Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضغط الحكومات على الشركات للخروج من روسيا من دون فعالية

مئات المؤسسات الغربية موجودة في موسكو على رغم تعهدها بالمغادرة منذ بداية حرب أوكرانيا

هناك 2100 شركة غربية ومتعددة الجنسية ما زالت تعمل في روسيا منذ مطلع عام 2022 حتى الآن (أ ف ب)

بعد مرور أكثر من عامين على بداية الحرب في أوكرانيا وفرض العقوبات الأميركية والغربية غير المسبوقة على روسيا، ما زال عدد الشركات ومجموعات الأعمال الغربية التي تعمل في موسكو أكبر من العدد الذي غادرها استجابة لضغوط الحكومات على تلك الشركات لتنسحب من السوق الروسية.

هكذا خلص تحقيق لصحيفة "فايننشال تايمز"، مشيراً إلى أن فورة "الحماسة الأخلاقية" في البداية جعلت عدداً من الشركات الغربية تستجيب لضغوط حكومات بلادها الأصلية وتوقف أعمالها في روسيا أو تخفضها إلى الحد الأدنى.

لكن الواضح أنه بمرور الوقت فترت هذه الحماسة، وعادت الشركات ومجموعات الأعمال الغربية ومتعددة الجنسية العاملة في روسيا لحسابات المكسب والخسارة والمعايير الاقتصادية والمالية بغض النظر عن ضغوط الحكومات.

فما زالت شركات غربية كبرى موجودة في روسيا، كشركة مستحضرات التجميل ومنتجات "إيفون" التي تملكها مجموعة "ناتشورا"، إضافة إلى شركة إنتاج الغازات الصناعية الفرنسية "إير ليكويد" وحتى مجموعة المنتجات الاستهلاكية البريطانية "ريكيت" التي تنتج مسكنات الألم وغيرها لم ترحل عن موسكو.

إجمالاً هناك 2100 شركة غربية ومتعددة الجنسية ما زالت تعمل في روسيا منذ مطلع عام 2022 حتى الآن، وذلك في مقابل مغادرة 1600 شركة روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا بحسب الأرقام والبيانات من كلية كييف للاقتصاد.

من بين تلك الشركات ومجموعات الأعمال التي لم تغادر، شركة أعلنت من قبل خططاً للخروج من السوق الروسية.

تبريرات وتعقيدات

هناك بعض الشركات التي تبرر بقاءها بأن حكومة موسكو زادت من التعقيد البيروقراطي لعمليات "التخارج" أو تصفية الأعمال أو بيع أصول الشركات الغربية التي تريد مغادرة روسيا، وهوما جعل كلفة الخروج عالية جداً لتلك الشركات.

فيقول أحد المديرين التنفيذيين الذين يعلمون مع تلك الشركات للصحيفة إن "كثيراً من الشركات الأوروبية وجدت نفسها بين مطرقة وسندان"، مضيفاً "بعد ما قالوا إنهم سيغادرون، عرضت عليهم خيارات لمشترين لأعمالهم ليست مقبولة لهم إطلاقاً".

بالفعل بعد بداية الحرب ومع موجة نزوج الشركات في البداية بدأت موسكو زيادة كلفة تصفية أعمال تلك الشركات، إذ وصلت نسبة الخصم الإلزامي على سعر أصول "الدول غير الصديقة" حين بيعها لمشترين روس إلى 50 في المئة، ذلك إضافة إلى "ضريبة خروج" التي  تحصلها الدولة بحد أدنى 15 في المئة، هذا علاوة على أن أية شركة غربية تريد بيع أصولها أو أعمالها لا بد وأن تحصل على موافقة رسمية من السلطات، التي غالباً ما ترفض.

على سبيل المثال أعلنت مجموعة "إير ليكويد" في سبتمبر (أيلول) 2022 أنها وقعت مذكرة تفاهم لبيع أعمالها في روسيا لفريق المديرين الذي كان يعمل بها، لكن الموافقة الحكومية على الصفقة لم تصدر حتى الآن، لكن هناك شركات تخلت أصلاً عن فكرة الخروج من روسيا، حتى لو لم تكن التعقيدات البيروقراطية سبباً في بقائها.

من تلك الشركات مجموعة "ناتشورا" التي تملك علامة "إيفون" العاملة في السوق الروسية ومجموعة "ريكيت"، إذ كانت "إيفون" بدأت عملية بيع لأعمالها هناك لشركات روسية بالفعل، لكنها قررت في النهاية وقف عملية البيع وعدم الخروج من روسيا، أما مجموعة "ريكيت" فبررت تراجعها عن قرار الخروج من السوق الروسية بزيادة تعقيدات العملية.

حسابات الربح والخسارة

في الأثناء يرى كثير من المحللين أن الشركات الغربية بدأت تتحسب لما يمكن أن تتعرض له من خسائر نتيجة خروجها من السوق الروسية، إذ تنظر تلك الشركات إلى ما حدث مع مجموعات كبيرة مثل "دانون" و"كارلسبيرغ". فعلى رغم أن "دانون" تمكنت من بيع أعمالها في روسيا، إلا أن ذلك كان بنسبة خصم هائلة أدت إلى خسائر، بينما لم تتمكن "كارليسبرغ" من فعل ذلك إلى الآن ودخلت في معركة قضائية مع الحكومة في موسكو، ويوجد أحد كبار مديري الشركة في السجن في روسيا حالياً.

