهو حل الدولتين، فضلاً عن الحاجة، كما يدعو مارتن إنديك في "فورين أفيرز" إلى "قرار جديد من مجلس الأمن يطور القرار 242، ويعيد التزام المجتمع الدولي بالقرار 181 لعام 1947، الداعي إلى دولتين عربية ويهودية". وكشف في كتابه تحت عنوان "هنري كيسنجر: سيد فن الدبلوماسية في الشرق الأوسط" أن وزير الخارجية الأميركي كيسنجر قال له "لم أظن لحظة أنه ستكون هناك مصالحة عالمية، هدفي من عملية السلام كان إعطاء إسرائيل وقتاً لبناء قدراتها وتقليل عزلتها، وإعطاء العرب وقتاً ليتعبوا من الصراع ويعترفوا بفوائد العمل مع جار إسرائيلي قوي، وكان التركيز في عملية السلام على العملية لا على السلام".
ثم ماذا عن العامل الإيراني بعد العامل الإسرائيلي الرافض؟ إيران تقوم بأكبر استثمار في حرب غزة، ولو بالوكالة عبر أذرعها في المنطقة. وتراهن على أن تحدث حرب غزة تحولات في موازين القوى في المنطقة تضعف الهيمنة الأميركية وتقوي موقع "الجمهورية الإسلامية". فالتردد الأميركي في الانخراط قبل الحرب أعطى فرصة للاعب الإيراني في مستنقع الشرق الأوسط من أجل اختراق استراتيجي لإضعاف أحد خصومه في المنطقة، إسرائيل، وإذلال الولايات المتحدة وإنهاء نفوذها، ثم إعادة تشكيل المنطقة كما يريد، بحسب سوزان مالوني نائبة رئيس مؤسسة "بروكينغز" ومديرة برنامج السياسة الخارجية في مقال نشرته "فورين أفيرز".
وفي المبدأ والممارسة، فإن أميركا في ظل كل الإدارات، كانت توافق على مؤتمر دولي بمشاركة الاتحاد السوفياتي، ثم ينقضي المؤتمر بعد أيام لبدء مفاوضات ثنائية بين إسرائيل وكل طرف عربي على حدة بإشراف أميركي. وحكومة نتنياهو ضد أي مؤتمر دولي، وإدارة بايدن لا تتحمس إلى مؤتمر دولي تشارك فيه روسيا والصين. فأميركا والغرب كله عبر "الناتو" في صراع مسلح بالوكالة ضد روسيا في حرب أوكرانيا، والعلاقات بين واشنطن وموسكو تحت الصفر، والتوتر بين أميركا والصين يشتد، ليس فقط بسبب المناورات العسكرية الصينية الضخمة حول تايوان في محاكاة للاستيلاء على الجزيرة، بل أيضاً بسبب الخلافات التجارية وفرض الرسوم العالية على السلع المتبادلة بينهما، والصين اليوم أقوى مما كانت عليه في أي وقت، وروسيا تستخدم قوتها وتهدد بحرب نووية وتوحي بأنها على استعداد لمواجهة "الناتو" في الميدان في حرب عالمية ثالثة، أما أميركا، فإنها أضعف مما كانت عليه وقت إخراج قوات الرئيس صدام حسين من الكويت، وبعد نهاية الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي. ومن الصعب أن تتخذ إدارة بايدن، مهما يكن خطابها قوياً، قرارات قوية وخطوات دراماتيكية عشية الذهاب إلى انتخابات رئاسية بالغة الدقة، تبدو فيها حظوظ دونالد ترمب قوية، إن لم تصدر أحكام بسجنه في قضايا مهمة تتم محاكمته في شأنها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس أصعب من حل الدولتين سوى بدائله، من الدولة الواحدة لشعبين على قدم المساواة إلى دولة واحدة لشعب واحد من البحر إلى النهر، الأولى مهمة مستحيلة، ما دامت "حماس" و"فتح" خاضتا حرباً أدت إلى انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية وأوحت أن التعايش بينهما صعب، فكيف الحال بين اليهود والفلسطينيين خصوصاً بعد "طوفان الأقصى" وحرب غزة؟
والثانية هي مشروع حرب لـ100 عام من جديد، و"انتظار الولايات المتحدة لتأخذ الدور القيادي في تدبير غزة وتقديم سلام في الشرق الأوسط يشبه انتظار غودو"، بحسب داليا داسا وسنام وكيل في مقال تحت عنوان "الطريق إلى ما بعد النظام الإقليمي الأميركي، والشرق الأوسط وحده يمكن أن يعالج الشرق الأوسط"، وهذا رهان خاسر أيضاً ولا مجال لنظام إقليمي تهيمن عليه إسرائيل وتركيا وإيران في غياب العرب.