حتى تلك المجموعات الكبيرة متعددة الجنسية والشركات الغربية التي خرجت من السوق الروسية، وجدت معظمها طرقاً للالتفاف على ذلك بالبقاء في روسيا بصورة غير مباشرة على سبيل المثال، حين أعلنت شركة "بيبسي كولا" في مارس (آذار)  الماضي وقف إنتاج وبيع مشروباتها الأساسية في السوق الروسية، ظلت تشغل مصانع ألبان توظف نحو 20 ألف عامل فيها وأكثر من 4 آلاف آخرين من المزارعين بصورة غير مباشرة.

أما الشركة المنافسة "كوكاكولا" فأوقفت إرسال مستحلبات مشروباتها إلى روسيا، لكن خروجها الظاهري ذلك عوضته بشركة "كوكاكولا هيلينيك" التي تملك مجموعة "كوكاكولا" نسبة 21 في المئة منها.

وفي صيف العام قبل الماضي أسست شركة جديدة من المجموعة هي "مولتون بارتنرز" التي أطلقت ماركات روسية مقلدة لـ"كوكاولا" أشهرها "دوبري كولا"، 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فبعض تلك الشركات التي تعمل في السوق الروسية منذ 30 عاماً تقريباً، شيدت مصانع عدة بالفعل وأسست بنية تحتية كبيرة لا تريد أن تبيعها بخسارة وبسعر يقل عن 90 في المئة من قيمتها، فضلاً عن أن بعض تلك الشركات ترى أن خروجها من روسيا إنما سيوفر للمشترين الروس فرصة تلبية حاجة السوق من منتجات مماثلة لمنتجاتها، بالتالي تصبح خسارتها مضاعفة.

ويشير تحقيق الصحيفة إلى أن عدداً كبيراً من بين الشركات ومجموعات الأعمال التي ما زالت موجودة في روسيا لم تعد مهتمة تماماً بمسألة المغادرة، خصوصاً مجموعات الأعمال الكبرى مثل "نستله" و"يونيليفر" و"مونديليز" و"فيليب موريس".

حتى في قطاع المصارف هناك من لم يعد معنياً بالاستجابة لضغوط ترك السوق الروسية، وكانت "فايننشال تايمز" كشفت أخيراً عن أن بنك "رايفايزين" النسموي أعلن حملة توظيف واسعة في روسيا، مما يشير إلى أنه ليس فقط لا ينوي مغادرة السوق، بل يتوسع فيها.

توجه سابق للبقاء

على أية حال قد يبدو من تحقيق الصحيفة أن الشركات ومجموعات الأعمال الغربية بدأت تتخلص من "الحماسة الأخلاقية" التي سادت في بداية حرب أوكرانياـ لذا لم تعد مستعدة للاستجابة تماماً لضغوط الحكومات لمغادرة السوق الروسية، ذلك على رغم أن تلك الضغوط تزيد باستمرار مع توسيع وتشديد العقوبات الغربية على موسكو.

فحتى في الأشهر الأولى بعد الحرب، وباستثناء بعض الشركات التي سارعت بإعلان خطط المغادرة أو بدأت بالفعل عملية خروج، ظلت شركات غربية ومتعددة الجنسية كثيرة تعمل في السوق الروسية.

إلى ذلك في العام الماضي نشرت جامعة "سانت غالن" السويسرية دراسة عن مدى استجابة الشركات الغربية العاملة في روسيا لضغوط الخروج من السوق الروسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وخلصت تلك الدراسة إلى أن نسبة "خروج" الشركات والأعمال الغربية من الاقتصاد الروسي صغيرة جداً".

فحسب تلك الدراسة حين بدأت الحرب في أوكرانيا كان هناك 2405 شركات وفروع تابعة لشركات من دول أوروبا ودول مجموعة السبع العاملة في السوق الروسية وعددها 1404 شركات.

وبحسب التقرير فإنه بنهاية عام 2022، أي بعد 10 أشهر من الحرب، لم تتخلص سوى نسبة تسعة في المئة من تلك الشركات من أعمالها في روسيا.

وقال البروفيسور سايمون إيفينيت والبروفيسور نيكولو بيساني في البحث، "شكلت عمليات الخروج للشركات من الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع التي لها أعمال في روسيا ما مقداره نسبة 6.5 في المئة فقط من الأرباح قبل الضرائب لكل الشركات الغربية العاملة في روسيا، إذ مثلت ما نسبته 8.6 في المئة من قيمة أصول تلك الشركات ونسبة 10.4 في المئة من إجمال عائدات تلك الشركات من أعمالها في روسيا، وما نسبته 15.3 في المئة من إجمالي العاملين في تلك الفروع والشركات التابعة والمصالح".

ومن الواضح أن حسابات المكسب والخسارة والعائدات والأرباح للشركات الغربية تغلبت على الضغوط السياسية و"المعايير الأخلاقية"، مما جعل معظم الشركات ومجموعات الأعمال تتراجع عن خططها لمغادرة السوق الروسية.